سط ظلال الجبال الوعرة ورائحة الخوف التي تسكن في الزوايا المعتمة، دارت معركة جديدة بين الحق والباطل، معركة لم تُسطر فقط في تقارير الأجهزة الأمنية، بل في أرواح آلاف الشباب الذين يواجهون شبح الإدمان كل يوم، إنها قصة حرب شُنت ضد تجار الموت، أولئك الذين يقتاتون على أحلام الضحايا ويزرعون الخراب في النفوس والمجتمعات.
وزارة الداخلية، كما عودتنا، وقفت اليوم صفًا في وجه الجريمة، لتسطر نجاحًا جديدًا في ملحمة مكافحة المخدرات، هذه المرة، كان المشهد في محافظتي السويس والإسكندرية، حيث واجهت الشرطة بؤرًا إجرامية شديدة الخطورة تُدير تجارتها السوداء بلا رحمة، متسترة خلف الجبال الوعرة وواجهات الحياة الطبيعية.
جبال الموت تسقط
في منطقة جبلية بمحافظة السويس، كانت إحدى البؤر الإجرامية تجهز شحناتها من السموم، خمسة من العناصر الإجرامية شديدة الخطورة، سبق أن لوّثت أسماؤهم سجلات العدالة بقضايا تتراوح بين القتل واستعمال السلاح وإزهاق الأرواح، وجدوا أنفسهم محاصرين.
حين استشعروا بالخطر، أطلقوا النار في محاولة يائسة لإبقاء الجريمة على قيد الحياة، لكن الشرطة كانت بالمرصاد، انتهت المعركة بمصرع أربعة منهم، وضبط العنصر الخامس، وبينما خفتت أصوات الطلقات، انكشفت الحقيقة، نصف طن من مخدر الحشيش، ومواد مخدرة متنوعة مثل الآيس والكيتامين، إضافة إلى ترسانة من الأسلحة النارية: رشاشات، بنادق قنص، وطبنجات، وكميات ضخمة من الطلقات.
هذه ليست مجرد أرقام، بل هي حياة مُستردة من فك الجريمة، وأحلام كادت أن تتحطم تحت وطأة المخدرات.
حبوب الهلاك تتبدد
أما في الإسكندرية، فقد كانت هناك قصة أخرى، تشكيل عصابي يضم أربعة من العناصر الخطرة، حولوا العقاقير المخدرة إلى تجارة رابحة على حساب الضحايا، بأيديهم الملوثة، صنعوا وأعدوا أكثر من 1.2 مليون قرص مخدر، بجانب كميات ضخمة من الزيوت والمواد الكيميائية اللازمة لتحويل الموت إلى أقراص ملونة.
لكن، في لحظة حاسمة، كان القانون لهم بالمرصاد، حيث تمكنت الأجهزة الأمنية من الإطاحة بالتشكيل العصابي، وضبطت ما بحوزتهم من مخدرات وأموال طائلة، القيمة المالية للمضبوطات تُقدر بـ860 مليون جنيه، مبلغ ضخم يكشف حجم الخطر الذي كان يهدد المجتمع.
حرب مستمرة
ما بين الجبال والبحر، تخوض وزارة الداخلية حربًا لا هوادة فيها، إنها ليست فقط حربًا ضد تجار المخدرات، بل هي حرب ضد الألم، ضد الضياع، وضد الانكسار. تجار الموت لا يستهدفون الجيوب فقط، بل يستهدفون العقول، يسرقون الوعي، ويزرعون الخراب في كل زاوية من زوايا المجتمع.
وفي كل نجاح تحققه الأجهزة الأمنية، هناك رسائل خفية، رسالة أولى تُخاطب المجرمين: أن لا مكان للهروب، فالعدالة تطاردهم مهما طال الزمن، ورسالة ثانية للمجتمع: أن الحرب ضد المخدرات ليست معركة الشرطة وحدها، بل هي مسؤولية كل فرد، كل أسرة، وكل مؤسسة.
الأمل في النصر
إن القصص التي ترويها هذه المعارك ليست فقط عن مواجهة الجريمة، بل عن استعادة الحياة. كل قرص مخدر يتم ضبطه هو ضحكة طفل تُنقذ، وكل كيلوجرام من الحشيش يُصادر هو عائلة تسترد أملها.
وفي خضم هذه الأحداث، تتجدد الثقة بأن مصر قادرة على مواجهة هذا التحدي، بوعي المجتمع، وجهود الأجهزة الأمنية، ستبقى بلادنا عصية على تجار الموت، مهما حاولوا نسج خيوط الجريمة في الظلام، وهكذا تستمر المعركة، وهكذا ينتصر الأمل.