أنهى الجنرال ميشال عون، اليوم الإثنين، أكثر من عامين على فراغ منصب رئيس الجمهورية الذى عاشته لبنان، منذ مايو عام 2014، بعد فشل الكتل السياسية في الاتفاق على مرشح يخلف الرئيس المنتهية ولايته، ميشيل سليمان، وفاز "عون" بالاكثرية المطلقة من عدد أعضاء مجلس النواب، وحصل على 83 صوتا مقابل 36 ورقة بيضاء وسبع أوراق ملغاة، وصوت واحد للنائبة ستريدا طوق.
وينص الدستور اللبنانى على أن يكون رئيس الجمهورية من الطائفة المسيحية المارونية، ورئيس الوزراء مسلما سنيا، ورئيس مجلس النواب مسلما شيعيا.
من هو ميشال عون؟
ولد ميشال عون (81 عاما)، وترعرع فى عائلة مارونية متوسطة الحال فى منطقة حارة حريك فى الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. أنهى دراسته الثانوية فى مدرسة "الفرير أو الأخوة" عام 1955، مدرسة اعتاد ارتيادها أبناء الطبقة البرجوازية فى بيروت، وتميّز بمستواه العالى فى اللغة العربية. انضم إلى الأكاديمية العسكرية كضابط متمرن وتخرج منها بعد ثلاث سنوات كضابط مدفعية فى الجيش اللبناني.
تسلق "الجنرال"، وهو اللقب الذى يطلقه عليه مؤيدوه والمؤمنون بحركته السياسية، سلّم الطبقات الاجتماعية عندما كرس حياته المهنية للسلك العسكري. وخلال تدرجه فى المؤسسة العسكرية، أبهر "عون" مدربيه، تخصص فى سلاح المدفعية، وتم إرساله ضمن بعثات خارجية، خاصة إلى فرنسا والولايات المتحدة، لاستكمال تدريبه.
بعد تدرجه فى السلك العسكرى وخدمته فى العديد من المناطق اللبنانية، ومع اشتداد وتيرة الحرب الأهلية اللبنانية، عين ميشال عون عام 1983 قائدا للواء الثامن فى الجيش اللبنانى. وقام مع مجموعته بصد هجوم ميليشيا الزعيم الدرزى وليد جنبلاط وميليشيات أخرى موالية للنظام السورى فى منطقة سوق الغرب المطلة على كامل بيروت الجنوبية، والتى كان سقوطها يهدد وجود الدولة اللبنانية.
عميد الساحة السياسية اللبنانية، ميشال عون، متزوج من نادية الشامى وله منها ثلاث بنات: ميراى وكلودين وشانتال. ولد عام 1935، قبل استقلال بلاد الأرز عام 1943. وتمكن عبر انتخابه من الثأر من التاريخ والعودة منتصرا إلى القصر الرئاسى فى "بعبدا". هذا القصر الذى طرد منه فى أكتوبر 1990 على يد الجيش السورى عندما كان رئيسا لحكومة عسكرية، واقعة أجبرته على العيش 15 عاما فى المنفى الفرنسى قبل أن يعود إلى لبنان عام 2005 ويفرض نفسه مجددا كزعيم لإحدى أبرز القوى السياسية المسيحية فى بلده.
أصغر قائد للجيش اللبنانى
وصل عون إلى قيادة الجيش اللبنانى عن عمر 49 عاما، ليصبح بذلك أصغر ضابط يتولى هذا المنصب فى تاريخ الجمهورية اللبنانية. ظروف الحرب الصعبة المرافقة لتوليه هذا المنصب دفعته إلى تعزيز ما تبقى من مواقع للجيش اللبنانى فى المناطق المحايدة. كل ذلك، فى بلد يعيش تحت رحمة الميليشيات وتحت احتلال جيشين أجنبيين (إسرائيل وسوريا).
فى 22 سبتمبر عام 1988، قام الرئيس المنتهية ولايته أمين الجميل، بحل حكومة "سليم الحص" وعين مكانها حكومة عسكرية برئاسة ميشال عون من ست وزراء، ثلاثة وزراء مسيحيين وثلاثة مسلمين. ومدعوما من سوريا، أعلن الحص أن هذه القرارات غير شرعية، وبالتالى أصبح للبنان حكومتان واحدة مدنية مكونة من غالبية مسلمة فى غرب بيروت والأخرى مكونة من غالبية مسيحية فى شرق بيروت.
ميشال عون، لاعب أساسى فى حقبة نهاية الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، واعتُبر بطل الكفاح ضد مرحلة الوصاية السورية حتى عودته من المنفى عام 2005، هو أيضا مهندس التحالفات الخارجة عن المألوف إثر مواقفه السياسية التى تلت عودته والتى ربطته بحلفاء سوريا وعلى رأسهم حزب الله.
وعارض عون اتفاق الطائف (وقع فى مدينة الطائف السعودية عام 1989) الذى سعى لإنهاء الحرب الأهلية. متهما كل من وافق عليه بالخيانة والخضوع للإملاءات السورية، ولاحقا، اتضح أن هذا الاتفاق جرّد منصب رئيس الجمهورية من غالبية صلاحياته.
خرج "عون" من المعركتين ضعيفا عسكريا ومعزولا دوليا. ووقع "الجنرال الثائر" خارج الخارطة السياسية الأمريكية، التى قامت بمكافأة سوريا لانضمامها إلى التحالف الدولى ضد صدام حسين فى حرب الخليج الأولى، عبر إعطائها الضوء الأخضر باقتحام المناطق المسيحية وبالتالى إطلاق يدها فى لبنان.
عودة من المنفى بباريس إلى لبنان عام 2005
بعده جغرافيا عن لبنان، لم يؤدِّ إلى تراجع شعبية "الجنرال" رغم المحاولات السورية لتهميش المسيحيين وحرمانهم من زعيم مستقل. حافظ ميشال عون على تواصله مع أنصاره وقام بتأسيس "التيار الوطنى الحر"، وهو حزب سيادى ناضل من أجل خروج 35 ألف جندى سورى من لبنان.
عام 2001 تغير الوضع الإقليمى مع إعلان الولايات المتحدة بقيادة جورج بوش الابن الحرب على الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر، وتعيين بشار الأسد خلفا لوالده الراحل حافظ وتصنيف سوريا ضمن دول محور الشر. كل هذه المعطيات الجديدة دفعت "بالجنرال" إلى الخروج عن صمته، وشهد عام 2003 أمام الكونغرس الأمريكى ضد النظام السورى، الذى خضع لاحقا لعقوبات أدرجت تحت ما سمى بقانون "محاسبة سوريا".
لعب ميشال عون دورا أساسيا فى تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عام 2004، القرار 1559 الذى يقضى بانسحاب القوات السورية من لبنان. مطلب تحقق فى أبريل 2005 بفعل المظاهرات الضخمة التى شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وفتح الطريق أمام عودة مظفرة لـ"ميشال عون" إلى لبنان، ولكن هذه المرة بملابس مدنية.
بعد صدور العفو عنه من قبل القضاء اللبنانى، عاد ميشال عون فى مايو 2005 إلى بيروت للمشاركة فى الانتخابات التشريعية. لكنه فشل فى الاتفاق مع التحالف الجديد المناهض لسوريا على تقاسم الكعكة الانتخابية. وبخطوة براجماتية، تحالف عون مع أعداء الأمس، أى الموالين لسوريا، تحت ذريعة طى صفحة الماضى وانتهاء الاحتلال السورى. خطوة أثارت حينذاك إرباكا كبيرا لدى العديد من مؤيديه.
فى فبراير 2006، وقع عون "ورقة تفاهم" مع حزب الله، الحليف القوى لدمشق، هذا التحالف السياسى بين القوتين السياسيتين ومناصريهما، سمح له بقلب الطاولة وتغيير المشهد السياسى اللبنانى، وإحباط مخططات الأغلبية الحاكمة بقيادة السنى سعد الحريرى.
خصومه السياسيون باتوا يتهمونه بتوفير غطاء مسيحى لتيار سياسى- عسكرى موالى لإيران "حزب الله"، تيار اتهم الكثير من أعضائه من قبل المحكمة الدولية، بالضلوع فى اغتيال رفيق الحريرى.