أعطت الأم ندرا للقطب الصوفى السيد أحمد البدوى فى طنطا ومارى جرجس فى «ميت دميس» لو أنها أنجبت طفلا رابعا يكون ولدا، بعد أن أنجبت طفلا ذكر ثم طفلتين، وقبل موعد مولودها الجديد الرابع زارها السيد البدوى فى المنام، وقال لها: «أبشرك بغلام»، ولما ولدت طفلها فى 23 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1940، سمته «السيد أحمد محمد حجاب»، ويصبح فيما بعد أحد أكبر شعراء العامية فى مصر.
يذكر سيد حجاب هذه الحكاية فى سيرته الشخصية والإبداعية «صياد الحواديت» تأليف الشاعر إبراهيم خطاب، ويكشف فيها تأثير البيئة الاجتماعية فى حياة هذا الشاعر الكبير منذ مولده ونشأته الأولى بالمطرية بمحافظة الدقهلية، يتحدث عن تأثره بوالده، قائلا: «والدى أحمد محمد حجاب درس فى الأزهر لسنوات، وخرج عاشقا للقراءة والشعر، بل وكنت أسمع أقوالا عن كونه شاعرا فى صباه، ولكنى لم أسمع له بيتا واحدا، ووالدتى دولت مصطفى عوض بنت مصطفى عوض الكاتب العمومى وشيخ الصيادين، وجدتى أم والدتى هى مفيدة على حجازى الدمياطية، وأنجب والدى ووالدتى 9 أبناء كنت أنا الخامس».
كان الأب طيبا مضيئا دمعته قريبة، بوصف سيد حجاب، مضيفا: «من أوائل الذين فكروا فى تعليم بناتهم إلى مراحل متقدمة جدا، وهو المتدين الذى يحترمه إخوته الأكبر والأصغر وأبناء أعمامه، الذين وصلت درجة ثقتهم به إلى إرسال بعض أبنائهم ليربيهم، وهو الأفقر بين أعمامى الذين هم على قيد الحياة، ولكنه كان بمثابة «ولى الأمر والحضن الحنين»، الحكيم العاقل الذى يطبق القول القائل «خير الناس أعذرهم».
يكشف «حجاب » عن بداية علاقته بالقراءة فى طفولته، قائلا: «كان لوالدى صديق حميم هو يوسف ميخائيل، الذى كنت أرى فى مكتبة والدى الكتب الدينية التى أرسلها يوسف مجلدة ومكتوبا عليها اسمه مثل «محمد المثل الكامل» وغيرها، وكنت أرى الأناجيل فى بيتنا من بينها إنجيل «برنابا»، وعندما كنت فى السابعة كانت الكوليرا منتشرة، والأمهات يحبسن أبناءهن فى البيت، فكانت فرصتى لالتهام مكتبة والدى، وكان والدى مشتركا فى مجلات المصور وكتاب الهلال ومجلة الهلال وغيرها، وكان البيت كله مصابا بحب القراءة وعشق الكتب، أذكر أن والدى كان يقتص خمس ساعات مقدسة من يومه للقراءة، تقلصت فى آخر أيام حياته إلى ساعتين».
يضيف: «كانت فرصة جيدة لالتهام كل ما فى المكتبة، أقرأ ما أفهمه وما لا أفهمه أجزاء من «ألف ليلة وليلة» و«يتمية الدهر» للثعالبى و «الأغانى» للأصفهانى، و «خزانة الأدب » للبغدادى، وعندما امتد بى العمر دهشت عندما عاودت قراءة هذه الكتب، ووجدت كثيرا منها باقيا فى ذاكرتى».
«كانت الحكاوى والحواديت والأشعار، التى تتبادلها ألسنة الناس البسطاء فى «المطرية» زادا لسيد حجاب يدونه فى وريقات صغيرة »، يذكر: «كانت قريتى تعيش بالغناء كل لحظة من لحظات الحياة اليومية، من المولد إلى السبوع والمشى ودخول المدرسة، دائما هناك غناء فى كل حالة ومع كل خطوة حتى تبدأ أنت فى الغناء أيضا، زوجات الصيادين يغنين لأزواجهن حتى يعودوا من الصيد، الصيادون يرددون ألوانا من الغناء على المركب، كل منها لنوع معين من الصيد، كان أشهرها صيد «الدبدبة » وغناء «الدبدبة»، حيث كان الصيد على شكل مجموعات من المراكب، ثم بنصب الشبك ويبدأ الغناء والدبدبة على المراكب لكى تدفع السمك إلى الشباك المنصوبة له».
يضيف: «فى المطرية كان الصيادون هم المذاق الخاص بالمدينة، والعدد الأكبر بها، ومنهم عدد قليل جدا متعلم، عائلاتها الكبيرة كانت الريس والجيار، وعزام، وأظن أن أصولهم تعود إلى فلسطين، ويقال: إن جملة من سكانها من عرب سيناء والعريش وغزة من أصول فلسطينية، ومنهم «آل حجاب » الذى انتمى إليهم ».
يعتبر «حجاب» أن أبيه «المعلم الأول»، قائلا: «كان أبى يحفظ المعلقات، واكتشف موهبتى الشعرية الباكرة فى جلسات المطارحة الشعرية التى كان يعقدها لأبنائه، فيقول بيتا شعريا، والتالى له فى الجلسة يأخذ قافية البيت ليبدأ بها بيتا شعريا آخر، مثلا: «نحن فى المشتاة ندعو الجفلى/ لا ترى الأدب منا ينتقر»، فالتالى يأخذ الراء: «ريم على القاع بين البان والعلم/ أحلى سفك دمى فى الأشهر الحرم»، والتالى يأخذ الميم ليبدأ بيتا جديدا».
«هكذا تظل جلسة السمر الشعرية حول «المنقد» فى ليالى الشتاء قبل أن يظهر التليفزيون، ولم يكن هناك إلا الراديو الذى كان يعمل ساعات محدودة، وفى كثير من الأحيان كانت تعجز محفوظاتى القليلة فابتكر وارتجل بيتا «يعدى» على أبى، وبيت وراء بيت، بدأت أدرك أننى شاعر، وكنت فى السابعة من عمرى، وفى أثناء الكفاح المسلح ضد الإنجليز بمنطقة القناة، استشهد طفل من سنى اسمه نبيل منصور، فكتبت أول قصيدة فى حياتى «كنا غزاة وأبطالا صناديدا/ صرنا لرجع الصدى فى الغرب ترديدا»، كان عمرى وقتها 11 عاما، وكان واضحا وجود نبرة خطابية كلاسيكية فى كتابتى هذه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة