-
المثقفون الفلسطينيون تغلبوا على انقطاع الكهرباء والإنترنت عبر الطاقة الشمسية واستصلاح الدفاتر المدرسية لأبنائهم
-
كتاب غزة اتفقوا من داخل مراكز النزوح على مقولة "أنا اكتب أنا موجود"
-
وزارة الثقافة الفلسطينية تصدر 3 كتب من داخل القطاع وتجهز 4 إصدارات جديدة
-
طلال أبو ركبة: كشفت خلال كتابي حجم المحرقة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين
-
استشهاد 20 كاتبا و30 فنانا تشكيليا وتضرر 320 مثقفا منذ بداية العدوان
-
عزام أحمد: النكبة الفلسطينية 48 لم تكن موثقة بشكل كامل وأردنا تسجيل تاريخ مجازر غزة
-
عمر اللوح: مُذكرة الهاتف الوسيلة الوحيدة للكتابة وتأملت مدينتي الشّاحِبة بطُرقاتها المغبرة في مجموعة قصصية فراشات النار
-
الشاعر سليمان الحزين: اتفقنا على رفع منسوب الأمل والحفاظ على زرعه والبقاء في أرض الأجداد
"حتى لا نكون هنودا حمر جدد"، كانت هذه إحدى رسائل كاتب فلسطينى يعيش داخل قطاع غزة الذى يشهد حرب إبادة جماعية يمارسها الاحتلال الإسرائيلي على مدار أكثر من عام وثلاثة أشهر، خلال هذه الحرب قرر الكاتب مع مجموعة من زملائه الكتاب توثيق تلك الحرب وسرد المشاهد المروعة التى رأوها بأعينهم من قتل وحرق وتشريد ونزوح متكرر وتدمير لمربعات سكنية، وانتشار للجثث فى الشوارع وامتلأ المدن بالأنقاض واكتظاظ المخيمات بالنازحين، وغيرها من الأهوال التى يعيشها سكان القطاع منذ شهور.
اقرأ أيضا:
قوات الاحتلال تقتحم مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة
خلال نكبة 1948، وتهجير الفلسطينيين قسريا، هناك عشرات المذابح التى لم يدونها التاريخ نظرا لأنها لم توثق من قبل الفلسطينيين أنفسهم، فما عرفناه من جرائم ارتكبها الاحتلال منذ 77 عاما لم يكن سوى القليل مما ارتكبه الاحتلال، لذلك أراد كتاب غزة إلا يتكرر السيناريو ويكون التاريخ شاهدا على ما دونوه بأقلامهم من فظائع مارستها إسرائيل ضد الفلسطينيين فى أبشع جريمة يعرفها التاريخ الحديث فى القرن الواحد والعشرين، لتكون شاهدة على دموية هذا الاحتلال وعدائه البغيض للشعب الفلسطيني.
اقرأ ايضا:
ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلى على غزة إلى 45 ألفا و 399 شهيدا
سلسلة "إصدارات من غزة"
في 31 أكتوبر، أصدرت وزارة الثقافة الفلسطينية، مشروعا حمل عنوان سلسلة "إصدارات من غزة"، تضمن عدة إصدارات لكتاب فلسطينيين وثقوا ما يرتكب من جرائم فى القطاع، وحينها أكدت الوزارة، أن المشروع يسلط الضوء على الأبعاد الإنسانية الصارخة لهذه الحرب التى يعيشها الشعب الفلسطينى.
الإصدارات الثلاثة
الهدف من هذا المشروع هو عدم اقتصار الحرب على مجرد أرقام أو تقارير إخبارية عن الشهداء والجرحى والدمار بل تحويلها لمجموعة من القصص الحيّة، والتجارب اليومية، والأحلام المكسورة التى شكلت حياة الأفراد والعائلات فى غزة، ودعم الرواية الفلسطينية التى تدحض الأكاذيب الإسرائيلية، وكشف ما يتعرض له الفلسطينيون من أهوال تفوق التصور، لكنهم يظلون متمسكين بالأمل والإبداع فى مواجهة الصعوبات".
إصدارات وزارة الثقافة
هذه السلسلة تضمنت تجارب إنسانية فريدة مغلفة بالفن والأدب كمصادر للمقاومة، لإبراز تأثير الإبادة على الهوية الإنسانية الفلسطينية. حيث تناولت تلك الإصدارات قصص الأفراد الذين يتجلى صمودهم فى مواجهة التحديات، وكيف عكست أعمالهم الفنية والأدبية معاناتهم وآمالهم.
كتاب "يوميات النزوح: لماذا نكتب..؟!"
أحد تلك الإصدارات كان كتاب "يوميات النزوح: لماذا نكتب..؟!"، والذى يرصد تداعيات ثقافة النزوح وما أفرزته من مشكلات وأزمات بنيوية ساهمت فى خلخلة البنية الاجتماعية الفلسطينية، ويتضمن أيضا قراءة نقدية فى الكتاب للاستجابة الإنسانية للمنظمات الدولية العاملة فى قطاع غزة، حيث تواصلنا مع الدكتور طلال أبو ركبة، الكاتب الفلسطينى المقيم فى غزة، ومؤلف الكتاب ليكشف كيف خرج إصداره للنور رغم ما يعانيه من مآسى وحياة صعبة نتيجة استمرار العدوان والنزوح والتهجير من منزله قسرا.
"ما أكتبه هدفه التاريخ حتى لا نتحول نحن الشعب الفلسطينى إلى هنود حمر فى هذا العالم، وتختفى قصتنا وغايتنا ونصبح مجرد حكاية تحكى وتحكى على لسان الآخرين"، هنا يرشح طلال أبو ركبة فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، بداية خروج فكرة هذا الإصدار ليتحول بعدها لحقيقة على أرض الواقع ويوثق بشاعة نزوح الفلسطينيين فى كتاب سيظل تتداوله الأجيال على مدار عقود، حيث يقول: "الفكرة لدى كانت منذ بدايات الحرب وهو فكرة توجهت بها نحو مواقع التواصل الاجتماعى بدعوة لجميع الكتاب والأصدقاء أنه يجب أن نوثق ما يحدث لأننا أصحاب القصة والقضية".
ويضيف "أبو ركبة"، أن بداية الفكرة تمثلت فى ماذا نكتب؟ كان أهم نقطة فى الموضوع منذ أن اندلعت حرب الإبادة التى تتخذ حملة ممنهجة لإنهاء الوجود الفلسطينى وتصفية القضية الفلسطينية للأبد، وخوف من عدم توثيق هذه اللحظات والجريمة الإنسانية التى تتواصل كل يوم بحق الشعب الفلسطينى، والخوف كان من أن تختفى الحقيقة يوما ما.
ويتابع :"اتفقت مع زملائى الكتاب حول ضرورة توثيق كل لحظة وكل جريمة وكل استهداف إسرائيلى فى قطاع غزة، وأن نرصد ونبين للعالم حجم المأساة الفلسطينية والمحرقة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين فى غزة، ومن هنا كان لابد أن نبدأ، والبداية كانت بمجموعة من المقالات والتحليلات السياسية التى أكتبها فى بعض المواقع والفضائيات ثم تطورت الفكرة رويدا رويدا بأن نذهب إلى ضرورة أن يكون هناك شيئا مكتوبا عن الكارثة الإنسانية لجرائم الاحتلال بحزق غزة".
ويقول "أبو ركبة": "جاءت لدى فكرة الكتاب السنوى بمناسبة عام على العدوان الإسرائيلى على غزة، أرصد فيه كل أشكال الانتهاكات الإسرائيلية وعلى كافة الأصعدة والجهات والخسائر التى ألحقها الإسرائيليون سواء بالخسائر البشرية أو المادية فى قطاع غزة، وحجم الاستهدافات لكل المنشآت المدنية المحرمة بقوة القانون الدولى مثل القطاع الصحى والتعليمى والبنية التحتية وكافة المنشآت والآثار والتاريخ وكل شيء فى غزة والخسائر البشرية وانعكاس ذلك على المجتمع الفلسطينى ونسيج الاجتماعى الفلسطينى".
ويتحدث عن طبيعة كتابه، بأنه رصد تداعيات ثقافة النزوح وما أفرزته من مشكلات وأزمات بنيوية ساهمت فى خلخلة البنية الاجتماعية الفلسطينية، وقراءة نقدية فى الكتاب للاستجابة الإنسانية للمنظمات الدولية العاملة فى قطاع غزة وكيف كانت للاستجابة للأزمة الإنسانية خاصة إدخال المساعدات وآلية توزيع المساعدات وحوكمة المساعدات الإنسانية بما يتطلبه عوامل عدة مثل الشمولية والعادلة فى التوزيع والعقبات التى واجهت المنظمات الأهلية وكيف اعتدت إسرائيل بشكل فج على المؤسسات الإنسانية الدولية التى تقوم بتقديم الخدمات الإنسانية مثل المطبخ المركزى العالمى، ووكالة الأونروا والعديد من المؤسسات الدولية الأخرى التى استهدفت مراكزها من خلال الاحتلال الإسرائيلى.
جهود وزارة الثقافة الفلسطينية
كتاب "يوميات النزوح: لماذا نكتب..؟!"، هو واحد من عشرات الإصدارات التى خرجت من داخل القطاع خلال أكثر من عام من بداية العدوان، هذا ما يؤكده المؤرخ الفلسطينى، حسام أبو النصر، ممثل فلسطين فى اتحاد المؤرخين العرب المؤرخ الفلسطينى، ومسؤول وزارة الثقافة الفلسطينية فى محافظات الجنوب، والذى يقول فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع":" حرصنا منذ استلام الحكومة الحالية الجديدة وتعينى مسؤولا عن المحافظات الجنوبية على خروج عدد من الإصدارات الخاصة بغزة وكتاب غزة للنور، وأصدرنا أول كتاب رمال حمراء الذى يضم 30 كاتبا وفنانا ويحتوى على رسومات لهؤلاء الفنانين خلال الحرب وكذلك نصوص كتابية وشعرية وإبداعية تصف ويلات النزوح والعدوان والإبادة والمجازر اليومية التى تحدث فى القطاع".
ويضيف مسؤول وزارة الثقافة الفلسطينية فى محافظات الجنوب :"أصدرنا ثلاث كتب وهم "تغريدة النورس الأخيرة" قصص قصيرة لعمر حمش، و"أصابع الحنين" شعر لدنيا الأمل إسماعيل، و"الحرب التى لا تنتهي"، شعر ناصر رباح، ونعمل على إصدار 4 كتب أخرى لكتاب قطاع غزة.
كتاب "الرواية الفلسطينية مليون عام من التاريخ الحضاري"
وفى 10 ديسمبر الماضى، أعلن مندوب دولة فلسطين بجامعة الدول العربية السفير مهند العكلوك، إطلاق كتابا بعنوان " الرواية الفلسطينية.. مليون عام من التاريخ الحضارى " مختصرا بـ1000 صفحة يروى حكاية فلسطين الممتدة فى أرض الشعب الفلسطينى على مدار آلاف السنين، موضحا خلال اجتماع مع قيادات فلسطينية والجامعة العربية، أن الحرب الشاملة التى تشنها إسرائيل على الإنسان والشعب لا تستهدف الاستيلاء على أرض فلسطين وثرواته الطبيعية وممتلكاته المادية فقط بل تستهدف أيضا الذاكرة الجمعية للشعب وتدمير كل ما يشهد على وجوده وارتباطه بالأرض بما فى ذلك الرواية والسردية الفلسطينية.
وخلال الاجتماع أكد رئيس مجلس إدارة مركز الأبحاث الفلسطيني محمد إشتية، أن الكتاب يتضمن 1000 صفحة وشارك فيه 40 باحثا فلسطينيا بهدف إظهار الرواية الفلسطينية للعالم من خلال براهين وأدلة ودحض الرواية الصهيونية عن فلسطين.
فيما أعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، أن الكتاب يعد عملا موسوعيا جبارا، متابعا: "عندما تم الاطلاع على المشروع والفكرة وجدناها ممتازة ومطلوبة لأن كتابة التاريخ في حالة مثل القضية الفلسطينية يعد أمرا هام خاصة في الوقت الذي ينشط فيه الاحتلال في كتابة التاريخ و فرض عناصر ومعلومات مغلوطة".
إصدار "هذا كان بيتنا"
ثاني الكتاب الذين نجحوا في إصدار كاتبا خلال تواجدهم داخل غزة، قبل أن يستطيع الخروج من القطاع، مع نهاية شهر مايو الماضي، تضمن توثيق لتدويناته حول جرائم الاحتلال في القطاع، وحمل عنوان "هذا كان بيتنا"، حيث رصد فيه حجم الدمار الذي شاهده بسبب العدوان الإسرائيلي، ووصف حجم معاناة الشعب الفلسطيني في أماكن النزوح، بجانب حجم الأشلاء المتناثرة والأنقاض التي أصبحت تملأ الشوارع مع استمرار حرب الإبادة الجماعية.
فى هذا السياق، يؤكد الكاتب الفلسطينى عزام أحمد أبو حبيب، صاحب أن الإصدار عبارة عن تدوينات يومية كان يدونها أثناء تواجده داخل قطاع غزة خلال فترة الحرب من أكتوبر 2023 حتى شهر مايو 2024، ووثق رحلته مع الحرب والنزوح التى كتبها بسياق إنسانى بحت يوضح الآلام الخاصة بالنزوح ومصاعب الحياة فى الخيام وما صاحب ذلك من أوضاع إنسانيّة صعبة، مشيرا إلى أنه استعرض مصاعب عديدة واجهها هو وأسرته داخل غزة فى ظل استمرار العدوان.
"فكرة الكتاب جاءت بعدما تجمعت لدى مجموعة تدوينات تمكنت من الاحتفاظ بها حتى مغادرتى من غزة لأحولها بعد ذلك بسهولة إلى كتاب على شكل خواطر"، هنا يكشف عزام أحمد كيف استطاع الانتهاء من مشروع الكاتب، موضحًا أن إحدى دور النشر فى سوريا وافقت على نشره، حيث كان له تجربة سابقة فى النشر معها بعدما نشر كتابًا آخر عن دروس وعبر حياتية من كرة القدم.
ويوضح طبيعة الكتاب بأنه قراءة فى الواقع الإنسانى فى غزة والاستجابة الإنسانية للأزمات، حيث يرصد كل أشكال الانتهاكات الإسرائيلية المتعلقة الحياة الإنسانية للمواطن الفلسطينى فى القطاع وكيفية قضاء يومه وكيف يعيش حياته خلال أكثر من عام من نزوح ومعاناة والفقد والجرح النازف والدماء النازفة، وكذلك محاولة شرح يوميات المواطن الفلسطينى من خلال النزوح أو مواجهة آلة القتل الإسرائيلية المنتشرة فى كل مكان وشرح صعوبات عملية الاستجابة الإنسانية للمؤسسات العاملة فى غزة، والتركيز على تصحيح مسار هذه المؤسسات وكيف يمكن أن تكون المساعدات الإنسانية أداة من أدوات تعزيز صمود المواطن الفلسطينى فى مواجهة آلة القتل الفلسطينية ".
ويكشف عزام أحمد أسباب إصراره على خروج مجموعة التدوينات فى مشروع كتاب قائلا :"كانت الفكرة فى توثيق كل هذا حتى لا يذهب هدرا ولا يتوه ضمن حكاية التاريخ ولا تصبح الحرب فى غزة تذكر فى سطر واحد فى التاريخ، ورأيت ضرورة أن يكون هناك توثيق خاصة أن فصول النكبة الفلسطينية عام 1948 وانا ابن الجيل الرابع للنكبة لم تكن موثقة بشكل كامل وكنا نعتمد فى بداية شبابنا خلال توثيق النكبة على التاريخ الشفوى الذى نستمده من حكاية الأجداد فى فلسطين".
ويشرح كيف تخطى على كافة الصعاب من أجل الانتهاء من هذا الكتاب قائلا :"الكتابة كانت معقدة ونحن نعانى من العدوان داخل القطاع لأن غزة لا يتوافر فيها تيار كهربائى، بجانب ضعف الاتصالات والإنترنت وبالتالى كان لابد أن تتغلب على ذلك من خلال الاستعانة ببعض الوسائل البسيطة التى قد تمكنك من الكتابة مثل البحث عن أماكن بها طاقة كهربائية عبر الطاقة الشمسية والاستفادة منها فى شحن جهاز اللاب توب وأجهزة الحاسب الآلى والقراءة والمطالعة لساعات طويلة للغاية ومطالعة كافة التقارير الدولية وتوثيقها وتلخيصها حتى تستطيع رصد بأرقام وحقائق واقعية تعكس حقيقة المأساة، ومن هنا بدأت الرحلة فى دراسة كاملة متكاملة حول الواقع الإنسانى فى غزة والاستجابة الإنسانية لما يحدث فى غزة".
كما يوضح متى بدأت تخرج لديه فكرة إصدار الكاتب قائلا :"بدأت الكتابة ولم يكن أمامى ملاذ كثير، حيث حدث انقلاب فى حياتى بعدما أصبحت بعيد عن بيتى وأعيش فى خيمة فى الشارع، ولم أكن لدى شيء أفرغ فيه طاقاتى سوى الكتابة فوجدت ضالتى فيها، وحاولت أن أبعد عن الواقع المأساوى والتعب والإرهاق والتفكير الكثير ومشاهد الدماء والبكاء والطم والإحساس بالعجز والخوف والقهر إلى مربع جديد أحاول من خلاله نقل المعاناة، وهذا جعلنى أتحدى كل الظروف التى أمامى من القصف وعدم وجود كهرباء ووجود صراع على الغذاء والحصول على المياه، وهذا تطلب منى القيام بجهد مضاعف فى الكتابة".
ويتابع عزام أحمد :"كنت أكتب فى الليل رغم أن الليل قاسى فى غزة، ولكن لأننى كنت نازحا فى منطقة المواصى وهى منطقة شبه آمنة ونسبيا هادئا، فكنت أمارس هناك الكتابة بشكل كبير، وحاولت مواجهة حالة الضغط العنيف التى أتعرض لها فيما يتعلق بأصوات القصف المستمر وساعدتنى زوجتى بشكل كبير للغاية فى توفير بعض الأوقات التى يمكن أن أمارس فيها الكتابة بشكل هادئ بعيدا عن الضغط والفوضى والارتباك التى كنت اتعرض لها بسبب القصف واصوات الزنانة والدبابات والطائرات، وحاولت تجاوز ذلك من خلال التحليق فى عالم الكتابة بعيدا عن الاستلام لعالم اللوم والبكائيات والإحباط الذى كان يمك أن يسيطر على ويفشل أى مشروع أسعى لإنجازه".
ويضيف :"وجدت أن واجبى الوطنى يستوجب منى التركيز بشكل كبير لإنجاز الكتاب بكافة الأشكال والسبل لأكون وفيا لدماء الشهداء ومعاناة شعبنا فيما يتعلق برصد كل الانتهاكات الإسرائيلية وتوثيق كل اللحظات القاسية التى مرت على هذا الشعب طوال أكثر من عام لهذا العدوان، وهناك صديقة وهى سحر ياغى مديرة جمعية الدراسات النسوية التنموية والموجودة فى المنطقة الوسطى وفرت لى الطاقة وشبكة الإنترنت، حيث استضافتنى فى مكتبها لتوفير الطاقة الكهربائية وشبكات الاتصالات والإنترنت رغم ضعفها لكن كانت جيدة تمكنت من خلالها مواصلة الكتابة".
كما تحدث عزام أحمد عن تشجيع أصدقائه المثقفين له للانتهاء من إنجاز الكتاب قائلا :"أصدقائى كانوا يشجعونى على الفكرة واستكمال الكتاب وأبرزهم يسرى درويش مدير الاتحاد العام للمراكز الثقافية والذى كان شجعنى كثيرا على إعداد التقرير ومحسن أبو رمضان مدير مركز حيدر عبد الشافى للثقافة والتنمية الذى كان يعزز الكتابة ورصد وتوثيق هذا التاريخ والوقائع حتى لا تكون نسيا منسيا فى يوما من الأيام".
عدد الضحايا من الكتاب والفنانين التشكيليين في غزة
تقرير وزارة الثقافة الفلسطينية
وبحسب التقرير الخامس الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية لعام 2024، فإن عدد الكتاب المسجلين فى اتحاد الكتاب 200 كاتبا وشاعرا جميعهم أصبحوا نازحين، بجانب استشهاد 20 كاتبا، حيث كان أول شهيد الكاتب عمر أبو شاويش، كما كشف التقرير، أن عدد المسجلين في اتحاد الفنانين التشكيليين 185 فنانا جميعهم في أماكن النزوح، بجانب استشهاد 30 فنانا تشكيليا، لافتا إلى أن العدد الكلى لا يشمل عدد طلبة وخريجى الفنون الذين يقدرون بأكثر من 2700 مسجل.
التقرير الخامس لوزارة الثقافة الفلسطينية
ويوضح التقرير، أن عدد الموسيقيين الفلسطينيين المسجلين 107 فنانين موسيقيين، كما استشهد منهم 10 فنانين، بجانب استشهاد ثمانية شهداء من الفنون المسرحية والأدائية والباقين فى النزوح مع عائلاتهم، لافتا إلى أن عدد السينمائيين المتضررين 50 عاملا فى قطاع السينما .
انهيار القطاع الثقافي في غزة
كتاب "فراشات النار"
الكاتب الفلسطينى عمر اللوح، صاحب الـ35 عاما، والذى يعيش فى قطاع غزة، وصدر له 6 مؤلفات قبل بداية العدوان الإسرائيلى، أبرزهم طريق السعادة" سرديات ومأثورات صدر عن مكتبة سمير منصور عام 2021، و"شهداؤنا قصص" مجموعة قصصية مشتركة عام 1018، هو واحد من الكتاب الفلسطينيين الذين تمكنوا من توثيق تلك الحرب عبر كتاب "فراشات النار"، وهو ما يمثل شهادة حية من كاتب عاش ويلات تلك الجرائم ونزح أكثر من خمسة مرات.
الكاتب الفلسطيني عمر اللواح
يشرح عمر اللواح تفاصيل كتابه، حيث يؤكد أنه يتحدث معنا بينما القصف الإسرائيلى قريبا من مكان نزوحه، قائلا فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع":" فراشات النار أخر إصداراتى وهو عبارة عن مجموعة قصصية عن الحرب المدمرة، والتى كتبتها فى العديد من أماكن النزوح، حيث نزحت أكثر من خمسة مرات فى أماكن متفرقة نتيجة الحرب المُدمِّرَة على غزَّةَ منذ السَّابعِ مِن أكتوبر 2023 وعلى صوتِ القصف الذى لا يكادُ ينقطعُ، حيث انتقل من مكان إلى آخر، وأنا أتأمل مدينتى الشّاحِبة بطُرقاتها المغبرة، وأحيائها الكئيبة، حيث عمَّ الدّمارُ بيوتها، وتغلغلتْ الدِّماءُ فى تُرابها، لم يتبقَ منها شيء ينبض، طُمِسَ جمالها، وماتتْ الحياةُ فى نفوسِ سكانها".
ويضيف "اللواح": "بفضل الله تمكنت من أن أدشن مجموعتى القصصية، وتضم مجموعة قصص قصيرة للغاية الَّتى تمَّ إعدادها عبر مُذكرة الهاتف والَّتى باتَتِ الوسيلةَ الوحيدةَ للكتابة وبمعاناة كبيرة جدًا"، موضحا أن قصص فراشات النار هى تجليات عاجلة لأيام وحكايات الحرب الطاحنة التى عاشها أبناء القطاع بكل تفاصيلها ومخرجاتها، حيث تحاول استدراج اللحظة الراهنة بكل ما فيها من وجع وألم كما هى بالدموع والدم بلا تزويق أو تجميل، بلا تقعر لغوى أو غموض".
ويعرض نبذة عن كتاب فراشات النار، قائلا :"منذ أن كنت طفلا، وأنا أحب القراءة والكتابة، ودائما ما كان يلفت انتباهى المواقف الصعبة فى حياة الإنسان من حروب وكوارث، وما يترتب عليها من معاناة والم وأوجاع لا تنتهى، لذلك حملت على عاتقى أن أكتب فى الأدب، وخاصة فى القصة القصيرة، والقصيرة جدًا، وعندما بدأت بالكتابة وعرضت ذلك على الكثير من الأدباء شجعونى وأعجبوا بما أكتب حتى أن بعضهم انبهر بطريقة الكتابة، وبما أن الكاتب هو ابن بيئته فلابد أن يكتب عن ما يحدث فى مجتمعه؛ فكان القدر أن أكون من فلسطين، وبالتحديد فى غزة العزة والكرامة، فكتبت عن المجتمع الغزى وما يعانيه من آلم وحصار وخاصة الحروب المدمرة ومعاناة الناس".
"أكتب بالسرد الهادئ والمشاهد المتوقعة حتى أبلغت القارئ بالنهايات الموجعة، وكذلك أيضًا داخل المستشفى وخارجها، مع مرارة النزوح وفجيعة العيش فى خيمة، وأطوف بين البيوت المهدومة وأصوات القصف"، هنا يشرح عمر اللواح طبيعة سرده للجرائم الإسرائيلية داخل الكتاب، متابعا :"كل قصة هى حكاية ألم عاشها الغزى خلال الحرب، أحاول أن انتصر فيها للجمال والخير وانتقم من تغيرات وتشوهات النفس والتى تفرزها ضغوطات حرب شرسة على الإنسانية".
وبشأن صعوبة الكتابة داخل القطاع سواء بسبب عدم وجود إنترنت وتيار كهربائى أو نقص الورق بشكل كبير، يضيف عمر اللواح :"من أصعب الأمور على الكاتب حين لا يجد هاتفه مشحونا وبصعوبة كبيرة يتم الشحن عبر ألواح الطاقة الشمسية، حيث عشنا أكثر من عام بلا كهرباء، وكنت أبحث عن الورقة المفقودة فى الشارعِ، إذ لا يتوفر ورق ولا أقلام فى الأسواق إلا بصعوبة كبيرة جدًا، وكنتُ حينَها أبتسمُ؛ لأنَّنى لا أعرفُ المستحيلَ فالكاتب المبدع يكتب من وسط النار وقلة الإمكانيات".
وبشأن أبرز المناطق التى نزح لها وأصعب اللحظات التى عاشها خلال العدوان، يقول :"خرجت من بيتى فى وسط غزة بعد قصف عنيف للغاية وتحت نيران فى كل مكان تطاير الحجارة وكنت اركض وأفراد أسرتى فى الشارع حتى وصلنا إلى مدرسة فى دير البلح ثم قصف الاحتلال المدرسة وتعرض أبنائى إلى الإصابة وبعدها نزحت إلى نصيرات ثم السوارحة والزوايدة، وكل فى القطاع ثانية صعبة وقاسية ومؤلمة علينا، فلا راحة ولا هدوء وأنا أتحدث معاك الأن والقصف لا يهدأ".
ويوجه اللواح رسالته للكتاب والمثقفين حول العالم، مشيرا إلى أن الصمت لا يجلب إلى العار ولا يرفع من مكانة الإنسان فكيف إذا كان مثقف يحمل أمانة عظيمة فى أيصال رسالة من خلال ما يكتب ويذيع وينشر، مطالبا إياهم بأن يكون لهم وقفة حقيقية ضد مجازر الإبادة فى غزة من خلال أقلامهم وأعمالهم فى انصاف غزة وفضح المحتل المجرم.
خسائر القطاع الثقافى فى غزة
وبحسب تقرير وزارة الثقافة الفلسطينية الصادر مع نهاية عام 2024، يرصد فيه حجم خسائر القطاع الثقافى فى غزة، فإن عدد الجمعيات والمراكز الثقافية المسجلة لدى الوزارة فى القطاع 25 مؤسسة جميعها تعرضت للضرر الكلى أو الجزئى، وكذلك عدد المراكز الثقافية غير المسجلة 80 مؤسسة وتعرضت جميعها للضرر.
انهيار القطاع الثقافي في غزة
ويضيف تقرير وزارة الثقافة بأن عدد التجمعات الثقافية في غزة 7 تجمعات جميعها توقفت عن العمل واستشهد اثنين من مؤسسيها، بجانب 87 مكتبة عامة تعرضت للضرر البالغ، وتدمير 3 متاحف تراثية، لافتا إلى أن عدد المثقفين المتضررين حتى الآن 320 مثقفا و30 مؤسسة ثقافية، بجانب 50 عاملا فى مجال الثقافة نازحين فى مصر وهذا لا يشمل النازحين فى دول أخرى، وتدمير 200 موقع آثرى وتراثى.
قصائد شعرية تصف إجرام الاحتلال
الشاعر الفلسطيني سليمان الحزين، كان أحد المثقفين الفلسطينيين القاطنين في غزة الذي وثق بقصائده الشعرية، جريمة الإبادة الجماعية فى كتابه "صيحة الحنظل"، حيث يتحدث خلال تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إنه أصدرت عمل شعرى واحد وكان قبل الحرب، وبدأ بعد العدوان كتابة عدة يوميات وقصائد شعرية، موضحا أنه حاول الكتابة منذ بداية الجرائم الإسرائيلية ولكن عبارة عن مقاطع شعرية.
الكاتب الفلسطيني سليمان الحزين
"بعد اشتداد حدة القصف، وهدم البيوت، والتهجير القسرى، وبعد حالة النزوح التى تعرضت لها توقفت لفترة كبيرة عن الكتابة، حيث شعرت أن الوجع والصدمة التي نعيشها أكبر من الكلام"، هنا يتوقف سليمان الحزين عند المرحلة التى كادت أن تعصف بمشروع كتابه قبل أن يتراجع ويواصل مشروع كتابة قصائد شعرية تصف الأوضاع المأساوية، قائلا: "بعد فترة الصمت المزلزل بفترة طويلة وتجربتى بالنزوح، بكل معاناتها بدأت أتحسس ذاكرتى وبصيرتى فقررت تحدى ذاتى واكتشفت بأنى قادر على مجاراة الوجع بالحبر الساخن وكتبت قصائد يوميات عن الأهوال التى نعيشها ونشاهدها".
غلاف كتاب صيحة الحنظل
وحول الطرق التى استطاع من خلالها التغلب على انقطاع الإنترنت والكهرباء وعدم توافر أوراق للكتابة، يقول الشاعر الفلسطينى :"تغلبت على انقطاع الإنترنت، كنت أول شيء بكتب وبحفظ كتاباتى على هاتفى، وبعد شهر من العدوان كان هناك شبكات إنترنت عامة لم تتضرر من القصف استطعت أن اشترك فيها للتصفح ورؤية الرسائل الضرورية والأخبار، ونشر المواد الجديدة، أما نقص الورق كنت أعوضه بالدفاتر المدرسية الخاصة بأبنائى التى ليست لها ضرورة استصلحها واجمعها واكتب عليها مدوناتى وخربشاتى الأولى حتى لا تندثر الأفكار الجديدة".
وحول الوقت الذى كان يختاره لكتابة قصائده الشعرية لتوثيق الجرائم فى ظل استمرار العدوان، يضيف :" كنت اختلس اللحظة التى فيها هدوء بين خيام النازحين حتى نشعر أن ذاكرتنا بسلام وأكتب، خاصة أن الثقافة هى المقاومة الناعمة وتعبر عن الوجه الحضارى لكتاب فلسطين".
سليمان الحزين يكشف أيضا عن لقاءات كانت تجمع الكتاب والمثقفين فى مراكز النزوح فى غزة قائلا :"نتجمع بشكل يومى فى غزة ونحن نعرف بعضنا جيدا منذ سنوات وغزة ضيقة وكلنا نتواصل مع بعضنا البعض عبر عدة وسائل، وأغلب الكتاب نازحون فى جنوب غزة، واتفقنا على ضرورة أن نواجه القبح الصهيونى بالثقافة ورفع منسوب الأمل لدى الجميع، واتفقنا على مقولة "أنا اكتب أنا موجود"، وتوثيق كل الجرائم وأحداث المقتلة بكتاباتنا وبالفن والثقافة وغرس الانتماء الوطنى الطاهرة فى ذاكرة الناس والحفاظ على زرع الأمل والبقاء فى أرض الأجداد".
ويختتم الشاعر الفلسطينى حديثه :"أتمنى تفعيل المسئولية الإنسانية تجاه ما يحدث فى غزة ويجب على الجميع أن يقف عند مشاعره جيدا، فنحن هنا نباد بشكل جماعى وكلى أمل أن نرفع الصوت عاليا وكسر النظام الظلامى الذى يطوق قطاع غزة منذ عقدين وأكثر ويجب إسقاط فكرة الحصار الثقافى المفروضة على غزة، وهذا نداء من المثقفين والفنانين والمبدعين".