وأكد أنه يتفهم جيدا خوف الشارع الأمريكى من أخطار «داعش»، الذى من الممكن أن يقوم بعمليات نوعية، توقع ضحايا من المدنيين بالآلاف، إلا أن الخطر الحقيقى من تنظيم «داعش» كما يرى «أوباما»، هو أن ينجح فى تغيير القيم الأمريكية وإرباك الحياة هناك.
محاولة «أوباما» التقليل من قدرات «داعش» التدميرية، تكرر فى أكثر من مناسبة، وتحديدا عقب تفجيرات باريس، إذ أكد أن الإعلام يزيد من قوة «داعش»، ويظهر التنظيم بصورة المحرك للأحداث، وكأن أفراده متواجدون فى كل مكان.
خبير الإرهاب الدولى «إريك استاك» أكد أن «أوباما» أخطأ فى تقدير حجم خطر داعش، فهو يحاول إقناع الشعب الأمريكى بعدم تغير نمط حياتهم، بسبب ما يمثله التنظيم الإرهابى من تهديد، إلا أن الحياة فى أمريكا تغيرت بالفعل منذ بضعة سنوات، وبخاصة منذ أحداث 11 من سبتمبر، ويكفى الذهاب إلى أى من المطارات الأمريكية.
مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى «جيمس كومى»، قال بدوره فى تصريحات سابقة، إن تنظيم «داعش» لديه شبكات دعم، ومتعاطفون فى كل دولة من دول العالم، وأن الإدارة الأمريكية تراقب ما يقرب من ألف بؤرة بـ50 ولاية، لتهديدات محتملة.
التناقض بين تصريحات عدد من المسؤولين الأمريكيين، وبين «أوباما» حول خطورة تنظيم داعش، أثار حفيظة المحللين السياسيين، الذين تباينت آراؤهم، ما بين كون الرئيس يضلل الشعب الأمريكى بخطبته، أو أنه لا يملك الخبرة السياسية الكافية ليدرك خطورة الأوضاع الراهنة، أو أنه لا يريد القضاء على «داعش» فى الشرق الأوسط.
أصحاب الرأى الأخير يمثلون معارضى السياسة الخارجية، التى تنتهجها الإدارة الأمريكية بوجه عام تجاه منطقة الشرق الأوسط، حيث ترى أمريكا فى المنطقة هدفين لا ثالث لهما، الأول هو النفط، والدول المنتجة له، والثانى هو أمن إسرائيل، ما يعنى أن رفض «أوباما» للقضاء على داعش، يأتى لما تمثله الحركة الإرهابية من تدعيم للمصالح الأمريكية، فمن جهة نجدها تسهل عملية نهب ثروة العراق النفطية، ومن جهة أخرى نجحت فى تدمير أنظمة الدول المحيطة بإسرائيل، دون أن تمس دولة الاحتلال بسوء.
صراع النفط
يجدر الإشارة هنا، إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، يسيطر على ما يقرب من 17% من حقول البترول العراقية، فى حين تتغير نسبة سيطرته على الحقول السورية، وفقا لتقدم وتراجع أفراد التنظيم، أمام قوات النظام السورى، فى حين يحاول «داعش» السيطرة على منطقة الهلال البترولى فى ليبيا، إلا أن مسؤولين من الإدارة الأمريكية، صرحوا بوقوف أمريكا فى صف الحكومة الليبية، فى حالة حدوث ذلك.
ولا نرى فى السياسة الأمريكية الحالية المعلنة ما يشير إلى كون القضاء على تنظيم «داعش» من أولويات الإدارة الأمريكية فى الوقت الحالى، بل إن الحديث عن مواجهة داعش، دائما ما يأتى على خلفية الحرب الباردة بين الجانب الأمريكى والروسى، والتى تتخذ من الأزمة السورية، مسرحا لها.
فهل حقا ترفض أمريكا بذل جهود حقيقية للقضاء على «داعش»؟، أم أن انتشار التنظيم ووضعه على الأرض يفرض تحديات لا قبل للإدارة الأمريكية بها؟ الإجابة على التساؤلات السابقة تطلب العودة بعقارب الزمن إلى الوراء، وتحديدا إلى سبعينيات القرن الماضى، حين تصاعدت وتيرة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية، وقررت الأخيرة الاستعانة بتيارات الإسلام السياسى، لتقليص نفوذ السوفيت، ومحاصرة تيار اليسار فى عدد من الدول.
وكانت من أبرز نتائج ذلك، بروز تيار الإسلام السياسى المتشدد فى مصر، بمساندة الرئيس الراحل أنور السادات، الذى استشهد برصاص الجماعات نفسها، ممن أتاح لأفرادها التوغل فى الحياة السياسية والجامعات، للقضاء على نفوذ الاتحاد السوفيتى فى مصر.
جماعة الإخوان، جاءت من ضمن الجماعات التى دعمتها أمريكا فى تقويتها فى مصر، أو على الأقل، لم تمانع فى صعود نجمها السياسى، وذلك وفقا لأحد الأبحاث المنشورة على موقع مركز دراسات العولمة «جلوبل ريسرش»، الذى أكد أن أمريكا كانت تضع أعينها على التنظيم، منذ حله وملاحقته من قبل نظام جمال عبدالناصر، على خلفية عدد من الأحداث، بجانب محاولة الاغتيال فى المنشية.
يؤكد كاتب المقال أيضا، أنه إلى جانب تقوية التيار الإسلامى السياسى فى مصر، عمدت الإدارة الأمريكية إلى الشىء نفسه مع رئيس إندونيسيا، «أحمد سوكارنو»، أحد مؤسسى حركة دول عدم الانحياز، الذى ساعد فى صعود الحزب الشيوعى، وبات أحد أقوى حلفاء الاتحاد السوفيتى، ورمزا من رموز دول العالم الثالث النضالية، وانتهى به الحال إلى الإقامة الجبرية، لحين وفاته.
وفى أفغانستان، كانت أمريكا تدعم تيارات الإسلام الراديكالى، حتى نجحت حركة «طالبان» الوليدة، بقيادة «الملا عمر»، فى السيطرة على العاصمة كابول عام 1994، ليرعى النظام تنظيم القاعدة، ومجاهديه، الذين بدأوا كمدافعين عن الأقاليم والدول الإسلامية، فى مواجهة بطش الدب الروسى، وانتهوا إلى واحد من أخطر التنظيمات الإرهابية فى العالم.
سجلات القاعدة
حول علاقة تنظيم القاعدة فى بدايته مع الإدارة الأمريكية، يقول «روبن كوك» وزير الخارجية البريطانى الراحل، أن القاعدة كانت تمثل سجلا أو قاعدة بيانات، يحوى آلاف المتشددين المستعدين للقتال، ومن الممكن توجيههم لضرب عمق الأراضى التابعة للاتحاد السوفيتى، تلك كانت رؤية أمريكا عن القاعدة، قبل أن ينقلب السحر على الساحر، فى واحد من أكثر المشاهد الدرامية فى التاريخ الحديث، خلال تفجير برجى التجارة العالميين.
هكذا نرى أن الولايات المتحدة كانت دائما ما ترى فى أعضاء الحركات الدينية الانتهازية المتشددة صيدا سهلا، لتحقيق أغراضها فى حروب الوكالة، وقد قيل إنه خلال الثمانينيات من القرن الماضى، كانت أى محاولة للربط بين الجماعات المتشددة فى دول العالم الثالث، وبين الأفعال الإرهابية، يقابله ضغط من قبل الإدارة الأمريكية لمنعها، حتى إن إحدى سلاسل أفلام «جيمس بوند» الشهيرة جاء دائما فى خلفيتها دولة أفغانستان، وظهر فيها شخصيات لعبت أدوارا لأفراد من القاعدة وطالبان، على أنهم مجاهدون وأصدقاء لأمريكا.
ومنذ بداية إعلان تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» عن نفسه عام 2013، وأصابع الاتهام تشير إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها الراعى الرسمى للتنظيم، سواء بالتحريض المباشر، أو بافتعال الفوضى إبان غزوها للعراق عام 2003، وتصعيد الشيعة مقابل تهميش السنة، الأمر الذى أدى إلى ظهور حركات إسلامية متشددة وعنيفة.
فى حين كانت جماعة التوحيد والجهاد، بقيادة أبومصعب الزرقاوى، واحدة من تلك الجماعات، التى أعلنت عام 2004 بيعتها لتنظيم القاعدة، ليتغير اسمها بعد ذلك إلى تنظيم قاعدة الجهاد فى بلاد الرافدين.
ويرى العالم تنظيم «داعش» كتنظيم إرهابى وحشى، تخطى كل المعايير الأخلاقية والإنسانية فى الأفعال البربرية التى تنسب له، ولا يخجل قادته من تأكيدها، سواء جهاد النكاح، وبيع النساء، والتفنن فى التنكيل بالمخالفين.
يلاحظ أن مراكز الدراسات الموالية للإدارة الأمريكية تقلل من خطر التنظيم الارهابى، فقد نشر موقع «السى إن إن» تقريرا صادرا عن معهد «أمريكان إنتربرايز»، جاء فيه أن جبهة النصرة أكثر خطرا على الولايات المتحدة الأمريكية من تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
وأضاف التقرير المثير للجدل، أن «النصرة» التى هى بقايا لتنظيم القاعدة، استطاعت دمج نفسها فى المجتمع السورى، والمعارضة السورية، وهو ما لم ينجح فيه تنظيم داعش، وأن أى استراتيجية تتجنب القضاء على النصرة، هى استراتيجية فاشلة.
تجنيد «داعش»
فى الوقت الذى تدق فيه عدد من الدول الأوروبية الإنذار، وتحث مواطنيها على ضرورة الانتباه ضد طرق تجنيد «داعش» للشباب والشابات، من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، أصدر البرنامج الخاص بالتطرف التابع لجامعة جورج واشنطن، دراسة أكدت أن عدد أنصار تنظيم «داعش» على الإنترنت تعدوا الـ300 أمريكى، فى حين ذكرت الدراسة أن السلطات الأمريكية ألقت القبض على 51 موطنا فقط بتهمة الاشتباه فى الاتصال بداعش، كما كشفت جريدة الـ«نيويورك تايمز» أن عدد المقاتلين الأمريكيين فى صفوف «داعش»، لا يتعدى الـ225 مقاتلا.
جاءت أولى الضربات الجوية الأمريكية ضد تنظيم «داعش» فى أغسطس من عام 2014، واستهدفت مدينة «أربيل» بالعراق، بعدها توالت الضربات الجوية، والتى شاركت بها عدد من الدول، فى حين واجه الجيش الأمريكى أولى ضرباته ضد التنظيم فى سوريا، خلال شهر سبتمبر من العام نفسه.
ويهاجم الكثير من المحللين السياسة المرتعشة للإدارة الأمريكية تجاه تنظيم «داعش»، مؤكدين أن التنظيم يسهل الإجهاز عليه بواسطة 25 ألف جندى أمريكى فقط، فبرغم قوة «داعش» العددية، التى تتراوح ما بين 30 ألفا، إلى 80 ألف مقاتل، إلا أن أغلب المقاتلين مسلحون ببنادق آلية فقط وأسلحة خفيفة، ما يسهل مواجهتهم بواسطة جنود مدربين وأسلحة حديثة.
وقد ذكر المحلل العسكرى «جايمس ماركس»، فى لقاء سابق له، أن أفضل الطرق لاجتياح العراق بريا ليس بالضرورة الدخول إلى عمق تمركز «داعش»، ولكن من الممكن استغلال المناطق فى الشمال، والقريبة من الحدود السورية، مثل «سنجار» بعد تمكن القوات الكردية من السيطرة عليها، على أن تتحول تلك المناطق إلى قواعد طيران، ومراكز للتدريب والتسليح».
كما يستشهد مؤيدو الرأى السابق بنجاح أمريكا خلال حرب الخليج الثانية، وكذلك خلال غزو العراق، والإطاحة بنظام صدام حسين، وأيضا القضاء على نظام طالبان، ومحاصرة تنظيم القاعدة، خلال اجتياح أفغانستان، وخلال الأمثلة الثلاثة السابقة، كان يتكرر التكنيك، من حيث الغطاء الجوى، والضربات الاستباقية، ثم الاجتياح البرى.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قامت باجتياح أفغانستان، عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001، وذلك للبحث عن أسامة بن لادن، وتدمير تنظيم القاعدة، ومعاقبة «طالبان» على عدم تسليمها بن لادن إلى الجانب الأمريكى.
وقتها كان مقاتلو طالبان يقدر عددهم بـ40 ألف مقاتل، ورغم ما واجهه الجنود الأمريكيون من تغير مناخى، ووعورة التضاريس، فإن قوات الإدارة الأمريكية نجحت فى إسقاط طالبان خلال بضعة أشهر، من خلال إرسالها ما يقرب من 28 ألف جندى.
لكن النصر لم يكتمل، فلم تنجح الإدارة الأمريكية فى الوصول إلى «بن لادن»، إلا بعد ذلك بسنوات، فى حين نجح فلول طالبان والقاعدة فى اللجوء إلى كهوف الجبال، والاختباء، رغم الأسلحة الفتاكة التى قام بإلقائها الجيش الأمريكى، والتى كان بعضها محرما دوليا، وأخرى تمت تجربتها لأول مرة.
غزو العراق
وقد سبق غزو الولايات المتحدة للعراق، عدد من العقوبات الدولية التى فرضت على نظام صدام حسين، بزعم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، والتى امتدت لعشرات السنوات قبل الغزو، ما ترك البلاد فى حالة من الإنهاك واستنزاف الموارد.
فى حين اجتاحت أمريكا العراق بما يقرب من الـ250 ألف جندى، إضافة إلى قوات بريطانية، وذلك عقب إعطاء جورج بوش الابن، مهلة لصدام حسين وعائلته، لمغادرة البلاد، وتسليم أسلحة الدمار الشامل، ولم تصمد الحكومة العراقية أكثر من ثلاثة أسابيع، قبل أن تسقط فى يد القوات الأمريكية البريطانية، ليتم حل الجيش العراقى، وتبدأ حلقة أخرى فى نهب خيرات العراق، والسعى لتقسيمه.
ونقلت الوكالة الروسية تصريحات لكل من الحكومة العراقية والولايات المتحدة، تؤكدا عدم نية التدخل البرى، للقضاء على تنظيم «داعش»، حيث أكد وزير الدفاع العراقى «خالد العبيدى»، أن القوات العراقية وحدها ستقوم بدور تحرير الأراضى من يد «داعش»، فى حين أكد الرئيس الأمريكى «باراك أوباما»، أن التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش» لن يقوم باجتياح برى فى الوقت الراهن.
أغلب الظن أن الرئيس «باراك أوباما»، لا يسعى للتورط فى حرب برية، قبل انتهاء مدة ولايته، لكن لماذا دائما ما باتت تعكس التصريحات الأمريكية لكبار مسؤولى البيت الأبيض نوعا من الاطمئنان، حول السيطرة على ما يمثله «داعش» من تهديد للأمن الأمريكى، ولماذا لم تؤد الضربات الجوية الأمريكية حتى الآن ضد التنظيم فى العراق إلى القضاء عليه؟
ربما تتخطى الإجابة قدرة «داعش» على المناورة، والتكيف مع استمرار الضربات، وربما تتمثل الإجابة فى وجود مصالح لدول كبرى، على رأسها الولايات المتحدة، التى يبدو أن من مصلحتها استمرار «داعش» فى ثلاث من الدول الشرق أوسطية المهمة، حيث توقف بما تسببه من فوضى محاولة تلك الدول فى النهوض بشعوبها، وإقامة نظام جديد مستقر.
موضوعات متعلقة..
- بالصور.. "داعش" يذبح 3 عراقيين بتهمة محاولة الانضمام للقوات العراقية
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن عبد الله
حد يفتل ضناه برضه
فوق