دائما ما يشغلنى أمر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذى توفى منذ 54 عاما فى 28 سبتمبر من سنة 1970، ومع ذلك لا يزال الناس يتحدثون عنه ويتذكرونه، ويختلفون حوله، وكل ذلك فى حد ذاته حياة، حتى الاختلاف حياة، وحتى الجدل الذى يثار حوله حياة، الموت فقط هو أن ينساك الناس.
أكثر الذين حيرتنى وجهة نظرهم فى جمال عبدالناصر هم المثقفون، لقد كانوا يختلفون حوله وفى الوقت نفسه يحبونه، أنا ممن يحبون جمال عبدالناصر، ولى أسبابى ومنها أننى جلست واستمعت فى طفولتى لعدد كبير ممن عاشوا عصر جمال عبدالناصر وكانوا يحبونه ويجلونه ويتحدثون عن إحساسهم بأنفسهم الذى اختلف تماما، وعن علاقتهم بالوطن التى زادت تماسكا.
نعود مرة أخرى إلى المثقفين خاصة الشعراء الذين عبروا عن علاقتهم بجمال عبد الناصر، خاصة بعد رحيله، ولعل أشهر من تحدثوا فى ذلك كان الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، الذى قال:
«يعيش جمال عبدالناصر/ يعيش جمال حتى ف موته/ ما هو مات وعاش عبد الناصر!!/ اسمه جمال وجميل فعلاً/ ياما شفنا شجعان خوّافه/ عظيم.. وكان إنسان طبعاً/ المجد مش شغل صحافة/ علشان ده عاش عبدالناصر/ أعداؤه كرهوه ودى نعمة/ مِن كرهُه أعداؤه صادق/ فى قلبه كان حاضن أمَّه/ ضمير وهمَّة ومبادئ ساكنين فى صوت عبدالناصر».
بينما يقول الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى فى «مرثية العمر الجميل»:
«هذه آخر الأرض/ لم يبق إلا الفراقْ/ سأسوّى هنالك قبرًا/ وأجعل شاهده مزقة من لوائك/ ثم أقول سلامًا/ زمن الغزوات مضى والرفاقْ/ ذهبوا/ ورجعنا يتامى».
بينما شاعر العراق الكبير محمد مهدى الجواهرى، قال فى الذكرى الأولى لرحيل عبد الناصر:
«أكبرت يومك أن يكون رثاء/ الخالدون عهدتهم أحياء/ أَوَ يُرزقون؟ أجل، وهذا رزقهم/ صنو الوجودوجاهة وثراء/ صالوا الحياة، فقلت دَيْنٌ يقتضى/ والموت قيلَ فقلتُ كان وفاء/ أثنى عليك وما الثناء عبادة/ كم أفسد المُتعبّدون ثناء/ لا يعصم المجد الرجال وإنّما/ كان العظيم، المجد والأخطاء/ قد كنت شاخص أمّة نسماتها/ وهجيرها، والصبح والإمساء».
وقال الشاعر الكبير محمد الفيتورى فى قصيدته «القادم عند الفجر» معبرا عما جرى فى جنازة جمال عبد الناصر:
«الآن وأنت مسجى/ أنت العاصفة، الرؤيا، التاريخ، الأوسمة، الرايات/ الآن وأنت تنام عميقًا/ تسكن فى جنبيك الثورة/ ترتدّ الخطوات/ تعود الخيل مطأطئة من رحلتها/ مغرورقة النظرات/ الآن يقيم الموت سرادقه العالى/ يتدفق كالأمطار على كل الساحات/ الآن يكون الحزن عليك عظيمًا/ والمأساة تدوس على جثث الكلمات/ الآن وهم يبكون/ كأن ملايين الأرحام/ ولدتك/ وأنك عشت ملايين الأعوام».
الشاعر الكبير محمود درويش تأثر أيضا برحيل جمال عبدالناصر فكتب قصيدته «الرجل ذو الظل الأخضر»، والتى قال فيها:
«نعيش معك/ نسير معك/ نجوع معك/ وحين تموت/ نحاول ألا نموت معك/ ولكن لماذا تموتَ بعيدًا عن الماء/ والنيل ملء يديك؟/ لماذا تموت بعيدًا عن البرق/ والبرق فى شفتيك؟/ وأنت وعدت القبائل/ برحلة صيف من الجاهليةْ/ وأنت وعدت السلاسل/ بنار الزنود القويةْ/ وأنت وعدت المقاتل/ بمعركة تُرجِع القادسيةْ/ نرى صوتك الآن ملء الحناجر/ زوابع تلو زوابع/ نرى صدرك الآن متراسَ ثائر/ ولافتة للشوارع/ نراك/ نراك/ نراك طويلًا كسنبلة فى الصعيد».
وتظل صرخة الشاعر العربى الكبير نزار قبانى خالدة فى قصيدته الشهيرة «قتلناك يا آخر الأنبياء»:
«أبا خالدٍ.. يا قصيدةَ شعرٍ/ تقالُ/ فيخضرُّ منها المدادْ/ إلى أينَ؟/ يا فارسَ الحُلمِ تمضى../ وما الشوطُ، حينَ يموتُ الجوادْ؟/ إلى أينَ؟/ كلُّ الأساطيرِ ماتتْ../ بموتكَ.. وانتحرتْ شهرزادْ».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة