تمر اليوم ذكر ميلاد مولانا جلال الدين الرومي، إذ ولد في مثل هذا اليوم 30 سبتمتبر عام 1207، وهو شاعر، وعالم بفقه الحنفية والخلاف وأنواع العلوم، ثم متصوف، وقال عليه مؤرخو العرب "ترك الدنيا والتصنيف"، وهو عند غيرهم صاحب المثنوى المشهور بالفارسية، وصاحب الطريقة المولوية المنسوبة إلى "مولانا" جلال الدين.
جاءت لحظة التحول في حياة جلال الدين الرومي عام 1244، عندما التقى بصوفي متجول يُدعى شمس التبريزي، وكان جلال الدين الرومي في الـ37 من عمره، واعظًا إسلاميًا تقليديًا وباحثًا، خلفًا لوالده وجده، وقد حدث انجذاب سحري بين الاثنين لمدة ثلاث سنوات؛ فكانا حبيبًا ومحبوبًا أو شيخًا ومريدًا، إذ لم تكن طبيعة العلاقة واضحة أبدًا، وهكذا أصبح جلال الدين الرومي صوفيًا، وبعد ثلاث سنوات اختفى شمس "ربما اغتاله ابن غيور لجلال الدين الرومي، مما أعطى للرومي درسًا هامًا في الفراق"، فحاول التأقلم بكتابة الشعر.
كتب الرومي الشعر في عمر 37 وحتى 67، وخلال هذه الفترة ألّف 3,000 قصيدة حب لشمس والنبي محمد والله، كما نظم 2000 من الرباعيات وكتب ملحمة روحية في ستة مجلدات هي كتاب “المثنوي".
وقد ترجم الأديب والناقد عبد الوهاب عزام فصولًا من كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي للتعريف بهذا الأديب الصوفي العظيم، وبالأدب الصوفي الذي زخرت به اللغة الفارسية، والمثنوي هو ديوان شعر باللغة الفارسية يعني بالعربية النَّظْم المزدوج، وهو النظم الذي يقفى فيه الشاعر شطرَا البيت، ويتحرر من وحدة القافية في القصيدة ومن ذلك قصة التاجر الذي حملته ببغاؤه رسالة إلى ببغاوات الهند وهو ذاهب إليها للتجارة، وفى الأبيات يقول جلال الدين الرومى:
تاجر كان لدَيه ببَّغاءْ قد حواها قفص، ذاتُ رُواء
أزمع التاجرُ هجران الْحَضَر ولأرض الهند قد رام السفر
قال للأسرة ماذا يُرغَب من هدايا الهند؟ إني ذاهب
قال كلٌّ عن هواه مُعرِبَا فسخَا بالوعد سمحًا طيِّبَا
سأل الببْغاء ماذا تبتغين؟ من ديار الهند ماذا تشتهين؟
فأجابته: إذا نلت مناك ذكِّرَنْ بي ببَّغاواتٍ هناك:
أنَّني، والشَّوق في قلبي استعرْ في بلاء الحبس ألقاني القدر
وخلاصة هذه القصة أن تاجرا كان لديه ببغاء جميلة وأزمع السفر إلى الهند للتجارة، فقال لأولاده وخدمه: ليقترح كُلٌّ من يشاء من هدايا الهند. فاقترح كل واحد ما أحبَّ، وسأل الببغاء: ما تريدين؟ فقالت: إذا بلغت الهند ورأيت أسراب الببغاء فأبلغهن عني ما ألاقي من عناء في الحبس، وأبلغهن عتبي بما نسينني ونَعِمن بالعيش في الغابات على غصون الأشجار.
فلما أبلغ التاجر هذه الرسالة إلى ببغاوات الهند ارتعدت إحداهن وخرَّت ميتة.
فلام التاجر نفسه على إبلاغ رسالة لم يعرف عواقبها.
ولما رجع إلى بلده أدَّى الهدايا التي وعد بها، وسألته الببغاء عن رسالتها، فأبان عن أسفه وندمه وقصَّ عليها ما رأى، فإذا هي تنتفض وتخر ميتة كتلك.
فحزن التاجر على الببغاء الجميلة، ورجع يلوم نفسه على التكلم بما لا يدرك عاقبته، ويندب ببغاءه التي كانت أنسه ومتعته.
ثم أخذها من القفص ورمى بها، فإذا هي تطير وتقف على غصن شجرة.
فدهش الرجل وسألها عن هذه الأعجوبة. فقالت له: هذه هي الرسالة التي رجعت بها من الهند، فقد أشارت الببغاء التي خرَّت أمامك هامدة هناك بأن أفعل فعلها وأموت موتها، لأخلص من الأسر الذي أعانيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة