أمام أحد جدران مستشفى شهداء الأقصى، في دير البلح وسط غزة - أكثر المناطق اكتظاظا بالنازحين حيث يهرول إليها المصابين للعلاج وتمتلئ بجثث الشهداء – نجد فنانة فلسطينية شابة أصرت على تحدى تلك المشاهد الدموية بآمال ورسائل معبرة عبر لوحاتها الفنية حرصت على عرضها في معرض تشكيلي بسيط – هو المعرض السادس لها في مشوارها الثقافي - ليمثل أرشيف بصري حول الحقبة الزمنية التي يعيشها سكان القطاع من الإبادة الجماعية، اسمه يوحى بالكثير من المعاني، ومكان إقامته بجوار واحدة من أهم مستشفيات المحافظات الوسطى رسالة للعالم بأن هذا الخراب الذي لم نشهد مثله قبل، لن يقتل صمود هذا الشعب الآبي، ومبدعيه قادرون على مواجهة آلة القتل والرصاص بالفن والرسم.
من رحم المعاناة يولد الأمل، وفي عز المحنة تظهر المنحة، هذا ما تبادر في ذهن الفنانة التشكيلية الفلسطينية رفيدة سحويل، وهي تدشن في 12 ديسمبر الماضي أول معرض تشكيلى في غزة، منذ بداية العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر الماضي، أطلقت عليه معرض "الجدار غير الأخير"، حيث احتوى المعرض على أكثر من 30 لوحة تعكس تفاصيل الحرب ومعاناة الغزاويين – ومن بينهم رفيدة وعائلتها النازحين وسط القطاع – أرادت من خلال ريشتها إطلاق صرخة بصرية، وذاكرة منقوشة باللون بأن سلاح الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال ليس فقط السلاح ولكن أيضا الفن والإبداع.
خلال الصور التي أمدتنا بها رفيدة سحويل، نجدها دائما تستقبل الوافدين للمعرض بابتسامات بسيطة، وبملامح يملؤها الأمل والشغف والإصرار على مواجهة هذا الإجرام الإسرائيلي بحق شعبها، لاحظت خلال حوارى معها ثلاث أشياء، الأول اختيار الشهر – ديسمبر – وهو نفس شهر ميلادها كما ذكرت عبر صفحتها الرسمية، والثاني أن هذا هو المعرض السادس لها رغم سنها الصغير الذي لم يتخط الـ37 عاما، والثالثة هو أن كل إرثها الثقافي من لوحات ورسومات وكتب دمرها الاحتلال خلال قصفه لمنزلها ورغم ذلك لن يسيطر عليها اليأس والإحباط، وصممت على أن تبدأ من جديد في توثيق هذه الجرائم بريشتها في هذا المعرض.
عانينا كثيرا خلال محاولات تواصلنا مع رفيدة سحويل، بسبب انقطاع الإنترنت بشكل متكرر في القطاع، بجانب صعوبة الاتصالات بدير البلح، ووفقا لتصريحاتها تعرضت للموت أكثر من مرة منذ بدء الحرب، لم نلاحظ على لهجتها أي خوف أو توتر من بشاعة المشاهد التي رأتها وما زالت داخل القطاع، خاصة أنها تقيم معرضها بجوار مستشفى تستقبل يوميا عشرات الشهداء والجرحى، وتشاهد وتسمع بأعينها وأذنها صرخات الجرحى وذوى الضحايا، بل كان كلامها مفعما بالأحلام والصمود ضد إرهاب جنود الاحتلال، لتؤكد أن المواطن الفلسطيني قادر على تحويل هذا الدمار الغاشم الذي يلاحق قطاعه إلى منصة للأمل.
إحدى اللوحات
دعوة افتتاح المعرض
جزء من المعرض
جانب من رسومات المعرض
رفيدة سحويل
لوحات روفيدة سحويل
جانب من اللوحات
معرض الجدار غير الأخير