في تاريخ مصر القديمة، لعبت النساء دورًا محوريًا ليس فقط كملكات وأمهات، بل كقوى سياسية أثرت في انتقال الحكم وساهمت في تأمين بقاء ملوك وصعود آخرين إلى السلطة، يتجلى ذلك التأثير في عدد من الحالات التي ساعدت فيها الملكات المصرية، من خلال ذكائهن السياسي وقوتهن الشخصية، على وصول الملوك أو الحكام إلى السلطة.
ويضرب الدكتور حسين عبد البصير عالم المصريات الأمثلة على ذلك قصة يوليوس قيصر والملكة كليوباترا، والتي كانت مثالًا صارخًا على كيف يمكن لعلاقات الملكات أن تؤثر على السياسة الإقليمية والدولية.
تحتمس الثالث والملكة حتشبسوت
تحتمس الثالث هو أحد أشهر ملوك الأسرة الثامنة عشرة في مصر القديمة، لم يكن صعوده إلى الحكم مباشرًا، حيث تولت الملكة حتشبسوت السلطة كوصية عليه في بداية حكمه بسبب صغر سنه، وقد كانت الملكة حتشبسوت زوجة أبيه وعمته، وكانت شخصية قوية وصاحبة رؤية. حكمت مصر بشكل فعال كملكة فرعون لمدة تقرب من عشرين عامًا تقريبًا، ومنعت تحتمس الثالث من تولي العرش الكامل خلال تلك الفترة.
ويضيف الدكتور حسين عبد البصير، على الرغم من ذلك، كان لتحتمس الثالث مكانة في الأسرة الحاكمة بفضل وصايتها، وحينما تولى العرش بعد وفاتها، استند إلى الأسس التي وضعتها لتوسيع نفوذه وتحقيق انتصارات عسكرية كبيرة. ودون قوة حاتشبسوت في الحفاظ على استقرار الحكم خلال فترة الوصاية، ربما لم يكن لتحتمس الثالث القدرة على توجيه مصر نحو القوة العسكرية والازدهار.
رمسيس الثاني ووالدته الملكة تويا
رمسيس الثاني، الذي يعتبر أحد أعظم ملوك مصر القديمة على الإطلاق، وصل إلى الحكم في ظروف ميسرة بفضل والده سيتي الأول ووالدته الملكة تويا. كانت الملكة تويا شخصية بارزة ومؤثرة في البلاط الملكي، وتمكنت من لعب دور كبير في تمهيد الطريق لابنها رمسيس الثاني للوصول إلى السلطة. كانت تتمتع بحكمة ودراية كبيرة بشؤون الدولة والسياسة، مما جعلها داعمًا رئيسًا لحكم ابنها.
وأوضح الدكتور حسين عبد البصير أن علاقة رمسيس بوالدته كانت قوية للغاية، ويظهر ذلك في العديد من النقوش التي تكرمها. بفضل الدعم السياسي والمعنوي الذي قدمته تويا، استطاع رمسيس الثاني تحقيق الاستقرار السياسي والعسكري، ومواصلة بناء دولة مصرية قوية خلال فترة حكمه الطويلة.
بطليموس الخامس وكليوباترا الأولى
عندما تولى بطليموس الخامس الحكم في مصر خلال عصر المملكة البطلمية، كان شابًا قليل الخبرة. ولعبت زوجته، الملكة كليوباترا الأولى، دورًا كبيرًا في تثبيت حكمه.
وأشار الدكتور حسين عبد البصير، إلى أن كليوباترا الأولى كانت ابنة أنتوخس الثالث الكبير، ملك الإمبراطورية السلوقية، وهو ما منحها خلفية سياسية قوية ومهارات دبلوماسية جعلتها قادرة على توجيه الشؤون الداخلية لمصر. من خلال حكم مشترك مع بطليموس الخامس، ساعدته على تحقيق التوازن بين الفصائل المتنافسة داخل البلاط الملكي، وتمكنت من تأمين حدود مصر الشمالية من التهديدات الخارجية. وجعلها الدور القوي الذي لعبته كليوباترا الأولى في تثبيت حكم بطليموس الخامس إحدى الملكات اللواتي أثرن بشكل كبير في السياسة المصرية وأمن الدولة المصرية.
بطليموس الثالث عشر وكليوباترا السابعة
لم يكن بطليموس الثالث عشر، شقيق كليوباترا السابعة وزوجها الذي حكم مصر بشكل مشترك معها، ليصل إلى الحكم لولا وجودها. في البداية، كانت كليوباترا السابعة هي الحاكمة الرئيسة لمصر بعد وفاة والدها بطليموس الثاني عشر، لكن بسبب الضغوط السياسية داخل البلاط الملكي، تم إجبارها على مشاركة الحكم مع شقيقها الأصغر بطليموس الثالث عشر. ومع ذلك، كانت كليوباترا هي التي قادت الدبلوماسية والسياسة الخارجية لمصر، وكانت مسؤولة عن الحفاظ على العلاقات مع روما، التي كانت القوة العظمى في ذلك الوقت.
وكان دور كليوباترا الحاسم في تلك الفترة مفتاحًا للحفاظ على استقرار حكم بطليموس الثالث عشر، وإن كان حكمه ضعيفًا، وانتهى في نهاية المطاف بصراع مفتوح بينهما.
يوليوس قيصر وكليوباترا السابعة
لم يصل يوليوس قيصر إلى حكم مصر إلا بفضل كليوباترا السابعة. وكانت علاقتهما ذات تأثير كبير على سيطرته السياسية. كليوباترا السابعة، آخر ملكة من سلالة البطالمة في مصر، كانت شخصية سياسية بارعة، وكانت تعرف كيف تستخدم علاقاتها الشخصية لتحقيق مصالح بلادها.
ولفت الدكتور حسين عبد البصير، إلى أن كليوباترا كانت علاقتها الرومانسية والسياسية مع يوليوس قيصر، ثم مارك أنطوني، جزءًا من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها والحفاظ على استقلال مصر. وبعد وفاة كليوباترا وانتهاء حكم البطالمة، تمكن أوكتافيوس أغسطس من تحقيق السيطرة الكاملة على مصر، مما جعله يؤسس الحكم الروماني هناك.
وعلى الرغم من أنها لم تسهم مباشرة في وصول أغسطس إلى الحكم في روما، فإن علاقتهما السياسية المتوترة والصدامية أثرت بشكل كبير في مسار التاريخ الروماني والمصري على حد سواء.
يظهر لنا التاريخ المصري القديم والبطالمة كيف أن النساء الملكات لعبن دورًا جوهريًا في نقل السلطة، وتثبيت حكم الملوك، والتأثير على مجريات السياسة الإقليمية. لم يكن تحتمس الثالث ليصل إلى عرشه بدون رعاية حاتشبسوت، ورمسيس الثاني أفاد بشكل كبير من دعم والدته تويا. كذلك، شهدت المملكة البطلمية أدوارًا مؤثرة لكليوباترا الأولى وكليوباترا السابعة في تشكيل مصائر الملوك والشعوب.
وأكد الدكتور حسين عبد البصير أن هؤلاء الملكات أثبتوا أن القوة السياسية لا تعتمد بالضرورة على الجلوس على العرش، بل يمكن أن تتأتى من خلال الذكاء والدبلوماسية، ودعم الحكام من وراء الكواليس، واستغلال العلاقات الدولية لتحقيق المصالح الوطنية. إن تأثير الملكات المصريات ليس مجرد ظاهرة محلية بل هو جزء من تاريخ أوسع يؤكد أن النساء كن دائمًا جزءًا لا يتجزأ من لعبة السلطة، قادرات على التأثير في مسار التاريخ وتشكيل مستقبل شعوبهن.