يعتبر منصب رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية واحدا من أهم المناصب وربما أصعبها، لما للمنصب من حساسية في التعامل مع المبدعين والمجتمع، وعلى مدار تاريخ جهاز الرقابة كان هناك الكثير من الصولات والجولات ما بين الرقيب والصناع، وما بينهما من معارك مع مبدعين انتصر فيها من انتصر وخسر فيها من خسر.
- شيخ المؤلفين وتصحيح المسار
من بين هؤلاء الرقباء كان محمد يونس القاضي، شيخ المؤلفين، والذي يعتبر هو أول رقيب مصري يتولى المنصب، وكان واحدا من رؤساء الرقابة المستنيرين، عمل في الصحافة وفنون الثقافة، وله تاريخ طويل مع اللطائف المصور، ويشهد له التاريخ بأنه صحح مسار الإبداع المصري، والمعروف عن القاضي الملقب بشيخ المؤلفين هو تقديمه لنشيد بلادي بلادي في عام 1923 المستوحى من خطاب مصطفى كامل في عام 1907، ولحنه سيد درويش، وهو النشيد الذي تم تعديله بتكليف من الرئيس السادات لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بقرار حمل رقم 149.
قام القاضي بحرق 600 أسطوانة من أسطوانات أغنياته والتي بمراجعته لها شعر أنها هابطة ولا تليق، وكان المعروف عنه أنه صاحب أكبر كم من أغنيات الخلاعة والمجون -كما وصفت في تلك الفترة- حيث منع أغنياته من الإذاعات ومنع الأغاني المبتذلة، ولكن له الكثير من الأغاني الشهيرة منها "زوروني كل سنة مرة" و"أنا هويت" و"يا بلح زغلول".
كان القاضي مناضلا واعتقل حوالي 20 مرة، وتشهد الصحافة المصرية على هجوم القاضي على نفسه حيث هاجم أغانيه في الصحافة ووصفها بالركيكة وغير المناسبة لأخلاق المصريين.
- نجيب محفوظ والعصر الذهبي
عندما يتولى المبدع منصب رئيس جهاز الرقابة من المؤكد أن حال الإبداع سيكون أفضل، وهو ما حدث بالفعل مع تولى الأديب العالمى صاحب نوبل "نجيب محفوظ" المنصب، والذي كان يعي جيدا كيفية الفصل ما بين كونه مبدعا وموظفا، حيث كان قادرا على مواجهة الرجعية والتطرف، حيث وصفت فترة توليه المنصب بالعصر الذهبي، ومن أمانته أنه رفض أي تعاقد على عمل من أعماله للسينما، ووقت توليه المنصب لم تجتمع لجنة التظلمات إلا مرة واحدة والتي كانت تضم عددا من المبدعين، بسبب عز الدين ذو الفقار وفيلم "الرجل الثاني"، حيث حذفت رقصة من الفيلم اعتبروها خليعة ومقحمة على العمل.
عبد المنعم إبراهيم
الفخرانى
ووقف نجيب محفوظ مع المبدعين، ولك أن تتخيل أن أغنية "يا مصطفى يا مصطفى" لم تكن تظهر للنور ونسمعها حتى الآن إلا بفضل نجيب محفوظ والذي وقف في وجه منع الأغنية بحجة أنها "تلقيح" على مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر الأسبق، وكان لنجيب محفوظ من الأمانة ما تجعله يرفض فيلم "القاهرة الجديدة" المأخوذ عن روايته، حيث رفضت من الرقابة قبل توليه المنصب، وفضل ألا يمرر العمل، إلى أن تولى عبد الرحيم سرور منصب رئيس جهاز الرقابة وتتحول الراوية إلى فيلم "القاهرة 30".
كان نجيب محفوظ أيضا من أسباب تمرير فيلم "شيء من الخوف" والذي واجه شبح المنع بعدما حاول البعض أن يربط بين شخصية "عتريس" والرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث كتب نجيب محفوظ وهو كان وقتها مستشار ثروت عكاشة للشئون الفنية، حيث أكد في تقريره أن العمل وطني، ومن ثم وصل الأمر للرئيس عبد الناصر.
- مصطفى درويش والإفراج عن فيلم المومياء
النقيب مصطفى درويش، المعروف بلقب رقيب متمرد، كانت فترة توليه المنصب من الفترات المتميزة حيث كان كاتب وناقد وتميزت كتابته بالعمق والجرأة وكان من المهمومين بالسينما وبقضاياها، وكان ممن نادوا بإنشاء نادي للسينما، وكانت جرأته وانفتاحه سببا في الكثير من المشكلات وقت توليه المنصب، خاصة بعدما منح تصريح عرض فيلم Blow-up و homme et une femme، وبسبب ذلك دعى لجلسة في مجلس الأمة وكانت سببا في إقالته من منصبه، ولكن لدرويش أيادي بيضاء على السينما، فهو سبب عرض فيلم "المومياء" للمخرج شادي عبد السلام، أحد روائع السينما والذي وافق على السيناريو الخاص به، وأجازه بعدما كان هناك اعتراضات عليه بسبب كون الفيلم فسره البعض وأنه انسلاخ من هوية مصر العربية، في وقت كانت هناك دعوات لأن تنسلخ مصر من هويتها العربية كونها فرعونية.
- السيطرة على الخطب الدينية ووضع حد للتطرف والتحريض
الرقيب حمدي سرور، كان له موقف مهم جدا، خاصة في ظل انتشار شرائط الكاسيت والتي تحمل خطبا لشيوخ مجهولة وتحمل خطاب كراهية، وكانت تنسخ وتباع، وشهدت رواجا كبيرا، واصر سرور أن تخضع شرائط الكاسيت الخاصة بالخطب الدينية للرقابة.
- رقيبة السينما حذفت 16 مشهدا من "المذنبون"
- نعيمة حمدى أنقذت الفخرانى من السجن
نعيمة حمدي أطلق عليها المرأة الحديدية، وقال عنها يحيى الفخراني إنها أنقذته من السجن بسبب فيلم "للحب قصة أخيرة"، وأجازت عرض فيلم "البرىء"، وسمحت بعرض مسرحية "ع الرصيف" دون تصريح رقابي، كنوع من دعم المسرحية في مواجهة اللوائح.
- محمد على ناصف رفض سيناريو الناصر صلاح الدين
- على أبو شادى والموازنة بين الإبداع والمجتمع
- بحب السيما والانتصار لسينما أسامة فوزي
الدكتور مدكور ثابت من رؤساء الرقابة ممن دافعوا عن حق المبدعين فلا ينسى أحد موقفه في أزمة فيلم "بحب السيما" والذي أثار الكثير من الجدل وطلب بمنعه، لكنه أجاز عرضه بتصنيف عمري للكبار فقط، ونال الكثير من الهجوم مثلما نال أبطاله ومخرجه أسامة فوزي.
بحب السيما
فيلم بحب السيما