التنمر قضية عالمية لا تقتصر على مرحلة عمرية أو مكان محدد؛ بل هي مشكلة تتطلب التوعية المستمرة، خاصة في المدارس حيث تتجه الجهود نحو حماية الطلاب، ومع ذلك، فإن ضحايا التنمر ليسوا الطلاب وحدهم؛ فالمدرسون والبالغون أيضًا قد يواجهون هذا السلوك المؤذي، ما يستلزم منهم شجاعة كبيرة للتغلب عليه ومواصلة أداء دورهم في المجتمع، وهو ما فعله ناجي شحاتة، المعلم الملهم من القاهرة الذي يبلغ من العمر 57 عامًا، والذي نجح في تحويل مسار حياته وتحدي نظرات المجتمع بثقته بنفسه، فاستطاع أن يكسب احترام طلابه، ويخرج جيلاً واعيًا يقدر المعلم ويرفض التنمر.
ناجي
ناجي يتحدى التنمر: التربية تبدأ من الآباء
تعلم ناجي في عدة مدارس أولها مدرسة فرنسية في دولة العراق حيث كان مقيم مع والديه هناك، ثم بعدما جاء لمصر التحق بإحدى المدارس التي وصفها بالدراسة الصعبة والنظام القاسي الذي جعل مدير المدرسة يلمح له أنه محدود الذكاء ويجب أن ينتقل من المدرسة لكي يستطيع النجاح، بالرغم من أنه شخص دءوب على النجاح ومُصر عليه لكنه تعثر قليلاً نتيجة السفر والتنقلات والنظام القاسي، ثم قرر والداه أن ينقل إلى مدرسة ليسيه الحرية حتى مرحلة الثانوية العامة.
كان لقصر قامته سببًا في تميزه وليس تمييزه مثلما أوضح في حديثه لـ"اليوم السابع" أن مرحلة انتقاله من مدرسة لأخرى كان يجعل قلبه يشعر بأن العيب فيه هو، حتى تعرف على مسرح المدرسة واكتشف أنه موهوب ومحب للفن، فجعل مشاركته في المسرح وممارسة هوايته هي الوقود الذي يسير به في مسيرته التعليمية.
المعلم ناجي شحاته
بالرغم من عمل عائلة ناجي في الطب إلا أنه تخرج في كلية الأداب قسم لغة فرنسية، ولم يكن يعلم ما سيفعل بعد ذلك وما سيعمل في المستقبل، فبعد التخرج عمل قليلاً في مجال الترجمة، وفي بعض الوقت عمل لدى أصدقائه الأجانب في تنظيف وتربية حيواناتهم الأليفة وعلى مدار عام ونصف بعد تخرجه لم يعمل في مجال التدريس حتى علم أن مدرسة الليسيه الحرية تريد معلمين للغة الفرنسية وقدم فيها وقُبل.
المعلم ناجي
بدأ ناجي مسيرته التعليمية رغم تحديات شكله وطوله الذي ورثه من عائلته. وبدعم من والديه، استطاع التغلب على نظرات التنمر واكتسب ثقة في نفسه وقدراته، فكانت تجربة التدريس له ولمدة 28 عاما ثرية للغاية، حيث أنه من أول يوم عمل وضع حدوداً مع طلابه، ورفض ضحكاتهم عليه أو سماع همسات، بل وأخذ أحيانًا يمزح عن شكله لكي يجعلهم يشعرون بالخجل، ومنذ ذلك اليوم وطلاب مدرسته يعتبرونه صديقهم ومعلمهم وملهمهم الأول، خاصة بعد إحيائه لفريق المسرح داخل المدرسة ومشاركتهم في هوايته واثرائها بشكل كبير، وأشار إلى أن الكثير من طلابه لازالوا أصدقائه حتى يومنا هذا.
وتابع ناجي أن ما تعرض له من فشل دراسي في بدايته جعله يحرص جدًا بأن طلابه لا يقعون في هذا الفخ، كما أكد أن المعلم لا يجب عليه محاسبة التلميذ فقط على درجاته الدراسية، بل يجب وضع درجات على تفاعله وسلوكه وممارسته الأنشطة الأخرى داخل المدرسة، بجانب تقرب المعلم من التلاميذ بشكل إنساني يجعل هناك تناغم بينهما ويعطي للطالب فرصة للابداع وإخراج أفضل ما لديه.
ناجي شحاتة المعلم
مرت حوالي 10 سنوات حتى علم مدير مدرسته القديمة بنشاطه المسرحي، بل وطلب منه أن يقوم بالتدريس في مدرسته، بل وأنه يستطيع أن ينقل النشاط المسرحي داخل المدرسة إلى شكل أفضل، خاصة وأنه حصل مع طلابه على عدة جوائز نتيجة تفانيه وعشقه لعمله.
أنما التنمر فقال عنه أن الأباء هم حجر الأساس في التربية، ففي سنوات عمله وانتقاله من مدرسة لأخري، وجد أن بعض الأباء قد يكونوا سبباً في وجود جاب كبير بين الطالب ومعلمه، وافتقار في احترامهما لبعض، الأمر الذي لم يتحمله في السنوات الأخيرة من عمله كمعلم، بجانب عوامل التشتيت كما وصفها التكنولوجيا الحديثة والأنترنت التي يعتبرون التنمر فيه فكاهة وكوميكس يضحك ولكنه في واقع الأمر قد يبكي ويسبب الألم لمن يوجه له بعض كلمات "التريقة" أو التنمر، كما أردف أن الجيل تغير كثيراً عن زمان، فأصبح هناك مجموعات كبيرة توجه التنمر نحو شخص، بخلاف زمان، كان هناك فرد أمام فرد يوجه التنمر له، فأصبح هناك صعوبة في مواجهة التنمر بشكل أفضل خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ناجي شحاتة
واختتم قائلاً أن الجيل الجديد يجب أن يعي أولياء امورهم أنهم عرضه للخطأ ولكنهم في حاجة دائمة للتربية والتوجيه، وفي الوقت الصعب داعمين لهم خاصة إذا تعرضوا للتنمر أو للفشل، وأن يعلمون جيداً أن ليس بالضرورة أن يكون الطالب فاشلاً نتيجة تعثره الدراسي، بل أنه قد يكون موهوباً في جزء أخر من حياته مثلما فعل هو بعدما ترك التدريس بعد رحلة استمرت لقرابة 30 عام وتفرغ للمسرح.