عام من الإبادة..

دراسة للمركز المصرى توضح الانتهاكات الإسرائيلية لقطاع غزة طبقا للقانون الدولى الإنسانى.. قصف المستشفيات وتجويع المدنيين وتدمير 80% من المدارس المحمية بالقانون.. وقتل الطلاب يخالف كل الاتفاقيات والمعاهدات

الإثنين، 02 سبتمبر 2024 06:00 ص
دراسة للمركز المصرى توضح الانتهاكات الإسرائيلية لقطاع غزة طبقا للقانون الدولى الإنسانى.. قصف المستشفيات وتجويع المدنيين وتدمير 80% من المدارس المحمية بالقانون.. وقتل الطلاب يخالف كل الاتفاقيات والمعاهدات الانتهاكات الاسرائيلة فى قطاع غزة
كتب محمد عبد الرازق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أظهرت دراسة حديثة للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية الانتهاكات الإسرائيلية لقطاع غزة من منظور القانون الدولى الإنسانى، حيث شهد المجتمع الدولى فى الفترة حروبًا ضارية على مر العصور المختلفة إلا أننا نجد أن أشدها قسوة وانتهاكًا للقانون الدولى الإنسانى هو الاجتياح الإسرائيلى لقطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، فقد استخدم فى هذا النزاع خلاصة ما جاء به عبقرية الإنسان من وسائل الهدم والإيذاء والدمار.

وأشارت الدراسة انه كان لا بد من تدخل القانون الدولى الإنسانى لتوفير الحماية الضرورية لضحايا تلك الحرب والنزاعات المسلحة من القتلى والجرحى والمرضى والأسرى والمدنيين والأعيان المدنية، فالقانون الدولى الإنسانى يجمع بين فكرتين مختلفتين فى طبيعتهما إحداهما قانونية والثانية أخلاقية.

فالقانون الدولى الإنسانى يشمل القواعد التى تنظم استخدام القوة أو أساليب القتال لحماية الإنسان كإنسان، فهو قانون يقيد السلوك الإنسانى فى أثناء النزاع المسلح سواء كان دوليًا أم داخليًا مستهدفًا الحد من نزعة الإنسان إلى التخريب والتدمير والقتل والاعتداء استهدافًا لحماية الجنس الإنسانى وتراثه وحضارته وهو ما يعرف بأنسنة الحرب.

وأكملت الدراسة أن القانون الدولى الإنسانى أوجد لوضع حماية خاصة للمدنيين فى أثناء النزاع المسلح للأطراف المعنية إنشاء مناطق آمنة لحماية الجرحى والمرضى والأطفال والحوامل، كذلك يمكن إنشاء مناطق محايدة لحماية الجرحى والمرضى من المقاتلين والمدنيين الذين لا يشتركون فى العمليات العسكرية، كذلك لا يجوز مهاجمة المناطق منزوعة السلاح، ولا يجوز بأى حال الهجوم على المستشفيات المدنية إلا إذا استخدمت فى القيام بأعمال تضر العدو، على أنه لا يعد ضرارًا بالعدو مجرد وجود عسكريين يتم معالجتهم فى هذه المستشفيات، وتحظر الهجمات العشوائية والتى لا توجه إلى هدف عسكرى أو من شأنها أن تصيب أهدافًا عسكرية ومدنية، ولا بد من اتخاذ الاحتياطات اللازمة عند الهجوم سواء عند التخطيط له أو فى أثناء تنفيذه بحيث يتم تجنيب السكان المدنيين والأعيان المدنية آثاره.

واستطردت الدراسة فى طياتها أن اتفاقية جنيف البعد الإنسانى أكدت بتخصيص الاتفاقية الرابعة من اتفاقيات عام 1949 والملحقين الاضافيين لحماية المدنيين، وترتيبًا على ذلك يتمتع السكان والأشخاص المدنيون بحماية عامة ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، كذلك ذهبت اتفاقية لاهاى أن تلتزم القوات المتحاربة فى حالات الحصار أو القصف اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتفادى الهجوم على المستشفيات والمبانى المخصصة للعبادة والمواقع التى يتم فيها جمع المرضى والجرحى، وتندرج المستشفيات المدنية فضلًا عن وسائل النقل الطبى ضمن الأماكن التى يحظر على أطراف النزاع ضربها.

ليظهر جليا -حسب الدراسة – أن هذا ما اخترقته دولة الاحتلال الإسرائيلى بقصف الجيش الإسرائيلى مرارًا للمستشفيات فى قطاع غزة منذ بدء الحرب هناك، إلا أن القوات الإسرائيلية التى لا تزال تمعن فى هذا القصف تحت مزاعم واهية، فى ظل حقيقة أن الجانب الأكبر من المستشفيات فى القطاع دمر أو خرج عن الخدمة، وقد حذرت منظمات دولية من الوضع الكارثى للمستشفيات التى تئن تحت استمرار القصف الإسرائيلى.

كما حظر القانون الدولى الإنسانى تجويع المدنيين كسلاح فى الحرب حيث يُشكل الحصار المحكم ومنع كل سبل الحياة عن قطاع غزة من مياه ومواد غذائية ووقود وأدوية -جريمة حرب وجرائم ضد إنسانية، إذ أن القانون الدولى الإنسانى يحظر أى شكل من أشكال العقوبات الجماعية ضد السكان، وذلك استنادًا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التى تؤكد وجوب حماية المدنيين، كما أن تجويع شعب بأكمله ومنع الغذاء والدواء عنه ومنع الوقود عن المستشفيات، يشكل جريمة إبادة جماعية، وهى بذلك تنتهك على نحو واضح اتفاقية جنيف الرابعة، التى تتضمن أن على دولة الاحتلال أن تعمل بأقصى ما تسمح به وسائلها على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية.

وهو ما اخترقته قوات الاحتلال ومنعت دخول المساعدات الإنسانية وضرب معبر رفح من الجانب الفلسطينى، ومنع وتقييد دخول المساعدات الإنسانية من الجانب المصرى أكثر من مرة.

ووفقًا لآخر تقرير لوكالة الأونروا رقم (129) حول الوضع فى قطاع غزة والضفة الغربية، التى تشمل القدس الشرقية، حتى 19 أغسطس قتل ما لا يقل عن 40,319 فلسطينيًا فى قطاع غزة، وتفيد التقارير بأن 92,743 فلسطينيًا آخر قد أصيبوا بجروح وذلك منذ 7 أكتوبر 2023.

وقد دمر الاحتلال الإسرائيلى منذ أكتوبر 2023 وحتى أغسطس 2024 أكثر من 117 مدرسة وجامعة كليًا، و332 مدرسة وجامعة جزئيًا حسب مركز الإحصاء الفلسطينى، وتحولت المدارس إلى مراكز إيواء لآلاف النازحين مع اتساع رقعة العدوان الإسرائيلى فى قطاع غزة، مما تسبب باستشهاد وإصابة المئات.
كما دمر الاحتلال أكثر من 80% من مدارس غزة، وخلال 6 أشهر فقط قتل أكثر من 5479 طالبًا و261 معلمًا و95 أستاذًا جامعيًا، وأصيب أكثر من 7819 طالبًا و756 معلمًا.

ولجأ سكان قطاع غزة إلى الاحتماء بالمدارس التى اعتبروها محمية بموجب القانون الدولى الإنسانى، لكن الاحتلال الإسرائيلى قصفها كما قصف المستشفيات وباقى الأماكن المدنية، حتى المواقع التى أعلنها “مناطق آمنة” ودعا السكان إلى النزوح إليها تم قصفها.

وقد أدان مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلى للمدارس التى تؤوى آلاف النازحين، ومنها: –

1-مدرسة التابعين ففى 10 أغسطس قتل أكثر من 100 فلسطينى، وأُصيب 150 بجروح، فى مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال بحق المواطنين النازحين بمدرسة التابعين فى منطقة الصحابة بحى الدرج شرق مدينة غزة، بثلاثة صواريخ بشكل مباشر.

2-مدرسة العودة حيث قتل فى 9 يوليو 2024 أكثر من 29 فلسطينيًا على الأقل فى قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلى استهدف بضربة صاروخية مدخل مدرسة العودة التى تئوى نازحين فى شرق خان يونس.

3-مدرسة خديجة حيث شن الاحتلال فى 27 يوليو 2024 هجومًا على دير البلح وهى أكثر المناطق اكتظاظًا بالنازحين استهدف فيه مدرسة خديجة، مما أدى إلى سقوط 30 شهيدًا، وإصابة أكثر من 100 شخص.

الأمر الذى دعا منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام فى الشرق الأوسط، القول أن الوضع فى المنطقة “قابل للاشتعال” محذرًا من أن أى شرارة أو خطأ فى التقدير من شأنه أن يشعل سلسلة من التصعيدات التى لا يمكن السيطرة عليها، والتى قال إنها قد تزج بملايين الناس فى الصراع.

وفى اليوم العالمى للعمل الإنسانى الموافق 19 أغسطس من كل عام، ناشدت 413 منظمة إنسانية حول العالم بما فيها الأونروا ووكالات الأمم المتحدة الأخرى واللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدولى لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظمات غير الحكومية جميع الدول وأطراف النزاع المسلح والمجتمع الدولى الأوسع نطاقًا إلى:

1- إنهاء الهجمات على المدنيين واتخاذ خطوات فعالة لحمايتهم وحماية البنية التحتية المدنية الحيوية التى يعتمدون عليها.
2- حماية جميع العاملين فى مجال الإغاثة، بما فى ذلك الجهات الفاعلة المحلية والوطنية، ومبانيهم وأصولهم وتسهيل عملهم، كما دعا إلى ذلك قرار مجلس الأمن الدولى رقم (2730) الذى يحث جميع أطراف النزاع المسلح على السماح وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن وسريع ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين وهو ما تخترقه أيضًا دولة الاحتلال الإسرائيلى منتهكة بذلك أبسط قواعد القانون الدولى الإنسانى.
3- محاسبة الجناة حيث لا يمكن أن يفلت مرتكبوا انتهاكات القانون الدولى الإنسانى من العقاب.

و أشارت الدراسة أن حجج الاحتلال متعددة فى ما تفعله فتستند دولة الاحتلال دائمًا فى كل ما تفعله من جرائم بقطاع غزة إلى مبدأين مهمين:
الأول: مبدأ الدفاع الشرعي
تُرجع دولة الاحتلال ما تفعله من جرائم دولية بقطاع غزة إلى مبدأ الدفاع الشرعى حيث تضمن ميثاق الأمم المتحدة فى المادة (51) حق الدفاع الشرعى ولكى يكون الدفاع الشرعى سببًا من أسباب امتناع المسئولية الدولية يجب توفر عدة شروط وهي:-
– أن يكون الدفاع هو الوسيلة الوحيدة لصد اعتداء غير مشروع على النفس أو الغير وأن توجه إلى مصدر العدوان أو الخطر.
– أن يكون الاعتداء أو الخطر وشيك الوقوع أو وقع بالفعل.
– التناسب فى استخدام القوة بين الدفاع وجسامة الاعتداء أو العدوان.
وهو ما لا ينطبق مع العدوان الإسرائيلى فى قطاع غزة؛ حيث أن الدفاع الشرعى غير مقبول فى حالات الجرائم الدولية التى ترتكبها دولة الاحتلال فى قطاع غزة، حيث لا يتصور بانتفاء المسئولية فى حالة ارتكاب تلك الجرائم من قبل الأفراد مرتكبى الجريمة أو المساهمين فيها حيث أنهم يدركون ما يفعلون من جرائم دولية، والقول بغير ذلك هو إرساء لشريعة الغاب وامتهان كرامة وحقوق الإنسان التى كفلها له القانون، فإذا كان حق الدفاع الشرعى كسبب من أسباب امتناع المسئولية والإعفاء منها، إلا أنه لا ينطبق فى حالة من يرتكب الجرائم الدولية ويسعى فى الأرض فسادًا كون الجرائم الدولية مخالفة لكل الشرائع ومنتهكة لكافة الأعراف والقوانين الدولية،فلا يجب استخدام الدفاع الشرعى كسبب لامتناع المسئولية الدولية خاصة فى الجرائم الدولية المرتكبة بحق المدنيين بقطاع غزة.

الثاني: حالة الضرورة
دائمًا تخترق دولة الاحتلال الاسرائيلى كافة القوانين الدولية والقانون الدولى الإنسانى تحت غطاء حالة الضرورة وهو ما سوف نفنده فيما يلى مع بيان أن حالة الضرورة لا تتفق مع ما تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلى من انتهاكات فادحة فى قطاع غزة.

ولإعمال حالة الضرورة لا بد من توفر عدة شروط مجتمعة سواء بالنسبة للخطر الحال أو بالنسبة لحالة الضرورة نفسها،فلا بد أن يكون الخطر موجودًا وحالًا؛ أى أنه يهدد الشخص حقه فى الحياة أو يهدد سلامة جسده وحريته،وأن يكون الخطر جسيمًا فالخطر الجسيم هو الخطر الذى لا يمكن تداركه ولا يدرك الضرر الناشئ عنه.
وأخيرًا أن يكون الخطر الجسيم غير ناشئ عن فعل الفاعل نفسه فإذا كان الخطر صادرًا عنه فليس له أن يحتج بحالة الضرورة،وعند تحقق شروط الخطر جاز للشخص أن يرد بفعل الضرورة الذى يستلزم شرطين: –
1- أن يوجه فعل الضرورة إلى إبعاد الخطر والتخلص من الخطر المحدق به.
2- تناسب فعل الضرورة مع الخطر، أى أن تكون الجريمة التى ارتكبها الشخص مناسبة من حيث طبيعتها ومدى آثارها مع الخطر الذى واجهه.
وهو ما لا ينطبق أيضًا مع حالة قطاع غزة بل هذه المبررات تصلح على الحالة الفلسطينية فى حالة رد العدوان وليس على حالة دولة الاحتلال فما تفعله إسرائيل بقطاع غزة من جرائم دولية تنكر وتقضى على أهم حق من حقوق الإنسان وهو الحق فى البقاء، وبالتالى لا يمكن بحال من الأحوال أن نضع هذه المصلحة المهمة مع أى مصلحة أخرى،فلا يمكن الدفع بحالة الضرورة فى ظل قواعد دولية آمرة ومن أهمها حق الإنسان فى البقاء.

كذلك لا تتناسب انتهاكات إسرائيل واجتياحها قطاع غزة مع الفعل نفسه فإسرائيل دولة احتلال فى الأصل أى كل ما تقوم به يعد مخالفًا لقواعد القانون الدولى فما هو الفعل الذى يتناسب مع تدمير قطاع بأكمله وتشريد سكانه وقتلهم.
فالضرورة الحربية ليست مبررًا لمخالفة القانون أو مبررًا لاستخدام الأسلحة الفتاكة فاعتبارات الإنسانية دائمًا أقوى من اعتبارات الضرورة العسكرية،
ففى ظل قانون دولى إنسانى يستهدف حماية الحقوق الأساسية فضلًا عن الكرامة الإنسانية فى كل وقت وبلا تميز بين وقت السلم أو نزاع مسلح فلا يجوز استخدام فكرة الضرورة فى النزاعات المسلحة.
إجمالا، فإن الضرورة حالة غير مألوفة تخول للدولة أو من يمثلها وقت السلم مخالفة القواعد الدولية وحالة النزاع المسلح؛ فهى فى الأصل استثناء من القاعدة الدولية التى تحظر استخدام القوة لحل النزاعات الدولية، فمن غير المنطقى الاستثناء فى الاستثناء من الأصل، فالقانون الدولى لا يعترف بأى ضرورة تبرر الأعمال العدوانية غير المشروعة، فالدفع بذلك المبرر فيما ترتكبه إسرائيل فى زمن السلم أو الحرب أصبح أمرًا غير مقبول.

كما أن دولة الاحتلال الإسرائيلى تعد الحالة النموذج فى انتهاك كافة القوانين والمواثيق الدولية، فما يحدث فى غزة من انتهاك واضح لقرارات الشرعية الدولية فى ظل قواعد القانون الدولى بصفة عامة وقواعد القانون الدولى الإنسانى بصفة خاصة والقانون الدولى الجنائى وهو ما خرقتهم دولة الاحتلال الإسرائيلى جميعًا.

ولذلك فإن الواقع الفعلى على الساحة الدولية يحتم على كل الأطراف السعى لعدم تفاقم الأوضاع، فاعتياد الصراع لا يمنع تصاعده وانفجاره، فكلما زادت جهود الوسطاء لمحاولة التوصل إلى صيغة لوقف لإطلاق النار فى القطاع مع تعمد دولة الاحتلال الإسرائيلى استمرار ارتكاب تلك الجرائم واسعة النطاق، وتعمد إسقاط تلك الأعداد الهائلة من المدنيين العُزّل،هو دليل قاطع على غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإسرائيلى لإنهاء تلك الحرب، وإمعان فى استمرار المعاناة الإنسانية للفلسطينيين تحت وطأة كارثة إنسانية دولية يقف العالم عاجزًا عن وضع حد لها.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة