نعيش هذه الأيام ذكرى ميلاد سيدنا النبى محمد، عليه الصلاة والسلام، والذى يقال إنه ولد فى عام الفيل، فما الذى جرى فى ذلك العام.
نعتمد على كتاب "ثورة الإسلام وبطل الأنبياء.. أبو القاسم محمد بن عبد الله" لـ محمد لطفى جمعة، وجاء تحت عنوان "موقعة الفيل الشهيرة": وفي اليوم التالي لفشل المفاوضات تهيأ أبرهة لدخول مكة وهيأ فيله وعبَّأ جيشه وبينه وبينها مسيرة ثلاثة أيام. ونحن نؤمن بحديث الفيل؛ لأن القرآن جاء مؤيدًا للتاريخ، قال الله — سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (سورة الفيل).
ولكن السبب الظاهر لمخالفة الفيل أمر سائسه هو وجود نفيل بن حبيب الخثعمي الذي كان أسيرًا في جيش أبرهة، فعله كان عارفًا بترويض الفيلة، أو تلقن من السائس ألفاظًا مصطلحًا عليها يطيعها الفيل، أو أنه دربه أثناء أسره على طاعة أمره؛ فقد رأينا ذا نفر — الأسير الآخر الذي خالطه عبد المطلب — صديقًا لأنيس سائس الفيل، فلا يبعد أن يكون نفيل الخثعمي قد صادقه لعلة؛ وهي الاستيلاء على إرادة الفيل لبلوغ الأرب المشترك؛ وهو صد هجومه عن الكعبة.
وإذنْ تجري القصة بأنه لما وجهوا الفيل إلى مكة أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنب الفيل فالتقم أذنه فقال: «أبرك محمودًا وارجع راشدًا» وليس «محمودًا» اسم الفيل كما زعموا ولكنها صفة تقابل «راشدًا»، أي تحمد إن بركت، وترشد إن رجعت، ثم أرسل أذنه وانتهز نفيل فرصة الاضطراب الذي يسود جبهة الجيوش في مثل هذه الأحوال ولاذ بالفرار حتى أصعد في الجبال وبرك الفيل في جيش أبرهة «وانتشرت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام.» وهلكت الكثرة من رجال أبرهة ونجت القلة، وممن نجا أنيس سائس الفيل وخادمه، وقد لجآ إلى مكة وعاشا بها إلى أن شاخا وعميا ورأتهما سيدتنا عائشة أم المؤمنين — رضي الله عنها — يتسولان في شوارع مكة.
ولما رد الله عن مكة الحبشة وأصابهم ما أصابهم من النقمة، أعظمت العرب قريشًا وقالوا: «الله قاتل عنهم وكفاهم مؤنة عدوهم.» فجعلوا يقولون في ذلك الأشعار قبل نزول السورة الكريمة بأربعين عامًا؛ إذنْ جاءت هذه السورة لتأييد التاريخ وإظهار محبة الله للبيت الحرام حتى قبل البعثة المحمدية، وما زال البيت في أيدي الوثنيين، وكان مثابة للأصنام؛ لأنه رُفع بأمر الله لإحياء كلمة التوحيد، بناه إبراهيم وإسماعيل، وعما قريب يعيدها محمد، ولا يعقل أن الله أهلك جيش أبرهة وأظهر معجزة الفيل على يد نفيل بن حبيب الخثعمي غيرةً على الكعبة التي كانت مخدعًا لهبل وإساف ونائلة! ولكنها كانت في أول أمرها معبدًا لتوحيده بناها نبيان بأمره وسوف تكون بعد أربعين عامًا كعبة المسلمين وقبلتهم.
وكان مولد محمد ﷺ في هذا العام نفسه، وهو عام الفيل، وتاريخه 570م، فحملة الفيل هي «حرب السبعين» في جزيرة العرب التي باء فيها الأحباش واليمنيون بالخسران. وكان عام النهضة بمولد نبي المستقبل، وفوجئ عبد المطلب في هذا العام بكوارثَ عدة؛ منها: موت ولده عبد الله، وهجوم الأحباش على وطنه، وانزعاجه بضياع إبله التي كافح لدى أبرهة في استردادها حتى أعادها إلى قوافل الميرة. وإنك لتُحس في سورة الفيل بروح الوعيد لأعداء نبي المستقبل.