التلي حرفة يدوية تراثية في سوهاج تعكس الإبداع المصرى الأصيل.. من الفضة والذهب تحولت الحرفة من فن نبيل إلى رمز للثراء والجمال في جزيرة شندويل.. والتلي الشندويلي أول علامة تجارية جماعية لحرفة تراثية بمصر.. صور

الأحد، 29 سبتمبر 2024 08:00 م

المنتجات

سوهاج محمود مقبول

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في جزيرة شندويل بمحافظة سوهاج، تقع حكاية حرفة من خمس حروف تعني الكثير إنها حرفة التلي، التي تعكس تاريخًا عريقًا ومعاني عميقة، تجسد التراث والعراقة والثقافة، وتحكي قصة إبداع الأجداد وابتكار الأحفاد و التلي ليست مجرد تطريز بسيط، بل هي فن يحمل في طياته روح الأناقة والتميز.

بدأت حرفة التلي في العصور الإسلامية، وكانت حكرًا على النبلاء والأثرياء الذين يفضلون الملابس المزينة بخيوط الذهب والفضة ومن تلك الأصول العريقة، وجدت الحرفة طريقها إلى صعيد مصر، حيث انتشرت بشكل خاص في جزيرة شندويل. هنا، قامت النساء بتطوير هذا الفن ليتناسب مع بيئتهن واحتياجاتهن، فأصبحت الحرفة ليست مجرد تطريز يدوي، بل رمزًا للثراء والجمال.

العمل في حرفة التلي يتطلب مهارة يدوية عالية ودقة فائقة، النساء في جزيرة شندويل يستخدمن خيوطًا معدنية رفيعة، سواء من الفضة أو الذهب، لتطريز الأقمشة التي غالبًا ما تكون قطنية أو كتانية، كل قطعة من التلي تحتاج إلى أيام أو حتى أسابيع لتكتمل، مما يجعل كل قطعة فريدة وتحمل بصمة خاصة من الحرفية والروح المصرية الأصيلة، و التلي ليس مجرد عمل يدوي، بل هو تعبير عن الهوية والثقافة المصرية.

تعد حرفة التلي مصدر رزق للعديد من النساء في جزيرة شندويل فهي توفر لهن فرصة لتحسين أوضاعهن الاقتصادية والمساهمة في دخل الأسرةـ ومن خلال التلي، تجد النساء وسيلة لتعزيز الاستقلالية المالية وتحقيق النجاح، وجمعيات أهلية محلية تساعد في تدريب النساء وتوفير المعدات اللازمة، إلى جانب تنظيم معارض سنوية لعرض منتجاتهن و هذه المعارض تفتح أبوابًا للتسويق وتتيح الفرصة للنساء للوصول إلى أسواق جديدة، محلية وعالمية.

خلال زيارتي لجزيرة شندويل، التقيت بإحدى الحرفيات اللاتي أبدعن في هذا المجال تحدثت معي بشغف عن تجربتها "تعلمت حرفة التلي منذ صغري، عندما كنت أراقب جدتي وهي تعمل على تطريز الأقمشة حيث كانت قطعة التلي الأولى التي أنجزتها شال بسيط ومع مرور الوقت، أصبحت هذه الحرفة جزءًا من حياتي ومصدر رزق لعائلتي، أشعر بالفخر عندما أرى القطع التي أنجزتها تباع وتلقى إعجاب الناس".

رغم كل هذا الجمال والأهمية الثقافية، تواجه حرفة التلي تحديات كبيرة، التكنولوجيا الحديثة في صناعة النسيج والتطريز أصبحت تنافس الحرف اليدوية التقليدية، مما يؤثر على الطلب على منتجات التلي كذلك، يتناقص عدد الأيدي العاملة المدربة في هذا المجال، حيث يتجه الشباب نحو مجالات عمل أخرى.

وفي هذا السياق، أكدت الدكتورة سحر وهبي، مقررة المجلس القومي للمرأة، على ضرورة بذل جهد أكبر للحفاظ على هذه الحرفة من الاندثار"نحن بحاجة إلى تطوير استراتيجيات تسويقية جديدة ودعم مادي للحرفيات ويجب أن نعمل على خلق بيئة تتيح للنساء العمل في هذه الحرفة وتحقيق النجاح".

رغم التحديات، هناك جهود ملموسة من قبل القيادة السياسية للحفاظ على حرفة التلي مؤخرًا، شهدت مصر حدثًا فريدًا بتسجيل التلي السوهاجي كأول حرفة تراثية تحمل علامة تجارية جماعية باسم "التلي الشندويلي" هذا الاعتراف الرسمي يعزز مكانة الحرفة ويضمن حقوق النساء العاملات فيها كما يفتح الباب لمزيد من الدعم الحكومي والمؤسسي لتطوير هذه الحرفة وحمايتها من الانقراض.

التلي يمثل جزءًا من الهوية الثقافية لمصر، ومهما كانت التحديات، يظل قادرًا على الصمود والتجدد، وإن الحفاظ على حرفة التلي ليس فقط حفاظًا على التراث، بل هو أيضًا تعزيز لدور المرأة في المجتمع وتمكينها من تحقيق استقلالية اقتصاديةـ و التلي ليس مجرد خيوط تتداخل مع الأقمشة، بل هو خيط يربط بين الماضي والحاضر، ينسج قصص الأجداد ويبدع في أيدي الأحفاد، ليظل دائمًا جزءًا من الروح المصرية الأصيلة.