** معدل القتل والإصابة يبلغ 82 طفلا يوميا.. و12 ألفا فقد كل منهم أحد أطرافه.. سجلنا 19 ألف حالة لأطفال «غير مصحوبين» ونبحث عن عائلاتهم
** شلل الأطفال نكبة للطفولة فى غزة.. ونستهدف 1.2 مليون جرعة وحملة التطعيم الثانية تنطلق بعد شهر
وسط نيران القصف الإسرائيلى على قطاع غزة بعد «طوفان الأقصى» فى 7 أكتوبر الماضى تفرق الأهالى واضطروا للنزوح.. بينهم مئات من الأسر كانت تضم امرأة حاملا، فى أيامها الأخيرة، وكانت على وشك استقبال مولود جديد فى بيتها، ليكون البديل هو مستشفى الشفاء بمدينة غزة، لم تهدأ الأوضاع بل تصاعدت وصدرت أوامر الاحتلال بإخلاء مجمع الشفاء أيضا، فما كان من الأسر إلا النزوح اضطراريا ولكن هذه المرة رحل الأزواج وحدهم، وتشتت بهم السبل.. الزوج فى الجنوب والأم والطفل الرضيع فى وسط القطاع، وبعد عشرة أشهر من البحث المستمر بمساعدة اليونيسف وانقطاع للأمل فى لم شملهم، حدثت المعجزة واستطاع «بعض الآباء» احتضان أطفالهم لأول مرة وهم فى عمر 10 شهور.
كاظم أبو خلف المتحدث باسم مؤسسة اليونيسف يتحدث فى حواره لـ«اليوم السابع» عن أن ما سبق هو بعض من سطور معاناة 19 ألف حالة تفرق فيها الأطفال عن ذويهم فى غزة، مشيرا إلى أن هناك الآلاف من الأطفال شتتهم الحرب وأصبحوا بلا عائل، وعملية البحث هى عملية معقدة للغاية تواجه تحديات كبيرة.
وأضاف المتحدث باسم منظمة اليونيسف أن أطفال غزة نالت منهم كل الكوارث فى حرب الابادة الإسرائيلية التى قاربت على العام، فلم يسلم طفل واحد من مأساة تُدمى القلوب، ما بين 14 ألف استشهد جراء القصف، و12 ألف طفل أصابهم العجز بعد أن فقد أحد أطرافه، ومن فقد الأب والأم، ومن تاه فى دروب القطاع من جراء أوامر الإخلاء التى لا تنتهى.
ولفت أبو خلف إلى أن من سلم من الموت والإصابة طاردته الأمراض التى أصبح القطاع مرتعاً لها جراء عدم وجود مياه نظيفة، والتى كان آخرها اكتشاف فيروس شلل الأطفال والذى استدعى استنفار من كل المؤسسات الأممية داخل القطاع لتوفير اللقاحات وإطلاق حملة تطعيم عاجلة.. وإلى نص الحوار :
قاربت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من العام ، وراح ضحيتها الألاف من الأطفال الأبرياء.. فكم عدد شهداء الحرب من الأطفال حتى الآن؟
بداية بالنسبة لعدد الأطفال الضحايا فالتقديرات حتى الآن وحسب وزارة الصحة الفلسطينية تذهب إلى أن العدد لا يقل عن 14 ألف طفل ولكن هناك الحاجة إلى مزيد من التحديث، فالنساء والأطفال والمدنيون عادة هم أول من يسقطون فى الحروب، ولكن فى غزة الرقم كبير جدا ، خاصة إذا أضفنا لذلك عدد الجرحى وقسمناها على عدد أيام الحرب فنحن نتحدث عن أرقام صادمة للغاية.
وإذا تحدثنا عن المصابين.. كم يبلغ عددهم من فئة الأطفال؟
14 ألفا الحد الأدنى من الشهداء ، يضاف لهم 13 ألفا من الجرحى ، فنحن نتحدث بمعدل 82.8 طفل يٌقتل ويٌجرح بشكل يومى، هذه مسألة غاية فى الأهمية وما يحدث فى قطاع غزة فى غاية التعقيد ويتخطى أى حادث آخر والحروب السابقة، الأطفال هم من يدفعون الثمن الأغلى والأعلى.
يتحدث البعض عن أن هذا العدد مرجح للزيادة بشكل كبير.. هل ترون ذلك أيضا؟
هناك أعداد لا نستطيع حصرها، لأن حصر الأعداد أمر فى غاية الصعوبة فى ظل ما يشهده القطاع، وبالطبع هذه الأرقام مرشحة للزيادة بشكل كبير فور انتهاء الحرب وبدء رفع الأنقاض، فنحن لدينا عشرات الملايين من الأطنان من الردم داخل القطاع للبيوت المهدمة التى غالبا ما كان يحتمى لها الأطفال والنساء، وهناك أيضا آلاف من المفقودين من الأطفال ومن المتوقع أن نجدهم جثثا تحت الردم فور توقف الحرب ودخول المعدات الثقيلة لرفع الأنقاض.
وبالنسبة للإصابات بين الأطفال.. ما هى درجات وأنواع إصاباتهم؟
للأسف كثير منهم خسر طرف أو أكثر من طرف وعلى أقل التقديرات هناك 12 ألف طفلا يمر بهذه الأزمة، وهم بحاجة لأن يخرجوا من قطاع غزة للعلاج، وهو أمر فى غاية الصعوبة من جانب إسرائيل فضلا عن أن 55% منهم مرضى سرطان.
أحد الملفات التى تعنى بها اليونيسف هى رعاية الأطفال الذين فقدوا التواصل مع ذويهم.. فكم حالة تتواجد حتى الآن؟
سجلنا فى اليونيسف حتى الآن 19 ألف طفل من غير المصحوبين، وهذا معناه أن الطفل تشتت خلال الحرب عن أهله وعائلته إما موجود فى الشمال والوالدين بالجنوب أو العكس، لأن أهوال الحرب وأوامر الإخلاء لا تتوقف، ونحن نحاول تقديم الرعاية لهم ومسألة لم شملهم بعائلاتهم من إحدى أولويات اليونيسف، ونجحنا فى بعض الحالات فى عملية التنسيق ولكن إيجاد العائلة أمر يحتاج إلى وقت وجهد، وبعد أن توجد العائلة ويتم التعرف عليها والتأكد من أن هذا هو ابنهم ، فإن هناك عملية تنسيق مع الجانب الإسرائيلى لنقل الطفل من الجنوب للشمال أو العكس، ولكن هذه أيضا بها الكثير من الأخذ والرد والعراقيل لأنه الآن فى وسط شمال غزة هناك شبه حاجز إسرائيلى يفصل شمال القطاع عن جنوبه.
معنى ذلك أن العراقيل الإسرائيلية تمنع لم شمل الأطفال بعائلاتهم؟
الصعوبات والعراقيل لا تنتهى ورغم ذلك نحن سجلنا بعض النجاحات فى بعض الحالات، للم شمل الأطفال.. أذكر تحديدا حالة طفل كان عمره 10 شهور عندما رآه والده لأول مرة عند لم الشمل، وكانت الأسرة لجأت إلى مستشفى الشفاء فى مدينة غزة ثم تدهورت الأحوال فخرج الأب من أوامر الاخلاء وانتقل للجنوب وكانت الأم فى مرحلة المخاض فاضطرت للبقاء لتضع طفلها ومرت الشهور فكان الرجل أول مرة يرى ابنه وهو بعمر الـ10 شهور، وهناك أيضا أطفال يتولى رعايتهم العائلة القريبة منهم بعد فقدان الأب والأم.
أهوال الحرب أثرت على نفسية الكبار.. فماذا عن انتشار الأمراض النفسية بين الأطفال؟
الأطفال فى قطاع غزة بلا استثناء بحاجة إلى دعم نفسى من شدة ما رأوا من هول الحرب فى القطاع الضيق، ولكن هذه المسألة تحتاج إلى وقت طويل جدا وموارد كبيرة لا توجد الآن داخل قطاع غزة، فبالكاد توجد اللوازم الأولية للمرضى، ولكن سنبدأ فى مرحلة تقديم الدعم النفسى بشكل شامل بعد انتهاء الحرب.
ولكن مؤقتا يمكن التحدث عن ضرر نفسى كبير للأطفال، مثلا الذين فقدوا عامهم الدراسى ونحاول قدر المستطاع نعمل على أن نعيدهم إلى الحياة الطبيعية من خلال ما نسميه نحن المساحات المؤقتة للتعليم وهى مساحات نقيمها بين الخيام وتجمع النازحين ندعو لها الأطفال ونطلب منهم أن يعودوا إلى القراءة والكتابة وبعض الأنشطة الترفيهية، ولكن للأسف حتى تلك المساحات فور أن تستقر ويبدأ الأطفال فى الانتظام تُصبح هدفا للضربات الإسرائيلية، وهذا تحد لآخر بالنسبة للمساحات التعليمية المؤقتة.
انتشرت الأمراض بشكل خطير داخل القطاع والأطفال هم الأكثر عرضة لها.. هل تطلعنا على التطورات على أرض الواقع؟
بداية ليس هناك من الوقود ما يكفى لتشغيل محطات تحلية المياه ولمضخات سحب المياه للحصول على المياه النظيفة من باطن الأرض، فطبيعى إذن مع تزاحم الناس واشتداد الحر وتفاقم الأوضاع أن تنتشر بينهم الأمراض، وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية حتى الشهر الماضى، تم رصد حالات إسهال حاد بلغت 577 ألف حالة، وإصابات حادة للجهاز التنفسى بلغت 995 ألف حالة، وأمراض اليرقان بلغت 107 حالات، والسحايا 324 ألف حالة فضلا عن الكبد الوبائى.
فى ظل المجاعة ما هو وضع انتشار أمراض سوء التغذية بين الأطفال وتأثيرها على مستقبلهم؟
قضية سوء التغذية مرتبطة بانتقال الحرب من مكان لمكان، فكلما اشتد الضرب على منطقة معينة تبدأ تعانى من نقص فى الإمدادات ، وبالتالى تظهر حالات سوء التغذية كما شاهدنا فى الشمال، وهناك حالات بين الأطفال وصلت إلى مرحلة الهزال وهى المرحلة التى يبدأ بعدها تداعى الجسد، وسوء التغذية يحتاج إلى مكملات غذائية وللعناية السريرية من ست إلى ثمانية أسابيع متواصلة للطفل بدونهم لا يمكن علاج حالات سوء التغذية.
كان ظهور مرض شلل الاطفال فى القطاع كارثة بكل المقاييس.. هل تطلعنا على التحركات التى قامت بها اليونيسف مع المنظمات الأخرى لإحتواء الأزمة؟
للأسف وكأن أطفال غزة كان ينقصهم تلك الكارثة، حيث أطل علينا فيروس شلل الأطفال الفئة الثانية وهذا فيروس خطير جدا وله أثر مدمر على الأطفال، القصة بدأت فى شهر يونيو عندما تم اتخاذ 7 عينات من أماكن الصرف الصحى الموجودة فى دير البلح وخان يونس، ومن أصل 7 عينات تم إيجاد 6 عينات إيجابية ورصد فيروس شلل الأطفال الفئة الثانية، وكنا فى سباق مع الزمن لأن هذا يحتاج إلى حملة تطعيم كبيرة بالتعاون بين اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الفلسطينية، ووافقت المنظمة على استخدام أكثر من مليون و230 ألف جرعة وتولت اليونيسف جلبها إلى داخل القطاع، ووصلت لمطار بن جوريون نهاية أغسطس الماضى وتم تخزينها بالطريقة الصحيحة عن طريق المخازن المبردة للحفاظ عليها.
انطلقت المرحلة الأولى مع بداية سبتمبر.. هل ستكون هناك مراحل أخرى؟
بالفعل تم وضع خطة باستهداف مرحلتين من التطعيم كل مرحلة تستهدف 640 ألف طفل، الأولى بدأت مع بداية سبتمبر والجولة الثانية تبدأ بعدها بشهر، نحتاج حتى ندعى أننا نجحنا فى هذه الحملة نسبة تغطية مقدارها 95%، عملية التطعيم ستتم من خلال 2700 عامل من العاملين الصحيين من وزارة الصحة الفلسطينية والأونروا وكذلك بعض الشركاء على الأرض يتم تقسيمهم إلى 700 فرقة.
ما هى أكبر التحديات التى واجهت انطلاق الحملة؟
تم الاتفاق على تقدم التطعيمات بطريقتين، فإما تصل الناس للمراكز الصحية القريبة ويجلب معه أطفاله أو عن طريق فرق طبية متنقلة بين خيام النازحين، ولكن حتى يتم هذا الأمر طالبنا بأن يكون هناك وقف لإطلاق النار مدته أسبوع وهذا ما طالبت به الأمم المتحدة، حتى يتمكن الناس من الوصول للمراكز الصحية القريبة أو تنقل الفرق بأمان، وعلى المجتمع الدولى التدخل لوقف إطلاق النار فى غزة حتى تتمكن الطواقم والمؤسسات الإغاثية من الاستجابة الإنسانية فى جميع مناطق القطاع.