تعد العولمة واحدة من أشهر الظواهر التي سيطرت على العالم في الوقت الحديث، ومع ذلك لا نعرف عنها الكثير، لذا نتوقف عن كتاب "الحركات العالمية: الفعل والثقافة" لـ كيفين ماكدونالد، ونعرف ما قاله في هذه المسألة؟
طغت على بدايات القرن الحادي والعشرين عمليات العولمة المتناقضة والمضطربة، ولكن يبدو أن تخمينَ ما هو على المحك أمرٌ بالغُ الصعوبة؛ فثمَّةَ علامات للتغير النَّشِط عبر الكوكب، تتجلى في عولمة الاقتصاد، وانتشار الإنترنت، وفي الأهمية المتزايدة للموضة وأساليب المعمار، وأنماط الاستهلاك، والمشاهير العالميين. واجتمع صعود وسائل الإعلام العالمية، والزيادة الاستثنائية في السفر والتنقُّل ليُنتجا أنواعًا مستجدَّة من الأحداث العالمية، بدايةً من الألعاب الأوليمبية، وكأس العالم، إلى جنازة الأميرة ديانا، إلى تدمير البرجَيْن التوءمَيْن في ١١ سبتمبر، أو الاحتشاد في سياتل عام 1999 ضد منظمة التجارة العالمية.
وأذكت شعورَنا بأننا نحيا في عالم كونيٍّ زيادةُ درايتنا بالطبيعة المترابطة للأنماط الجديدة من المشكلات، كالتلوث، والاحترار العالمي، والدول الفاشلة، والأعداد المتزايدة من اللاجئين، وظهور الأوبئة العالمية مثل الإيدز، أو تهديد الإرهاب. كلُّ هذه الأمور التي تتجاوز الحدود نابعةٌ من أنماط جديدة من الشبكات والتدفُّقات، ومكوِّنةٌ لها في الوقت نفسه، مثل: القوة، والتمويل، والمعلومات، والناس، والخبرة، والعنف، والشعور، والصُّوَر. يُفسِح سياقٌ دولي أقدم — حيث حدثت الحياة الاجتماعية ضمن حدود الدول القومية، وحيث كانت الدول هي الممثِّلَ الأساسي على المسرح الدولي — المجالَ على نحوٍ متزايد لسياق يشمل ممثلين عالميين جددًا، كالمنظمات غير الحكومية، أو الجريمة المنظمة، أو شبكات الإرهاب، وترتبط بهذا سلسلةٌ كاملة من الجدالات التي تسعى لتفسير طبيعة هذا العالَم الكوني الناشئ.
يدرس هذا الكتابُ واحدًا من أهم أبعاد العولمة الراهنة، وهو ظهورُ أنواع جديدة من شبكات الاتصال والفعل والخبرة، وتدفقاتها، وهو ما أسمِّيه الحركات العالمية. محاولةُ فَهْمِ هذه الحركاتِ بالغةُ الأهمية لاجتهادنا في فهم الإمكانات والمخاطر التي تُعيد تشكيلَ عالَمنا. وبينما يمكننا أن نتعلم الكثير من الأُطُر الفكرية التي استخدمها علماء الاجتماع لاستكشاف الحركات الاجتماعية التي برزت طوال القرن الماضي في المجتمعات القومية الصناعية الغربية، فإن محاولة فهم الحركات العالمية الناشئة تستلزم ابتكارَ أدواتٍ مفاهيمية جديدة. فنحن نحتاج إلى التعامل مع أشكالٍ من النشاط الاجتماعي تُعيد تشكيل العلاقة بين الفردي والجمعي؛ ومع مبادئ للحركات تُفهَم بمعايير الدلالات الثقافية (ألكسندر ٢٠٠٤) والخبرة الشخصية (تورين ٢٠٠٢، ٢٠٠٥) أفضل مما تُفهَم بمعايير بناء المنظمة والهُوِية الجمعية؛ ومع صِيَغ جديدة من التعقيد والسلاسة (أوري ٢٠٠٣)؛ ومع مبادئ حضارية تُشكِّل كيفيات الكينونة والفعل في العالم (آيزنشتات ١٩٩٩)، التي تتداخل بطرق مدهشة (بولييت ٢٠٠٤).
أشكالُ الممارسة والاتصال التي نلقاها في هذه الحركات متجسِّدةٌ وحِسِّية أكثر مما هي تشاوُريَّة وتمثيلية. وهي تؤكِّد الحاجةَ المُلِحَّة إلى إعادة النظر في أفهامنا للفعل، بحيث نفهمه بمعايير اللمس، والسمع، والتحرك، والإحساس، والتذوق، والتذكُّر، والتنفس. وتشير إلى قيودِ مفهوم الفاعل الدنيوي المستقل، ونماذج الفعل القصدي التي تشكِّل أساسَ المداخل النظرية الكبرى لفهم الحركات الاجتماعية. وهي تواجهنا بأشكال من خبرة عامة لا تنسجم وأفهامنا للفضاءات العامة المجردة، الرشيدة، التشاورية التي أصبحت متزايدة التأثير على مر السنوات الأخيرة (في كتابات يورجن هابرماس ١٩٩١، ١٩٩٦ المهمة، مثلًا). وفي الوقت نفسه، تجابهنا أشكالُ الفعل التي نتعرض لها في هذه الحركات بقيودِ نماذجِ «الهوية» المعرفية التي تركز على المجتمعات، والأعراف، وثقافات الجماعات. تُجابهنا الحركاتُ العالمية الناشئة بتحوُّلاتٍ في الفعل والثقافة تستلزم تحوُّلًا جذريًّا في النموذج المعرفي، دافعةً إيَّانا لتجاوُزِ تكرار الجدالات المألوفة بقدر كبير. وإذ تفعل هذا، فهي تجابهنا بتحدِّي إعادةِ التفكير في الطريقة التي نفهم بها العولمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة