تمراليوم الذكرى الـ 141 على إصدار الخديوي توفيق مرسوم بإلغاء الجيش المصري، وذلك فى 19 سبتمبر 1882، وجاء ذلك ليقضى على مقاومة الجيش للقوات الإنجليزية المؤمنة لبقائه على العرش، وقرر معاقبة ''أحمد عرابى ورفاقه''.
الخديوى توفيق كان يعرف الأزمة المالية الطاحنة التي كانت تمر بها البلاد بعد، بحسب كتاب "تراجم مصرية وغربية" للكاتب محمد حسنين هيكل وبعد الانقلاب العثماني الذي أطاح بوالده إسماعيل من الحكم، شعر من ذلك الحين بأن التركة التي آلت إليه أعباؤها تركة مبهظة مخوفة، ترى ماذا عساه يصنع بإزاء أبيه، وبإزاء تركيا، وبإزاء الدول وتدخلها في شئون مصر، وبإزاء الأمة المصرية المتوثبة للحركة بل للثورة؟
ويذكر "هيكل" في كتابه أن توفيق في بداية عصره، كان يميل نحو تحقيق آمال المصريين، وفي خطابه إلى شريف باشا الذي يكلفه فيه بتشكيل الحكومة، قال: " «إني عظيم الميل لبلادي، شديد الرغبة في تحقيق آمال الأمة التي أظهرت السرور بولايتي، عازم عزمًا أكيدًا على التماس أحسن الوسائل لإزالة الاختلال المفسد لكثير من المصالح، إلا أن إدراكي لهذه الغاية التي هي موضوع آمالي يتوقف على مساعدة الأمة بجملتها".
وكان نتيجة ذلك، هدأت أعصاب المصريين التي كانت متوترة في الأيام الأخيرة من عهد إسماعيل، فعلى الرغم من عزل الحكومة عشرة آلاف من الجند المجتمعين تحت السلاح وإنقاص الجيش العامل إلى اثني عشر ألفًا وتأخير صرف مرتبات الكثيرين، أمسك الرجاء بالناس عن أن يلجأوا للهياج، لكن نيات توفيق باشا الديموقراطية لم تلبث إلى أكثر من وصول الفرمان بتثبيته على عرشه.
ففي مساء اليوم الذي عاد فيه مندوب السلطان الذي كان يحمل هذا الفرمان قافلًا إلى تركيا بعد حفلة تلاوته أقيلت وزارة شريف باشا وألف توفيق باشا وزارة تحت رئاسته مباشرة، والحجة التي روجت تبريرًا لهذا التصرف إنما هي إرادة الخديو تعجيل الإصلاح، أما الحقيقة فعدم رضا توفيق عن ميول شريف باشا الدستورية.
وبعدها قدمت لجنة التصفية تقريرها في 17 يوليو سنة 1880 فأصدره الخديو فورًا وأطلق عليه اسم قانون التصفية، وعلى موجب هذا القانون بلغ دين مصر 98748930 جنيهًا، وقد روعيت في هذا القانون، كما روعيت في كل تصرفات ممثلي الدول الأجنبية، مصالح الدائنين الأجانب على حساب نظام الحكم في مصر، وبالرغم مما كان يعلمه المراقبون وغير المراقبين من أن أكثر من نصف هذا الدين لم يدفع إلى مصر لم يفكر أحد في إلزام الدائنين بالتنزل عن شيء من الديون الاسمية التي كانوا يقتضونها من مال المصريين ومن دمائهم.
وبدأت نذر الانفجار بما كان من تبرم رجال الجيش تبرمًا سببه امتهان العنصر المصري فيه لمصلحة الأجانب من الأتراك والجراكسة، فلما سرح إسماعيل باشا في أواخر أيامه ألفين وخمسمائة من الضباط أكثرهم مصريون كان إخوانهم يشعرون بالألم من أجلهم ويخشون أن يصيبهم مثل نصيبهم.
ويضيف هيكل: عجيب أن يحدث ذلك كله بأعين توفيق فلا يراه ولا يقدر مداه، بل يندفع في التيار العجيب الذي اندفع فيه مخالفًا بذلك كل ما أظهره من الميول أول جلوسه على عرش أبيه، فهذا الميل الشديد لتحقيق آمال الأمة وهذا الاعتماد على معاونتها قد انقلب فجأة عقب وصول الفرمان إلى إعادة حكومة الفرد، ثم إلى إسناد الوزارة لنصير قوي من أنصار النظام المطلق.
ويفسر هيكل الموقف بقوله إن توفيق الضعيف قد رأى ما حل بأبيه حين عارض إنجلترا وفرنسا فيجب ألا يعارضهما، وإنجلترا وفرنسا تريدان هذا النظام فيجب أن يريده ليتمخض ذلك كله عن انفجار أو عن ثورة أو عما يمكن أن يتمخض عنه، فليس توفيق الضعيف هو الذي يطالب بالتفكير في هذا، ويكفيه أن يعتمد في بقائه في عرشه على سند الدولتين اللتين استخلصتا له من تركيا فرمان توليته.