يكفي وجود اسم الدكتورة دينا مندور على ترجمة عمل ما حتى تشعر بالثقة والرغبة في القراءة، فهي حريصة دائما على اختيار ما تترجمه، ولديها حيثيات فنية لهذا الاختيار، كما تملك مفهوما لفن الأدب والإبداع تحرص على توفره فيما تعمل عليه، ومؤخرا صدرت لها ترجمة لرواية "حقيقة قضية هاري كيبر" للكاتب السويسري جويل ديكر، والحائزة على الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية، عن المركز الثقافي العربي.
لماذا هذه الرواية؟ كان هذا هو السؤال الأول الذي وجهته لدينا مندور، والتي بدأت كلامها بظروف الرواية ومؤلفها، فهي من تأليف الكاتب السويسري جويل ديكر، وهو من مواليد 1985، وكان عضوا في البرلمان السويسري، وبدأ الكتابة مبكرا منذ طفولته في فنون أدبية قبل أن يتجه إلى فن الرواية، وتعد روايته "حقيقة قضية هاري كبير" هي الرواية الثانية له.
دينا مندور
وتضيف دينا مندور سمعت عن الرواية عندما حصلت على جائزة الأكاديمية الفرنسية في سنة 2012، وهي نفس السنة التي صدرت فيها الرواية، وحينها قررت الحصول عليها وقراءتها، وشعرت بالانسيابية والتدفق، وشعرت برغبتي في نقل هذه التجربة إلى القارئ العربي، وتعجبت من كون الرواية كبيرة الحجم ومع ذلك بها الكثير من الإثارة والشغف والتدفق.
أما على المستوى الشخصي فإن سبب اختياري للرواية هو أن أكون أول من ترجمته إلى العربية لأنني كنت أرى أنه سيصبح كاتبا مهما وهذا ما حدث فعلا مؤخرا.
وعن تقبل الوسط الثقافي الفرنسي للرواية ولفوزها بهذه الجائزة العريقة، قالت الدكتورة دينا مندور، نجحت الرواية جدا، لكن ذلك لم يمنع بعض النقاد أن يهاجموا الأكاديمية الفرنسية لأنها منحت جائزتها للرواية، وذلك انطلاقا من كون الأكاديمية الفرنسية "رصينة" وجائزتها رصينة" ولها سمعتها، فكيف تمنحها لكاتب شاب ولرواية لغتها سهلة، وأحداثها تدور في أمريكا؟ وهنا علينا معرفة أن هناك قدرا من الحساسية الفرنسية تجاه كل ما هو أمريكي، إذ يعتبرونها مدرسة تختلف عن مدرستهم تماما، وبينهما نوع من الصراع.
حقيقة قضية هاري كيبر
وقد ردت الأكاديمية الفرنسية على هذه الآراء وقالت "حتى لو بدت اللغة لكم سلسلة، لكن البناء الدرامي، والحبكة ورسم الشخصيات، كل ذلك شديد الإحكام واستثنائي في جودته، فالرواية كبيرة الحجم، ورغم ذلك فإن الكاتب لم يفقد القدرة على الإمساك بجميع الخيوط" وقد نجحت الرواية بالفعل وترجمت إلى لغات كثيرة، وبالتالي طغى النجاح على كلام المعترضين.
وعن هذا البناء المميز للرواية، تحدثت دينا مندور، مؤكدة أنه بالفعل الرواية تسير على أكثر من مستوى من حيث التركيب والسرد، المستوى الأساسي إطار بوليسي، وهو اختفاء فتاة في بداية عمر المراهقة، في الغابة المتاخمة للمدينة التي تدور فيها الأحداث، وبعد 30 سنة من اختفائها يحدث ما يفجر القضية مرة أخرى، وتنطلق بداية جديدة للبحث عن سبب هذه الاختفاء، مما يكشف كل الطباع الإنسانية داخل هذه المدينة، والخط الثاني والمهم، هو دروس في الكتابة بين الكاتب الكبير هاري كبير المتحقق الناجح، وبين الكاتب الشاب ماركوس.
وتابعت دينا مندور إن الرواية تأتي في 30 فصلا، كل فصل يبدأ بمقطع يتضمن درسا صغيرا فى فن الكتابة من الراوئى والأستاذ الجامعي والملاكم السابق، إلى تلميذه الكاتب الشاب والملاكم أيضًا، ولا تخلو تلك الدروس الصغيرة من المقاربة بين فن الملاكمة وفن الكتابة، بين علاقة الملاكم بخصمه وعلاقة المؤلف بقرائه، من حيث ممارسة السلطة عليهم ومهارة السيطرة، لينتهى المقطع وتبدأ أحداث الفصل حول الجريمة الأساسية وشخصيات العمل .
دينا مندور
وفي حماس شديد أكدت دينا مندور أن الرواية متدفقة حتى اللحظات الأخيرة، فالمؤلف يواصل لعبته مع القراء حتى النهاية، وتظل المفاجأة كامنة في كل التفاصيل، إضافة إلى ذلك توجد قصص حب داخل الرواية وهي مهمة جدا، فقد أكسبت الرواية درجة عالية من الثراء،
وعلقت دينا مندور إنه مما لفت انتباهها تماهي المؤلف مع شخصية الكاتب الشاب "ماركوس" داخل الرواية، فقد قدمه على أساس أن هذه هي روايته الثانية وأنها سوف تنجح وتغير حياته تماما، وبالفعل كانت هذه الوراية هي الثانية لـ جويل ديكر وقد نجحت وغيرت حياته بالفعل في عالم الكتابة.
وأنهت دينا مندور كلامها بأنه لا يمكن القول عن رواية "حقيقة قضية هاري كيبر" إنها بوليسة وفقط بل هي أكبر من ذلك إنها رواية إنسانية.