شهد الاقتصاد العالمي، خلال الأربع سنوات الماضية، تحديات جسيمة بدءًا من جائحة كورونا وما تبعها من التوترات الدولية والإقليمية وأهمها الحرب في أوكرانيا وغزة، وتداعيات أخرى للتوترات بالبحر الأحمر التي ألقت بظلالها السلبية أيضًا على حركة التجارة وعبور السفن بقناة السويس، وانعكست تلك التحديات العالمية بالسلب على كافة دول العالم، وبصفة خاصة على منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها مصر.
وتأثر الاقتصاد المصري بالتوترات الإقليمية، بانخفاض الإيرادات الضريبية وغير الضريبية نتيجة ارتفاع نفقة الحزم الاجتماعية لتخفيف الأعباء الناتجة عن ارتفاعات الأسعار بزيادة الأجور والحماية الاجتماعية، وإقرار الإعفاءات الضريبية الاستثنائية لقطاع الأعمال، ونقص العملة الأجنبية الواردة إلى مصر من قطاعي السياحة وهيئة قناة السويس، وبالتالي انخفاض صافي احتياطي النقد الأجنبي.
وواجهت الحكومة، هذه التداعيات باتخاذ إجراءات سريعة ومتوازنة لتحقيق النمو الاقتصادي واستعادة حركة الإنتاج وتوفير السيولة من النقد الأجنبي ومجابهة تحدي ارتفاع الأسعار لخفض العبء المالي على الموازنة العامة للدولة والقطاع الخارجي من خلال دعم احتياطات النقد الأجنبي، واستعادة الاستدامة المالية، ومحاربة التضخم.
وبالفعل اتخذ البنك المركزي المصري، إجراءات للتعامل مع آثار الأزمات العالمية، تمثلت في قرار زيادة سعر الفائدة بمقدار 600 نقطة وتحرير سعر الصرف في مارس 2024، وقبلها زيادة سعر الفائدة 200 نقطة أساس في فبراير 2024، ورفع نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي لدى البنوك في 2022 من 14% إلى 18% لتقليل حجم السيولة وخفض التضخم في عام 2023/2024، وساهمت تلك القارات في استعادة ثقة المستثمرين بقوة في الاقتصاد المصري ومعاودة تدفقات الاستثمارات الأجنبية بشكل ملحوظ إلى الاقتصاد المصري.
أما على مستوى القطاع المالي، اتخذت عدة إجراءات أبرزها تحجيم الإعفاءات الضريبية للشركات المملوكة للدولة، وإخضاعها للمراقبة المالية، والتخارج من أصول بقيمة 2.2 مليار دولار في عام 2023/2024 تنفيذًا لوثيقة سياسة ملكية الدولة، وسيستمر المزيد من التخارج الحكومي وتمكين القطاع الخاص، وتأجيل تنفيذ المشروعات الحكومية التي لم تستكمل نسبة 70% من تنفيذ المشروع إذا كان بها مكون دولاري؛ لتوفير النقد الأجنبي.
كما شكلت لجنة بقرار رئيس مجلس الوزراء لمراجعة مدى جدوى المشروعات الحكومية، ووضع سقف لاستثمارات القطاع العام بمبلغ 350 مليار جنيه في يونيو 2024، وبنحو تريليون جنيه سقف أقصى بموازنة العام المالي 2024/2025، كما تم أخذ العديد من الإجراءات الجمركية الجادة في عام 2024 لتسهيل الإفراج عن مدخلات الإنتاج في ضوء الحصول على النقد الأجنبي مما ساهم في معاودة الإنتاجية والنشاط الاقتصادي.
وحرصت السياسة المالية على تخصيص نصف تدفقات السيولة النقدية الجديدة من مشروع رأس الحكمة بمبلغ 12 مليار دولار (ما يعادل 540 مليار جنيه) لخفض المديونية الحكومية وتحسين الميزان الأولي في العام المالي 2023/2024 لتقفز فائض أولي بالموازنة الأولى إلى 6.1% في عام 2023/2024، مقارنة بـ1.6% من الناتج المحلي في العام المالي 2022/2023، على الرغم من التحديات العالمية وباستكمال الإصلاحات في العام المالي 2024/2025، ومن المستهدف وصول الفائض الأولي إلى 3.5% من الناتج المحلي.
وانعكست هذه الإجراءات الإصلاحية في تحقيق طفرات ملحوظة في الأداء المالي خلال العام المالي 2023/2024، وأبرز هذه المؤشرات تحقيق فائض أولي بنسبة 6.1% من الناتج المحلي، وتحقيق عجز كلي بنسبة 3.6% مقارنة بنسبة 6.1% العام الماضي متضمنًا عوائد رأس الحكمة، وتحقيق معدل نمو للإيرادات بنسبة 69% بما يفوق معدل نمو المصروفات، وزيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 30% تم صرفها على برامج الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، وزيادة الإيرادات غير الضريبية بنسبة 190% نتيجة تنويع مصادر الدولة وأهمها حصول الخزانة على 50% من صفقة رأس الحكمة.
وتتويجًا لجهود الإصلاحات وجهود الضبط المالي التي اتخذتها الدولة، نجحت مصر في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بزيادة قيمة التمويل ضمن إطار تسهيل الصندوق الممد من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار بعد أن كانت مراجعات البرنامج متوقفة لعدة أعوام، كما تم الاتفاق على برنامج مع الاتحاد الأوروبي بقيمة 7.4 مليار دولار خلال نفس فترة البرنامج مع صندوق النقد الدولي من عام 2024 إلى 2027، وتوقيع مشروع تطوير مدينة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار ليعكس ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري ويدعم مسار الإصلاح الاقتصادي.