- "وسراجًا منيرًا" أحدث الحملات التي أطلقها "الأزهر" للاحتفال بالمولد النبوي الشريف
- (55%) من فتاوى الدول الإقليمية والعربية تذهب إلى التحريم والبدعة لسيطرة بعض التيارات المتشددة على المشهد العام
تزامنًا مع ذكرى المولد النبوي الشريف، قام المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم برصد وتحليل عينة من الفتاوى قُدرت بـ (300) فتوى حول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث كانت العينة متنوعة المصادر والجنسيات، كشف فيها مؤشر الفتوى عن تنوع الأحكام الفقهية الواردة في هذه الفتاوى بين (جائز) بنسبة (56%)، و(غير جائز) بنسبة (30%)، وحكم (الاستحباب) جاء بنسبة (14%)، وصدرت أغلب الفتاوى المتضمنة لحكم الجواز من قِبل جهاتٍ وشخصياتٍ رسميةٍ بنسبة (75%)، وتنوَّعت ألفاظ أحكامها بين (يجوز، ومشروع، ولا بأس، ولا حرج)، ومن أبرز متبنيها دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف ودائرة الإفتاء الأردنية.
بينما صدرت أغلب الفتاوى المتضمنة للحكم (غير جائز) من قِبل شخصياتٍ غير رسمية بنسبة وصلت إلى (80%)، وتنوَّعت ألفاظ أحكامها بين (بدعة، وحرام، ولا يجوز)، ومن أبرز متبنيها التونسي "خميس الماجري"، والسلفي حاتم الحويني، وموقع "الإسلام سؤال وجواب"، والتي تكمن خطورتها في أن بعضًا من هؤلاء الدعاة غير الرسميين يحظون بالقبول الشعبي خاصة الشبابي في ظل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وبالتالي فإن تأييدهم للفتوى غير الرسمية المناقضة للفتوى الرسمية المنضبطة يؤشِّر لضرورة تقديم المزيد من الأدلة الشرعية، وتكثيف الجهود الدعوية للتعريف بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وضوابطه، وتفنيد الأدلة التي تخرج بها الفتوى غير الرسمية وتستخدمها في تحقيق الإقناع الشعبي للعامة.
فتاوى الأزهر والإفتاء تُجيز إحياء المولد النبوي بالذكر والعبادة
وقد كشفت عينة مؤشر الفتوى، عن إجازة الفتوى الرسمية المصرية التي كان على رأسها مؤسستا الأزهر الشريف ودار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية لإحياء المولد النبوي الشريف والاحتفاء به، وقد حرصت المؤسسات الرسمية على التطرق لمختلف القضايا المتعلقة بالاحتفال بهذه المناسبة، والتي تمثلت فيما يلي: بيان حكم الاحتفاء بالمناسبة وجاءت بنسبة (45%) من إجمالي الفتاوى الرسمية بشأن هذه القضية، بينما جاءت الفتاوى المتعلقة بحكم شراء الحلوى والهدايا والتهادي بها بنسبة (35%)، وجاءت نسبة الفتاوى حول صيام هذا اليوم بنسبة (20%) من إجمالي فتاوى العينة الرسمية. حيث اعتبرت الفتوى أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف شاهدٌ على الحب والتعظيم لجناب سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والفرح به، وشكرٌ لله تعالى على هذه المنَّة كما قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: 58]. وأن صيام هذا اليوم جائز، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كان يصوم يوم الإثنين والخميس، وعندما سُئل عن هذا قال: هذا يوم ولودت فيه، وكأنه يشكر ربنا على نعمة الوجود. "وفيما يتعلق بحكم شراء الحلوى والتهادي بها في هذا اليوم، أكدت الفتوى الرسمية على أنها من العادات الحسنة إذا كان مقصدها إدخال السرور على أهل البيت وصلة الأرحام فهذا مستحبٌّ مندوبٌ إليه، كما وأنه إذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان أشد مشروعية وندبًا واستحبابًا؛ لأن الوسائل تأخذ أحكام المقاصد.
وقد وضع مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، خطة دعوية للاحتفال والاحتفاء بذكرى مولد سيدنا ونبينا محمد ﷺ، ومن أهمها ️إطلاق حملة إلكترونية عبر صفحات المركز الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت عنوان: «وسراجًا منيرًا»، تُذكّر بسيرته ﷺ، وتبين علو قدره، ومنزلته، وكريم شمائله وفضائله ﷺ.
(55%) من الفتاوى العربية والإقليمية بين حرام وبدعة و(45%) منها يجوز
وتابع المؤشر العالمي للفتوى أنه رصد عينة من فتاوى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في أكثر من دولة على الصعيد العربي والإقليمي، مثل الجزائر وقطر وليبيا وفلسطين ولبنان وتونس، موضحًا أنه بقياس نسبة الفتاوى التي تجيز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كانت (45%)، في مقابل (55%) قالت بعدم الجواز بل التحريم أحيانًا والبدعة أحيانًا أخرى، لا سيما في ليبيا وتونس.
وأرجع مؤشر الفتوى ارتفاع نسبة فتاوى التحريم، إلى الأوضاع المضطربة التي تتعرض لها بعض هذه الدول، وسيطرة بعض التيارات المتشددة على المشهد بها، وغياب الرقابة العلمية على المحتوى المنشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
مؤشر الفتوى يوضح أبرز الأدلة الواردة في الفتاوى الرسمية وغير الرسمية
وقد حلَّل مؤشر الفتوى أبرز الأدلة الواردة في الفتاوى الرسمية وغير الرسمية، موضحًا أن أبرز ما جاء في فتاوى المؤسسات الرسمية هو ما جاء عن السيدة عائِشةَ رضي الله عنها أنها قالت: "كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُحبُّ الحَلواءَ، ويُحبُّ العسَلَ"، رواه البخاري وأصحاب السنن وأحمد، فكان هذا الصنيعُ منهم سُنَّةً حسنة، كما أن التهادي أمر مطلوب في ذاته، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "تَهَادوا تَحَابوا" رواه الإمام مالك في الموطأ، ولم يَقُمْ دليلٌ على المنع من القيام بهذا العمل أو إباحَتِه في وقت دون وقت، فإذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأُخرى؛ كَإدْخَالِ السُّرورِ على أهلِ البيت وصِلة الأرحامِ فإنه يُصبح مستحبًّا مندوبًا إليه، فإذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولدِ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان أشَدَّ مشروعيةً وندبًا واستحبابًا؛ لأنَّ "للوسائل أحكام المقاصد".
ومن أبرز الأدلة التي جاءت في فتاوى بعض المتشددين الذاهبة إلى تحريم الاحتفال، أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، وأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"؛ أي: مردود عليه، وقال في حديث آخر: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"، وهذا تأويل خاطئ منهم لمفهوم البدعة، ومنشؤه عدم إدراكهم لمفهوم البدعة في الشريعة؛ فالبدعة ليست على إطلاقها.
تقبل شعبي عربي وإسلامي لفتاوى الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف
أكد المؤشر العالمي للفتوى على التقبل الشعبي للفتاوى المجيزة للاحتفال بالمولد النبوي الشريف بصورة عامة والتي تم تحليلها وفقًا لعينة من التعليقات والمنشورات تم رصدها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت الاختلافات طفيفة حول الموقف الشعبي من الفتاوى المختلفة بشأن الاحتفال بهذه المناسبة، فبنسبة (40%) كان القبول الشعبي للفتاوى التي تجيز الاحتفال بشكله الحالي وتبادل الأطعمة والحلوى فيه. وبنسبة (20%) كان الأخذ بالفتوى التي تحرّم الاحتفال بالمولد بتبرير كراهة بعض علماء الأمة للاحتفال مثل الشاطبي وابن تيمية أو إنكار الاحتفال بادعاء عدم احتفال الصحابة والتابعين به. وبنسبة (25%) كان قبول الفتاوى التي تجيز الاحتفال بالمناسبة ولكن بضوابط ومنها الذكر والعبادة والدعاء وقراءة سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم والاقتداء به. وبنسبة (15%) كان الأخذ بفتاوى تجيز قبول تبادل الحلوى والهدايا دون احتفال بالمناسبة بهدف إدخال السعادة والسرور على الأبناء وأهل البيت دون قبول فكرة الاحتفال بذاتها.
وبحسب مراجع ومصادر تاريخية، أشار مؤشر الفتوى إلى أن كثيرين أرجعوا تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إلى الفاطميين، وأن بداية الاحتفال بذكرى ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم تُنسب للخليفة الفاطمي المعز لدين الله بعد دخوله إلى مصر، ونوهت تلك المراجع إلى أن الاحتفالات كانت وسيلة ذلك الخليفة للتقرّب من المصريين، عبر مناسبات عامة يطغى عليها الفرح والسرور والمناسبات الاجتماعية.
وأوضح مؤشر الفتوى أنه مع مرور الزمن، كانت الطرق الصوفية أكثر المذاهب الإسلامية اهتمامًا بإحياء ذكرى المولد النبوي، وكذلك موالد الأولياء الصالحين عمومًا، وهذه الاحتفالات من التقاليد الراسخة في مصر وعدد من الدول الأخرى، وتابع مؤشر الفتوى أنه في حين يتبنى التيار المتشدد وعلماؤه في عدة دول وجهة نظر ترى أن الاحتفال بتلك المناسبات "من البدع"، تؤكد فتاوى المؤسسات الرسمية، كالأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية وغيرها من دور الفتوى، في عدة فتاوى صدرت خلال فترات زمنية متعاقبة أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من مظاهر تعظيم الرسول وإظهار محبته، وأصّلت لذلك بأن القرآن الكريم والسنة النبوية وإن لم يشيرا صراحة إلى الاحتفال بالمولد، غير أن ذلك يعدّ من مظاهر تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وإظهار محبته، واعتبر مؤشر الفتوى بناء على قراءته للفتاوى أنَّ احتفالات المولد النبوي الشريف ومظاهره وإن لم تكن فريضة، غير أنها ليست من المحرمات أو البدع المذمومة شرعًا؛ لأنّ المولد النبوي الشريف تعبير عن الفرح والحب، وفيه اجتماع على تلاوة القرآن، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقصائد المديح، منوهًا إلى أن هناك من العلماء من يحكم على الاحتفال بالمولد النبوي بأنّه "بدعة حسنة"، مثل ابن حجر العسقلاني، وهو كذلك رأي جلال الدين السيوطي الذي يرى أنّه "بدعة حسنة يثاب عليها صاحبها".