"إسرائيل مطالبة بتعويضات لتدميرها للبيئة.. اتفاقيات جنيف تحذر من استخدام أدوات تدمر الطبيعة خلال الحروب.. الاحتلال يلحق أضرارا بالمنظومة البيئية لغزة والمنطقة.. ومطالب بتشكيل لجنة دولية لحصر الأضرار

الإثنين، 02 سبتمبر 2024 07:00 م
"إسرائيل مطالبة بتعويضات لتدميرها للبيئة.. اتفاقيات جنيف تحذر من استخدام أدوات تدمر الطبيعة خلال الحروب.. الاحتلال يلحق أضرارا بالمنظومة البيئية لغزة والمنطقة.. ومطالب بتشكيل لجنة دولية لحصر الأضرار الحرب على غزة - أرشيفية
كتب أحمد عرفة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

** شكوى لبنانية أمام مجلس الأمن بسبب تدمير إسرائيل لأراض زراعية

** محلل سياسي لبناني: الغرب سيتعامى عن جرائم إسرائيل للبيئة

** أستاذ قانون فلسطيني: القانون الدولي يكفل لكل من تضرر باللجوء للقضاء الدولي للمطالبة بالتعويضات

 

قبل أسابيع أعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، خلال تقريره عن المرحلة الأولى لتقييم الضرر البيئي، بشأن كميات الحطام الذي خلفه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بأنه يبلغ 26 مليون طن، وهو ضعف ما كان عليه في حلب بسوريا، بجانب تقييمه بأن الأضرار المنظومة البيئية بغزة تصل إلى 411 مليون دولار، بينما أكدت الأمم المتحدة خلال تقريرها في أبريل الماضي، بأن قطاع غزة يعاني من تراكم 270 ألف طن من النفايات الصلبة، مما يتسبب في كارثة بيئية وصحية، وذلك بعد البيان الذي أصدرته وزارة الصحة الفلسطينية في فبراير الماضي، لتؤكد فيه أن قطاع غزة يواجه أزمة خطيرة في تلوث المياه، بعدما وصلت نسبة التلوث إلى 97%.

نظام روما الأساسي يعتبر تدمير البيئة جريمة حرب

ينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 على أن الأعمال التي تلحق ضررا واسع النطاق وطويل الأجل وشديدا بالبيئة الطبيعية وتنتهك مبدأ التناسب هي جريمة حرب، حيث تحظر أحكام خاصة أخرى تدمير الأراضي الزراعية ومرافق مياه الشرب بقصد إلحاق أضرار بالسكان المدنيين، كما أن القانون الدولي الإنساني يهدف إلى حماية السكان المدنيين أثناء النزاعات المسلحة وضمان بقائهم على قيد الحياة. ومن ثم، يسعى إلى حماية البيئة الطبيعية التي من دونها تكون الحياة البشرية مستحيلة، كما يراعي القانون الدولي الإنساني حماية البيئة من ناحيتين، إحداهما بموجب أحكامه العامة، في حين كانت الثانية بمقتضى بعض الأحكام الإضافية الخاصة.

هذه المعطيات تطرح سؤالًا هامًا وهو هل يجوز للدول المتضررة بيئيا من الحرب الإسرائيلية على غزة الحصول على تعويضات نتيجة ما لحق بها من أضرار؟، وهل يمهد ذلك لفرض عقوبات دولية على إسرائيل حال حصر حجم الأضرار التي لحقت بالبيئة سواء في قطاع غزة أو المناطق المجاورة لها بفعل حرب الإبادة الجماعية التى يتعرض لها القطاع بشكل يومي.

الصليب الأحمر وحماية البيئة
الصليب الأحمر وحماية البيئة

بحسب ما تذكره اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عبر موقعها الرسمي، بأن الأحكام العامة تكون محلا للانطباق فيما يتعلق بسير العمليات العدائية على البيئة، انطلاقًا من كونها ذات طبيعة مدنية، ولا يمكن بذلك شن هجمات ضدها إلا في حال تم تحويلها إلى هدف عسكري، كما يلزم مراعاة التدمير الذي تتعرَّض له البيئة عندما تكون محلًا للاستهداف العسكري من خلال إجراء تقييم لمبدأ التناسب، وأضاف البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف نصا خاصا لحظر استخدام وسائل أو أساليب للقتال، يقصد بها أو قد يتوقع منها أن تلحق بالبيئة الطبيعية أضراراً بالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد. كما يحظر البروتوكول هجمات الردع التي تشن ضد البيئة الطبيعية من قبيل الانتقام، كما اعتمد المجتمع الدولي اتفاقية عام 1976 بشأن حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى والتي غالبًا ما يشار إليها بمعاهدة "التغيير البيئي".

لجنة أممية تقيم الأضرار البيئية وتطالب إسرائيل بتعويضات

ما يلفت النظر إلى الحصول على تعويضات من إسرائيل بشأن الكوارث البيئية التي تسببت فيها، هو تصريحات الدكتور سمير طنطاوى عضو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والذي يؤكد في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن خطورة الوضع علي الأرض نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة فمن الصعب تقدير حجم الضرر البيئية، وهو ما يحتاج إلى لجنة دولية محايدة تشرف عليها الأمم المتحدة تعمل على تقييم الأضرار البيئية وكلفة هذه الأضرار ومطالبة إسرائيل بتعويضات.

ويؤكد سمير طنطاوى أن تأثيرات الحرب في غزة هي تأثيرات مدمرة للبيئة بخلاف البنية التحتية، حيث إن تدمير تلك في البيئة سيستغرق وقتا طويلا لتقييمه وإصلاحه ، خاصة أن الأسلحة المستخدمة عالية الخطورة خاصة قنابل الفوسفور التي تؤدي إلى تلوث شديد للبيئة سواء الهواء أو الماء أو التربة بخلاف تدمير الزراعات والتأثير على خصوبة التربة، ونظرا لأن الرياح في مصر معظمها شمالية شرقية بالتالي من الممكن أن الرياح تعمل على نقل متبقيات الملوثات الناتجة عن الحرب إلى دول الجوار.

لبنان يتقدم بشكوى أمام مجلس الأمن ضد إسرائيل بسبب الأضرار البيئية

في 12 يوليو الماضي، أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية بيانا أعلنت فيه تقدمها بشكوى أمام مجلس الأمن الدولي بشأن اعتداءات إسرائيلية على القطاع الزراعي في القرى الحدودية الجنوبية لاستغلالها الفوسفور الأبيض، وبلغت مساحتها 2100 دونم من الأراضي المحروقة و6000 دونم من الأراضي المواجهة، حيث أوضحت في بيانها حينها أن الشكوى تعتمد على إحصاء رسمي عن عدد الحلول المستندة إلى الأدلة لاستخدام إسرائيل للفوسفور الأبيض، وهذه الاعتداءات المنهجية هي خرق للقواعد الـ 55 من شروط الإضافي الأول 1977 لاتفاقية جنيف 1949، والتي تنص على أن تراعى أثناء القتال حماية البيئة الطبيعية من الأضرار البالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد.

وبشأن إمكانية فرض عقوبات على إسرائيل أو إلزامها بدفع تعويضات على تدميرها للبيئة، هنا يؤكد طارق عبود المحلل سياسي اللبناني، أنه في الأوضاع السياسية الطبيعية من البديهي أن يطالب المتضررون بتعويضات من المعتدين، ولكن للأسف مع إسرائيل تختفي القوانين الدولية، ويتكيف العالم المبني على القواعد الغربية مع التجاوزات الإسرائيلية.
ويوضح طارق عبود، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أي دولة فعلت نصف ما فعلته إسرائيل في قطاع غزة، لكانت قيامة العالم والغرب قامت، وفُرضت العقوبات، وصودرت الأرصدة، كما فعلوا مع روسيا، ولكن لأنها إسرائيل الطفل المدلل عند الغرب، فإن التعامي عن جرائم الحرب يصبح هو القاعدة، والمحاسبة هي الاستثناء.


وحول ما إذا كان القانون الدولي يفرض على الدول التى تتسبب في تلوث بيئي لمناطق معينة تعويضات لإصلاح تلك الكوارث البيئية أستاذ طارق، يؤكد المحلل السياسي اللبناني أن القانون الدولي يفرض عقوبات وتعويضات، ولكن مع الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية فيتم التغاضي عن ذلك، حيث ما حصل في محطة فوكوشيما في اليابان بخدم السياق نفسه، وهو ما أدى إلى تلويث البحر وقتل الأسماك وما يعيش فيه، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة لديها لجان متخصصة في التحقيق بالأضرار البيئية التي تحدث خلال النزاعات والحروب.

حماية البيئة خلال النزاعات

وبحسب ما تؤكده اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن البيئة الطبيعية ذات طابع مدني وفقا لما تؤكده المبادئ التوجيهية للجنة الدولية للصليب الأحمر لعام 2020 بشأن حماية البيئة الطبيعية في النزاعات المسلحة ، وعلى هذا الأساس فجميع أجزائها المختلفة مشمولة بالحماية المرتبطة بهذا الوضع، وفي أثناء سير العمليات العدائية، تحظى الالتزامات التي تقع على عاتق أطراف النزاع، بما في ذلك مبادئ التمييز والتناسب والاحتياطات، بدور مهم في ضمان أخذ الآثار على البيئة الطبيعية بعين الاعتبار.

تقرير الصليب الأحمر حول حماية البيئة خلال الحروب
تقرير الصليب الأحمر حول حماية البيئة خلال الحروب

وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن هذه القواعد تلزم أطراف النزاع عدم استهداف أي جزء من البيئة الطبيعية ما دام يحتفظ هذا الجزء بوضعه المدني، مع مراعاة الضرر المحتمل على البيئة الطبيعية للتأكد من أنه ليس ضررا مفرطا مقارنةً بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة من هجوم على هدف عسكري، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب وتقليل الأضرار الجانبية التي تلحق بالبيئة الطبيعية، ويندرج أي ضرر يلحق بالبيئة الطبيعية أثناء وقت السلم أو ضرر غير مسموح به قانونًا أثناء النزاع المسلح بالبيئة الطبيعية، ضمن الفعل الإجرامي

اللجوء للقضاء الدولي للمطالبة بمعاقبة المجرمين

هنا يؤكد الدكتور جهاد أبو لحية، أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطيني، أن القانون الدولي يكفل لكل من تضرر نتيجة حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني باللجوء للقضاء الدولي للمطالبة بمعاقبة المجرمين وأيضا المطالبة بالتعويضات اللازمة نتيجة هذه الأفعال الإجرامية .


ويستدرك أستاذ القانون، خلال تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" قائلا: مع الأسف الشديد النظام الدولي الحالي بهيئته الموجودة عاجز عن توفير ألية حقيقية لمحاسبة اسرائيل، حيث صدرت في الآونة الأخيرة العديد من القرارات والاجراءات من محكمة العدل الدولية  ولم تلتزم اسرائيل في ذلك".

ويوضح "أبو لحية"، أن هناك من يوفر لإسرائيل الحماية الكافية لتتهرب من تنفيذ هذه الإجراءات والقرارات، وهذا يكشف عجز المجتمع الدولي في معاقبة ومحاسبة اسرائيل وكأنها دولة فوق القانون.

عوامل ساهمت في انتشار الأوبئة في غزة.. تراكم النفايات والجثث الملقاه بالشوارع

كوارث عديدة تسبب فيها العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، ما تسبب في أضرار بيئية وانتشار الأمراض والأوبئة، حيث يؤكد الدكتور سليم صقر رئيس قسم الجراحة بمستشفى ناصر بخان يونس، أن غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، حيث بداية الحرب والهجمة الشرسة على القطاع من قبل الاحتلال الإسرائيلي وتشهد انتشار كبير للأوبئة والأمراض، متابعا :"أغلق الاحتلال المعابر بشكل عام وأصبح ممنوع دخول السولار والوقود، وقطع المياه، والبلدات ظلت تعمل والقمامة تراكمت بشكل كبير في الشوارع والمنازل ونزحت الناس وتركت القمامة والقمامة أحدثت وباء صحي بشكل كبير وانتشرت والميكروبات في أماكن تجمع القمامة وهذا أحدث كارثة بيئية بانتشار الميكروبات".

ويضيف "صقر"، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن القنابل المحرمة دولية التي ألقيت على قطاع غزة بها مواد جرثومية وسامة أدت إلى انتشار الأوبئة في قطاع غزة وأحدثت تلوث في التربة والهواء والمساكن، بجانب الازدحام الناس بأماكن النزوح مع الحرارة الشديدة في فصل الصيف التي يعانى منها قطاع غزة خاصة في خيام النازحين .

"في الوضع الطبيعي يكون في الغرفة هناك شخص أو شخصين، ولكن الآن يتواجد في الخيمة التي لا تزيد مساحتها عن 8 أو 9 متر يتواجد 20 شخصا وبالتالي هناك تنفس متزايد في الخيمة وعدم نظافة شخصية وانقطاع المياه لفترة طويلة والناس لا تجد مياه تشرب أو الاستحمام فيها"، هنا يصف سليم صقر الوضع البيئي الخطير الذي يعيشه سكان قطاع غزة، موضحا أن هذا الوضع أدى لانتشار الأوبئة والمجاري والصرف الصحي لا يتم معاجلته وكل أنابيب الصرف الصحي استهدفت من قبل الاحتلال فصارت المجاري تلقى في الشوارع وهذا أحدث كارثة بيئية كبيرة بين الفلسطينيين في القطاع".

ويوضح رئيس قسم الجراحة بمستشفى ناصر بخان يونس، أن انعدام أدوات النظافة في قطاع غزة بسبب العدوان الإسرائيلي وانعدام المعقمات والمياه والبترول لمعالجة النفايات الصلبة ونقلها أحدث كارثة بيئية في القطاع، بجانب التغذية غير الصحيحة ساعدت في انتشار الأوبئة بطريقة غير مباشرة، والمريض عندما لا يتم تغذيته بطريقة صحيحة يؤدى إلى نقص في مناعته بشكل كبير وبالتالي أي ميكروب يؤدى لإحداث حالة عدوى يمكن أن تنتشر بين أناس أصحاء.

ويشير إلى أن الجثث الشهداء الملقاه في الشوارع وتحت الأنقاض تحدث تلوث بيئي بشكل كبير، لأن جسم الإنسان عندما يتحلل يصبح عرضة لانتشار الأمراض والفيروسات وهذا يساعد في انتشار الفيروسات بين الناس خاصة النازحين، وكذلك خلال هدم البيوت ينتشر الغبار والأتربة تقلل المناعة وتحدث مشكلات في التنفس وتساعد على انتشار الأوبئة والأمراض بين الأهالى في القطاع.

تاريخ إسرائيل في الإضرار بالبيئة خلال النزاعات والحروب

ويشير الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن العدوان الإسرائيلي تسبب في تلوث بيئي، إلا أن إسرائيل لا تعترف بقواعد القانون الدولي وهي أضرت بالمياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بقطاع غزة، وبالتالي هي لم تكتف بهذا، بل فعلت ذلك في غزة ولبنان الليطاني وقبل ذلك فهي لها تاريخ غير مرحب به في كل المستويات.

ويكشف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تفاصيل انتهاكات إسرائيل ضد البيئة، موضحا أنه قبل العدوان على غزة، كانت إسرائيل تمنع الصيد في مناطق معينة ثم حجبته بالكامل، استخدمت ألغام وهذا لم يتحدث عنه أحد في هذا الإطار من قبل، وكان هدف إسرائيل هو السيطرة على القطاع، وهذا الأمر لا يتوقف عند التلوث البيئي بل أيضا سوء استخدام الممرات والمناطق البحرية بصورة أو بأخرى مما كان له تأثير كبير

"من الممكن لدول المنطقة المطالبة بتعويض لأن إسرائيل سرقت المياه الجوفية العربية وسرقت المياه الجوفية في الجولان والليطانى وفي سيناء من قبل وكذلك في غزة، ومن المفترض أن نحصل على تعويضات بشأن كل ما فعلته"، هنا يشرح طارق فهمي، الأسباب التي تدفع الدول لرفع دعاوى للحصول على تعويضات من إسرائيل، قائلا :"لابد أن نحصل على تعويضات بشأن هذه الأمور لأن إسرائيل لم تضر البيئة فقط، بل أضرت بالواقع الكامل في هذا الإطار، لابد أن يكون هناك مطالبة خلال مشروعات الإعمار أن يكون هناك جزء من التعويضات تدفعها إسرائيل لأنها أضرت بالمياه الجوفية وأضرت بكل المصادر والموارد المائية".

وتابع طارق فهمي :"في مارين 1 ومارين 2 ، حقول الغاز في إسرائيل على حدود مع غزة إسرائيل حاولت أن تعوق استخدامها وحاولت سرقتها في مراحل بعينها، وهذه الأمور عطلت استخدام الموارد لكن هناك مشروعات وترتيبات ما بعد انتهاء الحرب علينا أن نطالب بهذا ونضعه ضمن مشروعات الإعمار والحقوق المكتسبة التي سرقتها إسرائيل".

إسرائيل تنتهك مادتي 35 / 3 و55 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف

بدوره، سلط الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، الضوء على الآثار البيئية الكارثية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وموقف القانون الدولي من هذه الانتهاكات، مؤكدا أن إسرائيل انتهكت بشكل واضح المادة 35 / 3 والمادة 55 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، اللتين تحظران استخدام وسائل وأساليب القتال التي قد تلحق أضرارًا بالغة وواسعة الانتشار وطويلة الأمد بالبيئة الطبيعية، كما أن استخدام إسرائيل لأسلحة محرمة دوليًا كالفسفور الأبيض والقنابل العنقودية يعد انتهاكًا لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، مشددا ان هذه الممارسات لا تؤدي فقط إلى تدمير البيئة، بل تهدد أيضًا حياة وصحة الملايين من المدنيين.

وفي تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أكد الدكتور مهران أن العدوان الإسرائيلي على غزة قد تسبب في تلوث بيئي خطير للغاية، يتجاوز حدود القطاع ليؤثر على الدول المجاورة، مشددا علي ان هذا الدمار البيئي يشكل انتهاكًا صارخًا للعديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية، لافتا إلى أن إسرائيل طرف في عدد من الاتفاقيات البيئية الدولية الهامة، قائلا :"على سبيل المثال صادقت إسرائيل على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية التنوع البيولوجي، واتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود".

وأوضح أن القانون الدولي يسمح بالمطالبة بتعويضات عن الأضرار البيئية الناجمة عن النزاعات المسلحة، مشيرا الي أن مبدأ المسؤولية عن الأضرار هو من المبادئ الراسخة في القانون الدولي، ولافتا الي أنه يمكن للدول المتضررة بما فيها فلسطين والدول المجاورة، رفع دعاوى أمام محكمة العدل الدولية للمطالبة بتعويضات عن الأضرار البيئية، كما يمكن اللجوء لمحاكم تحكيم او إحالة هذه القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها جريمة حرب ضد البيئة.

وقال مهران: "فيما يتعلق باللجوء إلى محكمة العدل الدولية يمكن للدول المتضررة بما فيها فلسطين والدول المجاورة، رفع دعوى مباشرة ضد إسرائيل استنادًا إلى المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة حيث تتيح هذه المادة منح المحكمة اختصاصًا في النظر في النزاعات القانونية المتعلقة بتفسير المعاهدات وانتهاكات القانون الدولي، لكن من المهم ملاحظة أن إسرائيل لن تقبل اختصاص محكمة العدل الدولية بموجب المادة 36 / 2 من النظام الأساسي للمحكمة، ما يعني أنه لا يمكن رفع دعوى ضد إسرائيل أمام المحكمة دون موافقتها الصريحة، إلا إذا كان هناك نص خاص في إحدى الاتفاقيات التي صادقت عليها يمنح المحكمة اختصاصًا في النظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق أو تفسير تلك الاتفاقية".

وأشار أستاذ القانون الدولي إلى أنه في حالة عدم وجود مثل هذا النص، أو عدم قبول إسرائيل لاختصاص المحكمة، يمكن اللجوء إلى آليات بديلة لتسوية النزاعات مثل التحكيم الدولي، إذا نصت الاتفاقيات المعنية على ذلك، مضيفا أن بعض الاتفاقيات البيئية تتضمن آليات خاصة لتسوية النزاعات، على سبيل المثال تنص اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على إمكانية اللجوء إلى محكمة العدل الدولية او التحكيم أو التوفيق الإلزامي في حالة فشل المفاوضات بين الأطراف، لافتا إلى أن مبدأ التلوث قد أصبح جزءًا من القانون الدولي البيئي العرفي، وهذا المبدأ يمكن الاستناد إليه في المطالبات القانونية ضد إسرائيل لتحميلها المسؤولية عن الأضرار البيئية التي تسببت فيها.

وأوضح أنه يمكن أيضا الاستناد إلى انتهاكات إسرائيل لاتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية، خاصة فيما يتعلق بحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة، كما يمكن الاستناد إلى مبدأ المسؤولية الدولية عن الأفعال غير المشروعة دوليًا، والذي يعد من المبادئ الراسخة في القانون الدولي العرفي، مشيرا الي أنه يمكن تقديم بلاغات إلي المحكمة الجنائية الدولية بشكل مباشر من الدول المتضررة على أساس أن الجرائم البيئية التي ارتكبتها إسرائيل ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، المادة 8 / 2 ب من نظام روما الأساسي والتي تعتبر تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن إلحاق أضرار واسعة النطاق وطويلة الأجل وشديدة للبيئة الطبيعية جريمة حرب.

وأشار "مهران"، إلى أنه في حالة إدانة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب بيئية، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تأمر بجبر أضرار الضحايا، بما في ذلك رد الحقوق والتعويض وفقًا للمادة 75 من نظام روما الأساس، كما لفت ايضا الي أنه يمكن النظر في إمكانية رفع دعاوى أمام المحاكم الوطنية في الدول التي تسمح قوانينها بذلك، استنادًا إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية في قضايا الجرائم الدولية الخطيرة، مؤكدا أهمية التوثيق الدقيق للأضرار البيئية، ويجب على الخبراء والمنظمات الدولية توثيق الآثار البيئية للعدوان بشكل علمي ودقيق حيث سيكون هذا التوثيق أساسيًا في أي إجراءات قانونية مستقبلية، ومؤكدا علي أنه كان يتعين علي مجلس الأمن الدولي إصدار قرارات ملزمة تدين الانتهاكات البيئية الإسرائيلية وتفرض عقوبات على إسرائيل الا ان الفيتو الأمريكي حال دون ذلك، هذا بالإضافة إلى أنه كان يجب على الدول فرض حظر على تصدير التكنولوجيا والمعدات العسكرية لإسرائيل.

وتابع مهران: "يمكن أيضًا للجمعية العامة للأمم المتحدة طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول المسؤولية القانونية لإسرائيل عن الأضرار البيئية في غزة والمنطقة، ودعا المجتمع الدولي لإدراك أن حماية البيئة في أوقات النزاع المسلح هي مسؤولية جماعية"، مشيرا إلي أن الأضرار البيئية لا تعرف حدودًا، وتأثيراتها تمتد لأجيال قادمة، معتبرا أن محاسبة إسرائيل على جرائمها البيئية ليست فقط مسألة عدالة للشعب الفلسطيني بل هي ضرورة لحماية البيئة العالمية ككل، موضحا أنه يجب التأكيد على أن السعي للتعويض عن الأضرار البيئية ليس فقط مسألة قانونية، بل هو أيضًا التزام أخلاقي تجاه الأجيال الحالية والمستقبلية؟ وحماية البيئة هي مسؤولية مشتركة للمجتمع الدولي ككل.

وأشار إلى أهمية التعاون الدولي في مواجهة التحديات البيئية لمعالجة هذه الآثار ومنع تكرارها في المستقبل، موضحا أن سعي بعض الدول إلى حلول دبلوماسية وسياسية، مثل الضغط من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، أو العمل من خلال المنظمات الدولية المعنية بالبيئة لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها البيئية، قد يكون من الأكثر فعالية.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة