استمر الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات فى هز يد إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل أثناء مصافحتهما، بينما كان «رابين» يحاول التخلص منها فى الاحتفال الذى دعا إليه الرئيس الأمريكى بيل كلينتون فى البيت الأبيض بواشنطن، للتوقيع على اتفاقية أوسلو يوم 13 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1993 والذى تم ترويجه تحت شعار «غزة أريحا أولا».
كانت لهذه المصافحة أسرار خلف الكواليس، وحسب كتاب «ستون عاما من الصراع فى الشرق الأوسط –شهادات للتاريخ»، يكشف شيمون بيريز رئيس إسرائيل الأسبق ووزير الخارجية وقتئذ: «ما لا يعرفه العالم، هو أن رابين رفض التوجه إلى واشنطن، بسبب أنه لم يكن يعتزم إطلاقا مصافحة عرفات، لذلك فكرنا فى أن يقوم أبو مازن وأنا بالتوقيع، ولكن كلينتون أصر على أن يتوجه رابين إلى البيت الأبيض، فانتهى الأمر بأن رضخ رابين، ولكنه لم يقبل عن طيب خاطر».
يضيف «بيريز»: «فى أثناء المراسم رأى الجميع رابين وكأنه يقول لا بكل جسده إلى عرفات، ثم قام كلينتون بالتقريب بين الرجلين بهدوء، ومن أجل المصافحة عرفات قدم يده، ولكننا رأينا رابين يتردد، لقد بدا الأمر أقوى من قدرته عليه، كان اشمئزازه واضحا إلى حد أننى لا أعتقد أنه كان يمكن أن يخفى على الكثيرين، استمرت المصافحة دهرا، فعرفات لم يتوقف عن هز يد رابين، وفى النهاية عندما استطاع التخلص من يده، تحول رابين ناحيتى وهمس لى قائلا : «جاء دورك، الآن»، وكأنه أراد أن أشاركه تجربة غير محتملة».
اشمئزاز رابين بالرغم من مكاسب إسرائيل فى هذه الاتفاقية التى تمت بعد مفاوضات سرية لسبعة أشهر، انتهت بتوقيع أولى عليها فى أوسلو ليلة 20 أغسطس 1993، ثم دعا الرئيس الأمريكى كلينتون إلى الاحتفال بتوقيعها يوم 13 سبتمبر 1993، ويتذكر «بيريز»: «هذه الليلة «20 أغسطس» نفسها هى ليلة ذكرى مولدى السبعين، أبو علاء ابتسم لى وقال: «هذا الاتفاق هو هدية عيد ميلادك»، يعلق بيريز: «لقد كان هدية عيد ميلاد جديدة».
يكشف «بيريز» أسرار هذه المفاوضات، قائلا أنه فى بداية عام 1993 عقد اثنان من أساتذة الجامعة الإسرائيليين هما «يائير هير شفيلد، ورون بونداك» مباحثات سرية فى أوسلو مع مساعدين مقربين من ياسر عرفات منهم «أحمد أبو قريع «أبو علاء» و«حسن عصفور» و«ماهر الكرد»، وهذه المباحثات باتت ممكنة بفضل «تيرج رود لارسون» الخبير النرويجى فى العلوم الاجتماعية ومدير المعهد النرويجى للعلوم الاجتماعية التطبيقية الذى منح الأستاذين الإسرائيليين تغطية علمية.
يؤكد «بيريز» أنهم عرفوا أن «أبومازن» عضو اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية كان يتلقى من «أبوعلاء» تقارير عن المباحثات ويشجعه على الاستمرار، ويضيف «بيريز» أنه بعد أن تأكد أن هذه المباحثات جادة بدرجة كافية تسمح بالذهاب إلى أبعد من ذلك، أبلغ اسحق رابين رئيس الوزراء الذى لم يكن على علم بوجودها، ويقول: «فى البداية لم يصدق رابين نجاحها، ولكن بما أن المباحثات سرية، ولذا يمكن أن يتنكر لها فى أى وقت، أعطانى حرية التصرف، وهكذا تواصلت المباحثات».
يكشف «بيريز» أنهم مع تقدم المفاوضات بعثوا «يورى سافير» سكرتير عام فى وزارة الخارجية دون أن يرافقه أى عضو من الحكومة، ويقول: «كان علينا أن نكون واضحين حول موقفنا: القدس ستظل خارج اتفاق بالحكم الذاتى، وسوف نرفض كل تحكيم دولى»، ويؤكد: «لم يعرف أحد شيئا، ليس فقط فى الحكومة ولكن أيضا جهاز الموساد نفسه كان يجهل تماما ما يجرى، وكذلك أجهزة المخابرات العربية والبوليس السرى النرويجى».
وعن كيف جاء اقتراح «غزة أريحا أولا»، يقول بيريز: «بدا لنا واضحا بسرعة أنه لو احتلت غزة كل المفاوضات، لشك الفلسطينيون بالتأكيد أننا لا نريد أن نعيد لهم تلك الأراضى التى يصعب إدارتها، وكانوا سيخشون من أن «غزة أولا» ماهى إلا «غزة فقط»، ولكى نصل إلى خيار «غزة أولا»، كان يجب أن تتحول إلى «غزة وشىء ما أولا»، وأخيرا توصلنا إلى خيار «غزة وأريحا أولا» كما طلبت منظمة التحرير، وكما أن أريحا تقع فى الضفة الغربية، فقد أقيمت الدولة الفلسطينية فى نفس الوقت على المنطقتين، ووافقت على هذا الاقتراح بسرور، خاصة أنه لم يكن هناك مستوطنات بمنطقة أريحا، وأن هذه المدينة لم تكن قريبة جدا من القدس، وهو ما خفض مشاكل الأمن، وبالتالى طمأن مخاوف عدد لا بأس به من الإسرائيليين».
وعن دور مصر، يكشف بيريز: «حسنى مبارك الذى كنت على اتصال دائم معه، ومستشاره الخاص أسامة الباز وأيضا وزير الخارجية عمرو موسى، كانوا جميعا على علم بالمفاوضات السرية، وقدموا مساعدات حقيقة للفلسطينيين ولنا من أجل إحراز تقدم فى عملية السلام، أسامة الباز بعد لقائه مع رابين فى بداية المباحثات أقنع عرفات بجدية مسعانا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة