نقلا عن العدد اليومى...
بعدما كانت الشرايين التى تغذى الدولة، وتمنحها ما تحتاجها من الخدمات والخامات، وتوفر لها ملايين الدولارات من تكلفة الاستيراد وتمنحها ملايين أخرى من فوائض التصدير، أضحت شركات قطاع الأعمال العام التى يصل عددها إلى 150 شركة، وتتبع وزارات الاستثمار والتموين والرى، بما تمتلكه من إمبراطورية مترامية الأطراف وأصولا هائلة فى كل المحافظات المصرية، ونحو 300 ألف موظف، عبئًا على الحكومة، وسببًا فى تحميلها المزيد من الديون «المرحلة» التى وصلت إلى 40 مليار جنيه، بدلا من تحقيقها أرباحا تتناسب مع حجم أصولها.
ويعد ملف شركات قطاع الأعمال، أكثر الملفات الشائكة على مائدة الحكومة، بسبب الأوضاع المتردية، وصعوبات انتشال شركاته من مستنقع الخسائر، وهو ما يستلزم تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى، بشكل حاسم، حسبما طالب متابعون ومهتمون بملف الشركات الخاسرة، لوقف نزيف الأموال المهدرة على الدولة.
وتأتى على رأس الشركات التى واصلت خسائرها فى الفترات الأخيرة، الشركات التابعة للشركة «القابضة للصناعات الكيماوية»، ومنها «القومية للأسمنت»، و«ناوربين» و«سيجوارت» و«النقل» و«الهندسة والمحاريث» و«النصر للملاحات» و«كيما» و«الدلتا للأسمدة» و«مطابع محرم»، ومن الشركات الخاسرة التابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، شركة «النحاس» و«النصر للمطروقات» و«النصر للمواسير» و«الحديد والصلب» و«العامة للورش» و«ميتالكو» و«الخزف والصينى» و«الزجاج والبلور» و«إسكندرية للحراريات»، ومن الشركات الخاسرة للقابضة للغزل كل شركات الغزل والنسيج الـ23، والتى تبلغ ديونها وحدها 35 مليار جنيه، ومنيت الشركات التجارية وأبرزها عمر أفندى بخسائر كبرى، ونفس الأمر بالنسبة لشركات الزراعة والرى، وبعض الشركات القابضة للنقل البحرى والبرى، والقابضة للأدوية، والقابضة للسياحة، والقابضة الغذائية التى تتبع وزارة التموين.
وحددت مصادر لـ«اليوم السابع»، أسباب انهيار قطاع الأعمال، مؤكدين أن ذلك يرجع لحماية القانون 203 لسنة 91 الخاص بتنظيم عمل شركات الأعمال للفساد المستشرى فى القطاع، ومخالفة الشركات ذاتها لنحو 10 مواد من القانون، علاوة على كبر سن رؤساء الشركات، حيث تخطى سن البعض منهم الـ80 عاما، إضافة لإهمال القطاع وعدم تحديثه، وعدم تولى الشباب لمواقع المسؤولية فيه، وفتح المجال لرؤساء الشركات لتعيين من يشاؤون بمجالس الإدارات دون الرجوع لتقارير الجهات الرقابية.
وكان المستشار محمد سمير، المتحدث باسم النيابة الإدارية، قال فى تصريحات تليفزيونية سابقة له: «إن هناك بعض القوانين التى تغل يد النيابة فى القيام بدورها والتحقيق فى قضية فساد، ومنها قانون قطاع الأعمال العام»، والذى وصفه بأنه «قانون سيئ ويقيد النيابة عن التحقيق مع الشركات التابعة للشركات القابضة إلا بموافقة رئيس الشركة القابضة، وبفرض فساد هذا الرئيس لن يتم التحقيق فى القضية ويصبح البلاغ معلقا».
وتحصن المادة 53 من قانون قطاع الأعمال، فساد رؤساء الشركات، حيث تنص على أنه «لا يجوز إحالة الدعوى الجنائية إلى المحكمة فى الجرائم المشار إليها بالمواد 116 مكررا و116 مكررا (أ) و116 مكررا (ب) من قانون العقوبات بالنسبة إلى أعضاء مجالس إدارة الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون، إلا بناء على أمر من النائب العام أو من النائب العام المساعد أو المحامى العام الأول، كما تمنع المادة 55 مراقبة العاملين بالشركات ومحاسبتهم دون الرجوع لرئيس الشركة، وتنص على «أنه لا يجوز لأية جهة رقابية بالدولة عدا الجهاز المركزى للمحاسبات أن تباشر أى عمل من أعمال الرقابة داخل المقر الرئيس أو المقار الفرعية لأى شركة من الشركات الخاضعة لأحكام مد القانون إلا بعد الحصول على إذن بذلك من الوزير المختص أو رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة»، دون النظر إلى رد فعل رئيس مجلس الإدارة إن كان متورطا فى الفساد، وهل سيسمح بالتحقيق مع تابعيه أم لا.
وفى حين تنص المادة الأولى من قانون قطاع الأعمال 203 لسنة 91 على أنه يصدر بتأسيس الشركة القابضة قرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المختص، ويكون رأسمالها مملوكا بالكامل للدولة، إلا أن أغلب الشركات تحولت إلى إقطاعيات خاصة وإمبراطورية مترامية الأطراف يعمل بها نحو 300 ألف موظف، وتدار وفق توجهات رؤساء الشركات.
وأوضحت المصادر، أن قوة رؤساء ومجالس إدارات الشركات، وتحكمهم فى قطاعاتهم بشكل كامل مستمدة من المادة 3 من القانون حول تشكيل مجالس الإدارات، والتى لم تحدد مددًا معينة للتجديد لرؤساء الشركات، مما يفتح الباب لبقاء رؤساء الشركات مدى الحياة، وذلك رغم أن الدستور حدد مدتين فقط لتولى رئيس الجمهورية حكم البلاد لمدة 8 سنوات.
ونفس الأمر بالنسبة للمادة 29 التى تنص على أنه يجوز لرئيس الجمعية العامة دعوة الجمعية لاجتماع غير عادى للنظر فى عزل رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة كلهم أو بعضهم أثناء مدة عضويتهم فى المجلس بالرجوع للجمعية، وبأغلبية ثلثى الأعضاء، وهى مادة مفصلة للإبقاء على رؤساء الشركات.
وأوضحت المصادر، أن رؤساء ومجالس إدارات الشركات خالفوا عددًا من نصوص القانون، طوال السنوات الماضية، دون حساب، وعلى رأسها المادة 32 المتعلقة بصرف الأرباح، والتى تنص على أنه يتم صرف أرباح لا تزيد عن %10 من إجمالى الأرباح العامة للشركات، (فى حال تحقيق الشركات أرباحا فقط)، إلا أن الشركات الخاسرة تصرف أرباحا للعاملين بها، وعلى رأسهم الرؤساء وأعضاء مجالس الإدراة، ما بين 4 إلى 10 أشهر سنويا»، فيما تصرف الشركات التى تحقق أرباحا من 18 إلى 24 شهرا مكافآت ومنحًا وحوافز سنوية، بما يمثل 4 أضعاف الراتب الأساسى للعمال، بما يفوق ما يحدده القانون، وهى صرف الأرباح بما لا تتجاوز الـ%10.
ورغم أن المادة 5 من القانون تنص على «أنه يجوز عزل رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة كلهم أو بعضهم أثناء مدة العضوية بقرار مسبب من الجمعية العامة، طبقا لإجراءات المنصوص عليها فى المادة 29 من هذا القانون إذا كان من شأن استمرارهم الإضرار بمصلحة الشركة، كما لا يجوز تجديد تعيين رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة إذا لم تحقق الشركة الأهداف المحددة لها خلال مدة العضوية»، إلا أنه ورغم خسائر الشركات الفادحة لم يتم تطبيقها فى أغلب الحالات.
ومن أبرز مخالفات الشركات للقانون، عدم تفعيل المادة 38 ونصها «إذا بلغت خسائر الشركة نصف رأس المال المصدر وجب على مجلس الإدارة أن يبادر لدعوة الجمعية العامة غير العادية للنظر فى حال الشركة أو استمرارها»، ولكن المادة لم تفعل ولم يتم تصفية الشركات الخاسرة أو التفكير فى دمجها بشركات أخرى لإنقاذها، عدا 5 شركات فقط، ولا تزال تحت التصفية منها «النصر للسيارات» و«الكبريت للمساكن الجاهزة».
وتعد المادتان 45 و46 الخاصتان بإنهاء الخدمة، والمد فوق سن المعاش، من أبرز الأسباب التى أدت لفشل شركات قطاع الأعمال، حيث تنص بنود المادة 45 من القانون 203 على خروج من يبلغ سن الستين، بمراعاة أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، وتنهى الخدمة بسبب عدم اللياقة للخدمة صحيا، وهو أمر غير مفعل لوجود رؤساء شركات تخطو سن الـ80 عاما.
وتنظم المادة 46 الحالات «القصوى» التى يجوز فيها مد خدمة أى من العاملين من شاغلى الوظائف القيادية أصحاب الخبرة الفنية النادرة بعد تجاوزهم سن المعاش، ولا يكون ذلك إلا بقرار من رئيس مجلس الوزراء للعمل بالشركة، ويكون التجديد لمدة من سنة إلى سنتين بحد أقصى، وحسبما أكدت المصادر فإن هذه المادة لا تنطبق.
وأوردت المصادر نماذج عدة لمخالفات جسيمة للمادة 46 فى المد لرؤساء وأعضاء مجالس الإدارة دون اعتبار للقانون ودون العودة لرئيس مجلس الوزراء، فعلى سبيل المثال تم المد لرؤساء الشركات القابضة، وبعض الشركات التابعة لها الذين تجاوزت أعمارهم الـ62 سنة، أبرزهم الدكتور محمد رضا العدل، رئيس القابضة للصناعات الكيماوية والذى يبلغ عمره 81 سنة، حيث ولد عام 1935، والمهندس زكى بسيونى رئيس القابضة للصناعات المعدنية وعمره 74 سنة، ومستشاره عبدالله العوضى وعمره 74 سنة، ونفس الأمر بالنسبة لمحمد يوسف رئيس القابضة للنقل البحرى والبرى، وعادل عبدالحليم رئيس القابضة للأدوية، والدكتور محمد يوسف رئيس القابضة للتأمين.
وتخطى نحو 60 رئيس شركة تابعة لشركات القابضة الثمانى، السن القانونية، وتتراوح أعمارهم من 62 إلى 80 سنة، ومنهم الدكتور شريف محمود الذى أجبر على الاستقالة من شركة «ناروبين»، حيث يبلغ عمره 81 سنة، وسامية زين الدين رئيس شركة النصر للملاحات حاليا وعمرها 74 سنة.
ومن الأسباب الرئيسية لخسائر شركات القطاع العام، انتشار الفساد بها، ومخالفة نص المادة 49 الخاصة بالعقوبات لكل من عبث عمدًا فى نظام الشركة وحملها خسائر، فعلى سبيل المثال تم تعيين محمود سعدون، العضو المنتدب للشركة القومية للأسمنت مستشارًا بالقابضة، رغم أن تقرير لجنة تقصى الحقائق المشكل من الشركة القابضة للصناعات الكيماوية حمّله التسبب فى خسائر بلغت 138 مليون جنيه، وتم التعاقد معه كمستشار حتى خرج على المعاش مؤخرا دون إحالة المخالفات للنيابة العامة.
وكشفت المصادر، أن من ضمن المخالفات، تعيين المهندس عماد الكاشف رئيس شركة سيجوارات السابق، المدان وفق لجنة تقصى الحقائق، مستشارًا بالشركة القابضة للصناعات الكيماوية، كما أقيل أسامة عبدالعزيز من رئاسة شركة المكس، وبعدها تم تعيينه مستشارًا بالشركة القابضة الكيماوية براتب 15 ألف جنيه.
ومن المخالفات التى رصدتها المصادر، إقالة المهندس محمد موسى رئيس شركة الكوك نهاية العام الماضى، بسبب اعتصام العمال ومحاصرة مكتبه، وتعيينه مستشارًا بالقابضة المعدنية لشركة الكوك، واختيار شحاتة مخيمر رئيسا لشركة الكوك رغم خروجه للمعاش قبلها بشهرين، ورغم إقالة المهندس زكى بسيونى، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعندية، لمجلس إدارة الشركة العامة للورش «الترسانة البحرية»، لوجود مخالفات قانونية، إلا أنه عاد وعين رئيسها محمد عبدالعزيز منفردًا مفوضا للشركة.
ومن ضمن المخالفات أيضا، تعيين الدكتور رضا العدل، رئيس القابضة الكيماوية، مفوضا عاما لشركة المراجل، دون عمل، منذ عام، كما قام بتجديد تعيين عدد من مفوضى الشركات، منهم مفوض طناطا للكتان ومفوض سيمو للورق، دون عرض قرارات التعيين على مجلس الإدارة للتصديق عليها، إلا بعدها بأسبوعين، فى مخالفة صريحة للقانون.
وتخالف شركات قطاع الأعمال الخاسرة نص المادة 38 الخاصة بتصفية الشركات الخاسرة، والتى تنص على تصفيتها حال تجاوز الخسائر %50 من رأس المال، ومنها الشركة القابضة الكيماوية، فوفق العام المالى المنتهى فى 30 يونيو الماضى، ومن المخالفات أيضا أن بعض رؤساء الشركات القابضة لا ينطبق عليهم وصف «موظف عمومى» بنص حكم المحكمة، مما يفتح البابا لهروبهم من المساءلة القانونية، حيث رفضت محكمة جنح القاهرة الجديدة الدعوى المقامة من عمال شركات طنطا للكتان وسيمو للورق والمراجل البخارية، وقضت المحكمة برفض الدعوى بعزل وحبس الدكتور محمد رضا العدل رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية باعتباره ليس موظفا عموميا، وهو الحكم الصادر فى 27 يونيو الماضى.
وتخالف مجالس إدارات قطاع الأعمال العام، نص المادة 43 فيما يتعلق بالالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور، المقرر قانونا، وربط الأجر ونظام الحوافز والبدلات والمكافآت وسائر التعويضات، حيث لا يتم تطبيقه لأن %20 من العاملين يتقاضون أجورا فى حدود الـ600 ألف جنيه، فى حين أن الحد الأدنى محدد بـ1200 جنيه.
ورصدت تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات المئات من المخالفات التى ارتكبها المسؤولون عن إدارة شركات قطاع الأعمال، إلا أنه يتم تجاهلها، خاصة فيما يتعلق بمخالفات رؤساء الشركات وملاحظات الجهاز المالية عليها، مما دفع الجهاز للتدخل لتأجيل عقد الجمعيات العمومية للشركات التى كان مقررًا لها 15 سبتمبر للشهر المقبل، لحين الرد على المخالفات المالية، خاصة فى الشركة الشرقية للدخان.
عدد الردود 0
بواسطة:
elpasha
الاستاذ كاتب المقال
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
وبعدين يعيبوا على الخصخصة؟
عدد الردود 0
بواسطة:
أبوحميد
إن كانت هناك نية حقيقية للإصلاح يجب الرجوع الى تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات ورئيسه
عدد الردود 0
بواسطة:
Elmasry
فساد لابد من اصلاحه
عدد الردود 0
بواسطة:
سامى
مطلوب نظرة من السيد الرئيس على هذا الملف الشائك
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
رئيس مجلس ادارة عنده 80 سنة؟
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
وما خفى كان أعظم ......
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن المصري
للاسف شركات تنتج م لا يرغبة او يريدة او يطلبة المستهلكون
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن محمد
والله عندك حق
عدد الردود 0
بواسطة:
قاهر الفئران
من يحمى امبراطورية الفساد فى مصر خاصة اذا كانت الحكومة تملك السلطة التنفيذية والتشريعية ؟!!