فوجئت الفنانة ليلى مراد وهى فى فرنسا بخبر بجريدة الأهرام يوم 12 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1952، يقول: «منعت الحكومة السورية عرض أفلام ليلى مراد، وإذاعة أغانيها من راديو دمشق لأنها زارت إسرائيل وتبرعت بخمسين ألف جنيه لحكومتها».
قلب هذا الخبر حياة ليلى رأسا على عقب، بوصف الكاتب والناقد الفنى أشرف غريب فى كتابه «الوثائق الخاصة لليلى مراد»، لأنه جاء بعد أربع سنوات من تأسيس إسرائيل «1948»، وبعد أقل من شهرين من قيام ثورة 23 يوليو1952، ولأن ليلى كانت يهودية الديانة حتى أشهرت إسلامها عام 1947، فرضت القضية نفسها.
طالت الاتهامات «أنور وجدى» زوجها السابق، ووفقا لمجلة «نصف الدنيا»، 2 مارس 2003 فى عددها الخاص «ليلى مراد»، تذكر الكاتبة سناء البيسى فى مقالها الافتتاحى: أشاع أنها تبرعت بخمسين ألف جنيه للجمعيات الخيرية الإسرائيلية، لكن الطعنة ارتدت له لأنه عندما صدر القرار بإيقاف أفلامها كانت هى أفلامه أيضا التى قام بإنتاجها فخسر الكثير فى السوق العربية، وانتصر الحق بعدما سقطت ليلى فى باريس غائبة عن الوعى عندما سمعت بالوشاية ولم تنطق سوى: الله يجازيك يا أنور».
يذكر «غريب»، أن ليلى سارعت وهى فى باريس بإعداد ملف يشمل صورة دقيقة من حساباتها بالبنوك وأنها ليس لها أى حساب سوى فى «العربى والعثمانى»، ووثيقة من القنصلية المصرية فى باريس تثبت أنها لم تغادر فرنسا منذ أن وصلتها يوم 8 أغسطس 1952، كما أصدر أنور وجدى بيانا يوم 20 سبتمبر 1952 قال فيه: «أقر أنا أنور وجدى وأعترف بأن طلاقى من السيدة ليلى هانم مراد لم يكن بسبب خلاف دينى، لأن السيدة ليلى مراد مسلمة وموحدة بالله سبحانه وتعالى منذ حوالى سبع سنوات، كذلك لم يكن سبب الطلاق لخلاف سياسى أو ميول وطنية من أى نوع، وإنما هى عربية مسلمة صميمة يحبها العرب جميعا، وهى تبادلهم هذا الحب، وإنما الأسباب التى أوصلتنا إلى هذا الطلاق الذى نأسف له الآن كان لأسباب عائلية يحدث مثلها كل يوم بين جميع الناس».
يضيف «غريب»، أنه فى 24 أكتوبر 1952 أرسل اتحاد النقابات الفنية برئاسة الفنان سراج منير خطابا إلى إدارة الشؤون المعنوية بالجيش، يطلب فيها توضيحا رسميا حول القضية، وردت «الشؤون» بعد ثلاثة أيام بخطاب من مديره وجيه أباظة قال فيه: «بعد تحريات جهات الاختصاص تبين أن ليلى مراد لم تسافر إلى إسرائيل ولم تتبرع لها ولا صحة لما نشر عن تبرعها لحكومة إسرائيل بأى مبلغ من المبالغ»، وسافر سراج منير إلى دمشق وكذلك محمود الشافعى رئيس غرفة صناعة السينما، ومعه المستندات ليقدمها إلى الحكومة السورية، فتيقنت الحكومة من قوة موقف المطربة الشهيرة وبادرت بإلغاء قرارها.
بعد أن ظهرت الحقائق فى القضية، نشرت مجلة «الكواكب» حوارا مع الفنانة الكبيرة فى عدد 66 بتاريخ 4 نوفمبر 1952، جاء فيه، أنها تلقت وهى فى باريس من مصر أن الحكومة السورية منعت عرض أفلامها وصادرت كل أغانيها، وأن موزعى الأفلام ردوا كل أفلامها، وأضافت: «دهشت وأيقنت أن الحكومة السورية خدت الحكاية بجد، وعزمت على السفر إلى سوريا لأقدم نفسى للحكومة السورية وأطالبها بإجراء التحقيق معى حتى تتضح براءتى، أما إذا ثبت اتهامى فلها أن تفعل بى ما تشاء، أن شالله تودينى جهنم».
تضيف ليلى: «لقيت الإشاعة راجت فى مصر، قلت لأ، الأفضل أن أرجع بلدى أولا، وأضع نفسى رهن إشارة الحكومة المصرية عشان تحقق معايا، وتثبت براءتى من التهمة المبيتة دى، خصوصا ومصر الآن فى عهد جديد مفيهاش مجاملات ولا خواطر، ولا تساهل فى مسألة التجسس والخيانة، وحمدت ربنا إن الإشاعة دى حصلت واحنا فى عهد حكومة «محمد نجيب» لأنها لو حصلت قبل كده، فى عهد الفساد، كانوا قالوا إنى اشتريت براءتى بالفلوس والرشوة، والحمد لله ثبت براءتى ثبوتا تاما، كما ثبت أن هذه الإشاعة مكذوبة من أساسها ولا صحة لها على الإطلاق، وثبت ذلك بعد التحريات الدقيقة والتحقيقات واسعة النطاق التى قام بها قلم المخابرات السرية».
وناشدت ليلى الرئيس السورى العقيد أديب الشيشكلى، قائلة: «واثقة تمام الثقة من عدالة العقيد الشيشكلى ونزاهة حكومته، وأنه لا يمكن أن يرضى عن ظلم فنانة مصرية بريئة روجت ضدها إشاعات مغرضة حقيرة بقصد القضاء على مكانتها الفنية وسمعتها الأدبية».
يستنتج «غريب» أن إسرائيل كانت وراء تفجير هذه الشائعة، مؤكدا أنه «أسلوب اتبعته الدولة العبرية كثيرا وخصوصا فى عقد الخمسينيات مع العناصر التى تريد استقطابها، ويتمثل فى تكدير حياة هؤلاء وتصدير المشكلات لهم حيث يقيمون، فإما أن يضيقوا ذرعا بالعيش فى بلادهم مفضلين الرحيل، وإما أن تقوم السلطات نفسها بترحيلهم، ويصبح بعد ذلك من السهل اجتذابهم إلى دولتهم الناشئة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة