إن تجديد العلاقات بين مصر وتركيا، والزيارة التي شهدنا مراسمها اليوم شرحت الصدور وأثلجتها، وأدخلت الفرحة والبهجة على القلوب، وراقت لها وجدانيات المحبين للإعمار والنهضة والاستقرار، المناهضين لصور الظلم والظلام والخراب، الراغبين في تحقيق السلم والسلام والأمن والأمان بالمنطقة بأسرها، وعلى مستوى الشعبين المصري والتركي فقد بدت مظاهر السعادة غامرة وملامحها مسطرة في كلمات لامست الأفئدة برقيها.
ونوقن بأن العلاقات الدبلوماسية المصرية التركية في حالة من الانسجام التام حول العديد من الملفات ذات الاهتمام لمشترك، وما تم في المرحلة السابقة هيأ لمناخ هذه الزيارة التاريخية لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتركيا؛ حيث إن ضرورتها باتت بالغة في ظل العديد من التحديات المحيطة بالمنطقة والعالم بأسره، كما أن هناك علاقات مشتركة بين البلدين الكبيرين في العديد من المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والأمنية.
إن حفاوة الاستقبال التي كانت من الجانب التركي للرئيس المصري ترجمت مدى المحبة البالغة والترحيب بشخص الرئيس، ومدى الحرص على تبيان القواسم المشتركة بين البلدين مصر وتركيا؛ فقد سبق واستقبلت مصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكان في مقدمة استقباله الرئيس المصري الذي احتفى به وقدم له واجب الضيافة على أكمل وجه، ما أسعد الرئيس التركي والوفد المرافق له، وهذا دلالته قاطعة والتي تترجم حرص الرئيسين على إعادة ترسيخ العلاقات الثنائية والتعاون في نطاق الاهتمامات العديدة المشتركة والتي تهتم الشعبين الشقيقين.
إننا نطمح من خلال هذه الزيارة وغيرها من الزيارات المتكررة بين الزعمين المصري والتركي لمزيد من التعاون الاقتصادي الضخم الذي يليق بحجم الدوليتين ومقدراتهما المادية والبشرية في ظل التحديات الجيوسياسية التي تحيط بالمنطقة وتداعياتها الجمة، ونود أن تزداد إلى أكثر ما تم الإعلان عنه والذي ذكر بأن المستهدف زيادته يصل إلى ما يزيد عن 15 مليار دولار، وهذا الطموح قائم على الاتجاهات الإيجابية التي اتضحت من زيارة الرئيسين؛ حيث التوجيهات الإجرائية من خلالها على أرض الواقع التي تفتح آفاقًا جديدة وتمتد لأطر تعاون مستحدثة في كافة المجالات التنموية.
وتعضيد العلاقات بين البلدين عبر الزيارات المتبادلة له أصل تاريخي مديد لمن لا يدرك ذلك؛ فكلا الدولتين من الدول المحورية في محيطها الإقليمي، مما يجعل آليات وصور التعاون بين البلدين متعددة، وتبادل المصالح عديدة في مستوياتها المتنوعة؛ فمنها التجاري وأشكال التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي، ناهيك عما بين الشعبين من روابط يصعب بحال فكها أو النيل منها؛ حيث إن التقارب الفكري والحضاري بين القطبين الكبيرين دومًا ما يتغلب على ما قد يحدث من اختلافات حول قضايا جدلية في أوقات عصيبة مرت بسلام.
وفي إطار زيارة الرئيس التاريخية لتركيا، يتأكد لنا أن مصر وتركيا سوف يحققان مكتسبات لا يستهان بها في شتى المجالات الاقتصادية منها وغير الاقتصادية، وأن العلاقات بين البلدين قوية وغائرة في مشاهد التاريخ، وأن المواقف بين البلدين العظيمين نبيلة وكاشفة؛ فقد رصدنا مظاهر الدعم في وقت المحن والنوازل، فبين الشعوب عادات وتقاليد راسخة، وضمانة لتقارب الدولتين وتعضيد العلاقات فيما بينهما، وهذا بالطبع له نتائج حميدة ومصالح مستدامة.
ومن ملامح هذه الزيارة التاريخية سوف نجد نتائج ملموسة تؤكد صور متعددة لشراكات الإعمار بين البلدين؛ حيث يشكلان مركز ثقل استراتيجي في المنطقة، يسهم في إحداث نقلة نوعية في العديد من المجالات وفي مقدمتها التنمية الاقتصادية في القطرين الكبيرين، وهذا يؤكد أن مصالح الدول هي الأبقى، وأن استدامتها لا يستطيع أن يحجمها أحد؛ فمستقبل الشعوب هو الأساس الذي يشكل الأهمية القصوى لدى حكامها.
وندرك أن زيارة الرئيس التاريخية لتركيا وغيرها من الزيارات المستقبلية بين قادة البلدين وممثليها، يجعلنا نتيقن من الرغبة المتبادلة بين البلدين في تعظيم الأواصر، ومن ثم نقول بلسان مبين، مرحبًا بعودة العلاقات الكاملة والتامة مع الدولة التركية، والتي لها أهمية خاصة تقع فائدتها وتصب في مصلحة الطرفين وتخدم خططهما الاستراتيجية؛ فمن خلال تلك العلاقات يتحقق النفوذ لكليهما، وتضعف هيمنة الدول الكبرى، ويستطيعان أن يفرضا حالة الاستقرار التي تسهم في التغلب على العديد من التحديات التي تحدق بالمنطقة، ونراهن على أن العلاقات المصرية التركية سوف تساعد في تعضيد العلاقات مع دول المنطقة العربية منها وغير العربية، ناهيك عن تعزيز العلاقات مع دول القارة الأفريقية.
ونعقد الأمل من خلال زيارة الرئيس التاريخية لتركيا أن نرى دورًا مشتركًا فاعلًا يؤدي إلى فرض حالة من الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط؛ حيث نعي شمولية العلاقات المصرية التركية في المجال السياسي والعسكري والاقتصادي؛ فعلى المستوى السياسي صرح فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنه سوف تستمر حالة تضافر الجهود المشتركة من أجل استئناف عملية السلام الخاصة بالقضية الفلسطينية، والدفع بها من أجل إعلان الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
كما أن استقرار المنطقة مرهون بالعمل المشترك بين البلدين من أجل التضافر السياسي الذي ينتهج التهدئة، من حيث اتباع شرعية الصندوق بين المختلفين أو المتناحرين، مما يساعد في حل النزاع الليبي؛ فقد أكد الرئيس السيسي على أن الجهود متواصلة تجاه تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في الدولة الليبية؛ حيث الدفع إلى عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، والعمل على توحيد المؤسسة العسكرية الليبية بما يحدث تسوية للخلافات، وتتمكن الدولة الليبية من اتخاذ مسار التنمية والإصلاح في كافة المؤسسات والقطاعات، بما ينعكس على المنطقة بأسرها.
ونعي أن استدامة التنمية مرهون باستقرار المنطقة ومن ثم فهي مصلحة مشتركة بين البلدين؛ كي تتمكنا من تحقيق تلك التنمية المستدامة في الداخل والخارج؛ فهناك تعاون اقتصادي مشترك حيال القارة الأفريقية بأكملها؛ فمصر تمتلك الأرض والموقع والموارد، وتركيا تساهم بالتمويل ونقل التقنية المتطورة؛ ليصبحا قوة اقتصادية كبرى في المنطقة، وهذا ما أشار إليه الرئيس؛ حيث ذكر أن هناك ترجمة واقعية تجاه صور التعاون المشترك للعمل على تنمية أفريقيا ليحدث الاستقرار والتنمية والازدهار.
نعلم يقينًا أن زيارة الرئيس التاريخية لتركيا تستهدف تحقيق الأمن القومي المصري والتركي مجتمعًا؛ حيث إن التنمية الاقتصادية القائمة على التعاون، والحرص على تعضيد الاستقرار السياسي في المنطقة، ووقف نزيف الدماء، ودحر مخططات المغرضين، والتعاون العسكري متمثلًا في تبادل الخبرات في مجال التصنيع العسكري والتدريب ومشروعات الدفاع المشترك، كل هذا يصب في مصلحة البلدين، ويجني ثماره الجيل تلو الجيل، وتصبح البلدان ملاذًا آمنًا لشعبهما أينما حل وهل.
وثمة إقرار حول ماهية التشابه بين المجتمعين المصري والتركي، ودلالته أن هناك العديد من القواسم والميراث الثقافي يتشاطره المجتمعين؛ فالعلاقات المصرية التركية على المستوى الشعبي متميزة، ومن ثم رسمت مستقبلها وفرضت سياجها على سياسة البلدين؛ لتصبح المعيار الرئيس للتوافق وتقارب وجهات النظر.
ومن عميق قلبي أثمن عبقرية الدبلوماسية الرئاسية المصرية في مواقفها الثابتة والتاريخية، والتي لم تتأثر عنها رغم التغيرات والتحديات الإقليمية والعالمية، كونها تتمسك بشرف الكلمة، والتي تعد أحد معايير التعامل الصادق؛ حيث إن ماهية التقدير الدولي من قبل الشعوب والحكومات مرهون بهذا الثبات المشرف؛ فما يتخذ من قرارات تخص الشأن المصري تبدو مدروسة وتشاورية، ولها عمق استراتيجي ينسدل من مصالح الدولة العليا، التي أخذت على عاتقها رسالة السلم والسلام، وفي هذا المسار سلكت سبيل النهضة والازدهار للارتقاء بالوطن والمواطن في آن واحد.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.