مع دخول العام الجديد، تواجه الحكومة البريطانية اخبار وصفتها صحيفة الجارديان بـ"الكئيبة" فوسط احتفالات العام الجديد يعاني الملايين من سكان إنجلترا وويلز من ازمة في السكن بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات الخاصة حيث يقع العديد منهم في خطر الطرد بينما يصارع آخرون لدفع تكلفة الايجار.
كشف بحث جديد نشرته صحيفة الجارديان البريطانية أن ملاك العقارات الخاصة في انجلترا يفرضون إيجارات مرتفعة لدرجة أن ما يقرب من ثلثي العمال يكافحون من أجل دفعها، ما تسبب في ارتفاع عمليات الاخلاء في إنجلترا وويلز بنسبة 11.2% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي
ووجدت الدراسة، التي أجريت بتكليف من مؤسسة شيلتر مأوي الخيرية للإسكان، أن ما يقرب من 4.5 مليون شخص يتخلفون عن دفع الإيجار أو يواجهون صعوبة في تغطية تكلفته المتزايدة، وهي اخبار وصفتها الصحيفة بالكئيبة بالنسبة للحكومة التي وضعت حل أزمة القدرة على تحمل تكاليف السكن المزمنة في بريطانيا في قلب جدول أعمالها، ورغم ذلك تستمر حياة المستأجرين من القطاع الخاص في التدهور.
تعهدت نائبة رئيس الوزراء، أنجيلا راينر، بأن الحكومة ستوفر 1.5 مليون منزل جديد على مدى السنوات الخمس المقبلة، حيث يأمل الكثيرون في حزب العمال أن يتنافس المزيد من أصحاب العقارات الخاصة على خفض الأسعار. الا ان بحث واقعي أجراه معهد توني بلير إلى أن بناء المنازل وحده لن يحل مشاكل القدرة على تحمل تكاليف السكن في المملكة المتحدة، وأنه حتى الزيادة في بناء المنازل بأربعة أضعاف لن توفر الإغاثة التي يحتاجها المستأجرون.
وقال البحث إن قطاع الإيجارات الخاصة في بريطانيا معطلاً لدرجة أن الغالبية العظمى من المستأجرين يجاهدون بالفعل لمواكبة المدفوعات، ومجرد توسيع هذا النظام الذي وصفته بالفاسد لن يؤدي إلا إلى دفع المزيد من الناس إلى الفقر والظروف المعيشية السيئة، مشيرا الى ان 23% من المساكن التي في ايدي ملاك العقارات الخاصة التي لا تفي حتى بمعايير المنازل اللائقة.
وأضاف ان الحل يكمن في إيجاد بديل حقيقي للتنافس مع قطاع الإيجار الخاص بشكل مباشر. وتوسع هائل في الإسكان الاجتماعي بدلاً من المزيد من ملاك العقارات الذين يؤجرون شققاً رديئة بأسعار غير مبالغ فيها
واكد التقرير أن أزمة الإسكان في إنجلترا هي مسألة أولويات، وتساءل ما اذا كان سيؤدي السماح للسوق بالبناء كما يحلو له إلى خفض الأسعار بسرعة أكبر، أم ينبغي أن تكون بريطانيا أكثر استراتيجية في تحديد نوع المنازل الجديدة التي تبنيها في عام 2025 وما بعده؟
ووفقا للتقرير، اختيار بناء منازل للإيجار الاجتماعي سيكون له تأثير أكبر بكثير حيث ستظل الشقق الجديدة توفر مساكن لنفس العدد من الأسر المحتاجة، مما يخفف عبء الضغط المماثل من الطلب المحلي على الإسكان. ولكن هذه المرة سيتم تحديد إيجارات المنازل الجديدة بما يتماشى مع الدخل المحلي - غالباً ما تكون الإيجارات الاجتماعية أقل بنسبة 50% من الإيجارات الخاصة - مما يؤدي إلى انخفاض المتوسط المحلي.
هذا الشهر، دعا عمدة مدينة مانشستر الكبرى، آندي بورنهام، الحكومة إلى جعل البناء الجماعي لمنازل جديدة تابعة للمجلس هدفها الرئيسي. وقال: "لا توجد سياسة أخرى يمكن تحقيقها في البرلمان"، معلنًا أنه "لن يكون لها فوائد اجتماعية واقتصادية أكبر"، وأشار التقرير الى ان بورنهام على حق فبالنظر إلى أن بريطانيا لا تستطيع بناء سوى عدد محدود من المنازل كل عام دون ثورة كاملة في العمارة الخضراء، فإن الأولوية المطلقة يجب أن تكون لتوسيع المساكن الاجتماعية.
وقالت الدراسة إن السماح لفترة طويلة بأن يتحكم سوق التأجير الخاص الذي وصفته بـ "المفترس" دون منافسة قوية او تنظيم مناسب في الكثير من المساكن التي تعد سلعة حيوية مثل المياه والطاقة، كان من المفترض ان تكون النتيجة توفير سكن لائق يكون حجر الزاوية لحياة كريمة ومستقرة، لكن الإيجارات الخاصة غير الخاضعة للرقابة فشلت في توفير أي منهما.
وأضاف أنه بعد أعياد الميلاد التي شهدت عمليات إخلاء المساكن والمستأجرين الذين يكافحون من أجل العيش، يجب أن يكون قرار حزب العمال للعام الجديد جريئاً. لن يحل أزمة الإسكان في بريطانيا سوى جيل جديد من المنازل الاجتماعية ذات الأسعار المعقولة حقاً.
أزمة الإسكان في المقام الأول كارثة إنسانية، ولكنها أيضاً تشكل عبئاً اقتصادياً ثقيلاً على كاهل بريطانيا، فكلما زاد امتصاص الإيجارات المرتفعة لرواتب المواطنين، قل ما يتوفر لأي شيء آخر، وتقدر مؤسسة شيلتر أن بناء 90000 وحدة سكنية اجتماعية جديدة سيجعل بريطانيا أفضل حالاً بـ 50 مليار جنيه استرليني.
وفي رسالة إلى المستشارة راشيل ريفز، حث الرئيس التنفيذي لمؤسسة شيلتر، بولي نيت، ورئيس شركة إيكيا بيتر جيلكيبي، وقادة الصناعة الآخرون، الحكومة على بناء ما يقرب من مليون منزل مستأجر اجتماعياً على مدى العقد المقبل.
وأشار التقرير الى ان قطاع الإيجار الاجتماعي ليس فقط بأسعار معقولة، ولكنه يتفوق على الإيجار الخاص من نواحٍ أخرى أيضًا، فالإيجارات الآمنة، على سبيل المثال، تسمح للسكان بتثبيت جذورهم دون العيش في خوف دائم من الطرد.
وفي حين أن حزب العمال لديه خطط لتضييق الخناق على أصحاب العقارات الذين يفرضون زيادات مستحيلة في الإيجار وإشعارات الإخلاء بدون خطأ، فإن المستأجرين من القطاع الخاص يتمتعون في الوقت الحالي بجزء بسيط من الاستقرار طويل الأجل الذي يتمتع به المستأجرون الاجتماعيون.
هناك سبب آخر لإعطاء الأولوية لتنمية قطاع الإيجار الاجتماعي وهو التكلفة الباهظة للإقامة المؤقتة. فبدون وجود ما يكفي من المساكن التابعة للمجلس، تضطر السلطات المحلية في إنجلترا إلى إنفاق مبالغ باهظة على استئجار مساكن طارئة بأسعار مرتفعة للعائلات المشردة. فمجلس هاستينجز، على سبيل المثال، أنفق حوالي نصف ميزانيته السنوية على المساكن المؤقتة العام الماضي، بينما تنفق أحياء لندن 4 ملايين جنيه إسترليني يومياً لتوفير المأوى في حالات الطوارئ.