هتف الحاضرون فى حفل سيدة الغناء العربى أم كلثوم بالنادى الأهلى ليلة عيد الفطر: «يحيا الملك/ مصر للملك/ شعب مصر للملك/ عاش الملك/ عاشت مصر/ يعيش فاروق ملك مصر والسودان/ يعيش جلالة الملك ».
كان الحفل يوم الأحد، 17 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1944، وفاجأ الملك فاروق الجميع بالحضور، غير أن حضوره لم يكن بغرض الاستماع إلى أكبر مطربة عربية والاستمتاع بغنائها، وإنما كان لأسباب سياسية يذكرها كريم ثابت فى الجزء الثانى من مذكراته «ملك النهاية.. فاروق كما عرفته».
كان كريم ثابت من المقربين للملك فاروق وعمل مستشارا صحفيا له عشر سنوات، وكتب مذكراته معه فى جزأين، يقول فى الجزء الثانى منها: «ذهب مرة إلى النادى الأهلى ليسمع أم كلثوم فى حفل من حفلاتها، ذهب فى الحقيقة لمأرب سياسى، وليس لسماع كبيرة مطربات الشرق، فقد كانت وزارة الوفد متربعة يومئذ فى دست الأحكام، وقد ذهبت فى مناوأتها لفاروق إلى منع إذاعة القرآن الكريم فى قصر عابدين أثناء شهر رمضان، ففكر أحمد حسنين باشا، وكان رئيس الديوان الملكى آنذاك، مع بعض أصدقائه فى مناورة يغيظون بها الوزارة، وهى أن يذهب فاروق إلى النادى الأهلى، بينما أم كلثوم تغنى والإذاعة مفتوحة، فيردد الراديو صدى أصوات التصفيق والهتافات التى سيقابل بها، فيسمعها الناس فى كل مكان، وحدث ذلك فعلا، وفى تلك الليلة أنعم فاروق على أم كلثوم بينشان الكمال من الطبقة الثانية».
فى وقائع الحفل وكما نسمعها فى التسجيلات، يعلن المذيع: «شرف حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق»، فتعلو الهتافات: «يحيا الملك، مصر للملك، عاش الملك، عاشت مصر، يعيش فاروق ملك مصر والسودان، يعيش جلالة الملك، عاش الملك، يحيا الملك».
واصلت أم كلثوم الغناء بعد الهتافات، فتصرفت فى أغنية «يا ليلة العيد» التى بدأت بها الحفل، قائلة: وقلنا السعد هيجينا على قدومك فى ليلة العيد «تقصد الملك»، ويذكر الدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «الغناء المصرى.. أصوات وقضايا»: «تصرفت فى أغنية «يا ليلة العيد» التى بدأت بها الحفل، لتحول ضمير المخاطب من أنثى «أى ليلة العيد» إلى مذكر «وهو الملك»، وكان تصرفها فى كلمات الأغنية أكثر من معجزة، مما بهر الجمهور الذى علا تصفيقه وهتافه عندما رددت المقطع الأخير، الذى تقول فيه: «يا نيلنا ميتك سكر/ وزرعك فى الغيطان نور/ يعيش فاروق ويتهنى/ ونحييله ليالى العيد».
بعد انتهائها من الغناء استدعاها الملك ليصافحها، فقبلت يديه، وأبلغها أحمد حسنين باشا رئيس الديوان بأن الملك أنعم عليها بالنيشان الملكى، وصعد الكاتب الصحفى مصطفى أمين إلى المسرح، وأمسك بالميكروفون ليذيع نبأ منحها النيشان، قائلا: «منح الملك المحبوب فاروق الديمقراطى حفظه الله نيشان الكمال إلى الآنسة أم كلثوم»، وبعده ألقت أم كلثوم كلمة شكرت فيها «فاروق»، وقالت: «لا أجد من الكلمات ما أعبر به عن شعورى»، ثم انصرف الملك على وقع تصفيق وهتافات أخرى من الجماهير».
كان ذهاب فاروق إلى الحفل لغرض سياسى يتعلق بشعبيته، أما عن موقع الفن والغناء فى حياته، فيذكر كريم ثابت: «كانت الموسيقى الإفرنجية الخفيفة أو موسيقى الملاهى والمراقص هى وحدها التى تلذ له، سواء فى الراديو أو فى الأماكن العامة، أما الموسيقى العربية والغناء العربى فكان لا يميل إليها ولا يعنى بسماعها، ولم يكن يحب سوى بعض الطقاطيق العربية، إما على سبيل التسلية أو لأنها كانت تحتوى على تحية له فى الحفلات التى كان يشهدها».
كان لحدث منح فاروق لأم كلثوم نيشان الكمال توابع كثيرة، منها مثلا أن نساء العائلة الملكية غضبن من منح آنسة من طبقات الشعب حتى لو كانت أم كلثوم هذا النيشان، الذى حملته الملكة فريدة، زوجة فاروق، وأميرات الأسرة المالكة، ويذكر حنفى محمود: «كانت آخر من تقلدن ذلك النيشان من يد فاروق هى زوجته الثانية ناريمان صادق، عندما وصل موكب زفافها إلى قصر عابدين فى مساء الأحد 6 مايو 1951».
غير أن هناك موقف آخر يثير السخرية أكثر من الجدية، ويذكره كريم ثابت قائلا: «بعد أربع سنوات من حفل النادى الأهلى، وقع نظر فاروق على صورة لأم كلثوم جالسة فى فندق سان استفانو على مائدة واحدة مع حرم مصطفى النحاس باشا، السيدة زينب الوكيل، فغضب لمجالستها حرم عدوه السياسى فى ذلك الحين»، يضيف «ثابت»: «جلب بواسطة بوليسه الخاص الصورة الأصلية للصورة المنشورة فى المجلة، وأرسلها إلى لأطلع عليها أم كلثوم وأعاتبها على ذلك، فلم أفعل، وحاولت أن أقنعه بأن أم كلثوم ليست موظفة فى القصر، فتقاطع من يقاطعه القصر، فأبى أن يقتنع بهذا الرأى، ولم يرض عنها بعد ذلك».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة