سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 5 يناير 1927..وفاة الشيخ أبوالعلا محمد وأم كلثوم تهيم على وجهها فى شوارع القاهرة حزنا على أستاذها الذى أقنع والدها بانتقالها من طماى الزهايرة إلى القاهرة

الأحد، 05 يناير 2025 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 5 يناير 1927..وفاة الشيخ أبوالعلا محمد وأم كلثوم تهيم على وجهها فى شوارع القاهرة حزنا على أستاذها الذى أقنع والدها بانتقالها من طماى الزهايرة إلى القاهرة الشيخ أبوالعلا محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

غاب الشيخ أبوالعلا محمد، يومين - على غير عادته - عن أم كلثوم، فذهبت إليه فى منزله، ووجدته مريضا، فعادت بدموعها لتخبر والدها الذى رافقها هى وأخيها خالد ليمضوا عنده ليلة، حسبما تذكر فى مذكراتها بجريدة «الجمهورية، 2 يناير 1970»، مضيفة: «مكثنا عنده حتى نام، كنا نذهب إليه كل يوم إلى أن استرد صحته، وفى الأيام التالية، وحين ثقل لسانه، كان يحرص أيضا على الحضور إلينا ويغنى لى، وعندما تغيب الكلمات عنه أو يتعسر نطقها، يقول لى: إنتى عارفة أنا عايز إيه».

تضيف: «فى ليلة مظلمة لم يطلع لها قمر جاءنى نبأ وفاة أبوالعلا، كان فى ليلة الأربعاء 5 يناير (مثل هذا اليوم) 1927، خرجت من شقتنا هائمة على وجهى لا أدرى ماذا أفعل؟ كان يرافقنى أخى خالد، وسامى الشوا، كنت أريد ان أبكى ولكن الدموع لم تطاوعنى، تحجرت فى عينى، سرت على قدمىّ من الزمالك إلى شارع فؤاد، ضاعت منى الطرق وفقدت كل تفكير، كنت أسير من شارع إلى شارع، كان كل شىء أمامى مظلما، مات الرجل الذى وقف بجانبى وقدم لى أكبر عون وأكبر مساعدة فى بداية حياتى الفنية، مات الشيخ أبوالعلا».

تتذكر: «كنت فى أول الجنازة، بكيته بدمع قلبى، وعندما واراه التراب عدت مع العائدين ولكنى كنت أختلف عنهم جميعا لأننى أعرف قيمة الرجل الذى فارقنا وأياديه البيضاء على الموسيقى الشرقية، وعشت مع أحزان أبوالعلا فترة ليست قصيرة، حتى أشفق على أهلى وكل معارفى».

كان حزن أم كلثوم الفاجع تعبيرا عن وفاء مطلق لأستاذها الأول، فحسب ذكرياتها للكاتب الصحفى محمود عوض فى كتابه «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد»، لم تنسَ أنه حين استمع إليها فى قريتها «طماى الزهايرة» بمحافظة الدقهلية، نصح والدها، قائلا: «مستقبل ابنتك أكبر من طماى، وحرام أن تحبس هذه الموهبة الكبيرة فى قرية صغيرة»، واستجاب الوالد بإلحاح منها، ولم ينقطع «أبوالعلا» عنها فى القاهرة، مؤكدا لها: «لن أفترق عن هذا الصوت طول عمرى»، تؤكد: «فعلا لم نفترق منذ تلك اللحظة، كان يصحبنى مع أبى وأخى فى كل مكان أذهب إليه، وغيرنى، علمنى أن أفهم الكلام قبل أن أحفظه وأغنيه».

ويرى الكاتب والناقد الفنى عبدالنور خليل فى كتابه «المعممون فى الطرب العربى»: «لو لم تكن للشيخ أبوالعلا محمد من إنجازات على ساحة الطرب والغناء سوى العمل على نقل أم كلثوم لتتواجد فى القاهرة، وتبدأ رحلتها فى الغناء لكفاه هذا صنيعا يحمد له»، أما الناقد والمؤرخ الموسيقى كمال النجمى فيرى فى كتابه «تراث الغناء العربى»: «أم كلثوم هى ثلاثة أرباع الغناء المصرى الحديث، والشيخ أبوالعلا أكمل من خلال صوتها مهمته التاريخية، فى تخليص الغناء العربى نهائيا من العجمة العثمانية، والرطانة الفارسية والفهاهة الغجرية التى عبثت بحناجر المطربين والمطربات فى مصر والبلاد العربية مئات السنين».

تتصدر قصته مع أم كلثوم سيرته الفنية رغم دوره التاريخى فى نهضة الموسيقى العربية، ويعدده الكاتب والباحث عمرو رضا بمجلة «دبى الثقافية، عدد 46»، مشيرا إلى أنه ولد يوم 8 أغسطس 1878 فى «بنى عدى، منفلوط، أسيوط»، ويبدو أنّه درس زمنا فى الأزهر، وابتدأ منشدا وقارئا للقرآن، ومن ثمّ منح لقب الشّيخ، بعدها مال إلى عالم الفن فغنى فى السهرات الخاصة القصائد والأدوار، مستلهما الأصول الجمالية للمدرسة الفنية التى أسسها المطرب والملحن عبده الحامولى، وغنى عددا من أشهر أعماله مضيفا إليها إبداعه وقدرته على الارتجال، وسجل أسطواناته الأولى فى يناير 1912 لشركة «جراموفون» ثم شركات أخرى مثل ميشيان، وبيضافون سنة 1920، وبوليفون سنة 1924.

يرى «رضا»، أن تلك التسجيلات كانت أول محاولة للخروج «بالموسيقى الفصحى» من المجالس الخديوية الخاصّة لتنتشر بين جمهور القاهرة والمحافظات، مؤسسة فيما بعد الملمح الأساسى للموسيقى المصرية فى القرن العشرين، وتخلى جزئيّا عن الغناء الدينى كالإنشاد وتجويد القرآن، واتخذ لنفسه تختا من أكبر عازفى ذلك الوقت، وذكر عازف الكمان الشّهير سامى الشّوّا أن أبوالعلا لم يكن يتدرب على الألحان التى يسجلها، فكان يطلب من أفراد التخت أن يعزفوا مقدمة من مقام معين تاركا العنان لبديهته وقريحته، ويقال إنهم كانوا يسألونه: ماذا ستغنى اليوم يا شيخ؟ فيجيبهم: «اللى يجود بيه علينا ربنا».

يذكر «رضا»: «خلافا للأسلوب الكلاسيكى كما عرفناه عند عبدالحى حلمى أو سلامة حجازى، فإنّ أبوالعلا أول من قدم القصيدة المغناة الموقعة عبر مقام موسيقى محكم لا مجال فيه للارتجال، وفيما يخص الدور فإن ألحانه كانت بداية لعصر سيطرة الملحن ونهاية لعصر ارتجال المطرب، مبشرا بما ستصير عليه الموسيقى المصرية فيما بعد، كذلك مثلت ألحانه مرحلة فى تطوّر مفهوم القصيدة المغناة، حيث كانت ممهدة لألحان زكريا أحمد ومحمد عبدالوهاب، خاصة أعماله الأولى».







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة