كثيرًا ما تجد نفسك أمام مفترق طرق، وخيارين أحلاهما مر، ولا تجد منفذًا للنجاة إلا عبر قاعدة "أخف الضررين"، لتخلص إلى نتيجة تقلل الخسائر قدر الإمكان، وتحفظ حقوق الجميع قدر الإمكان أيضًا، وهذا المفترق الحاد هو ما تقف أمامه الصحف وصناعة الصحافة الآن، إذ فى ظل ما تشهده سوق النشر من ارتفاع متواصل فى أسعار مستلزمات الطباعة، من أوراق وأحبار، ومخاطبة المطابع لإدارات الصحف بمضاعفة أسعار الطباعة، أعلن عدد من رؤوساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف المصرية عن اضطرارهم لزيادة أسعار بيع النسخ الورقية لصحفهم، مؤكدين أن استمرار بيع الصحف بالسعر الحالى سيكبدهم خسائر فادحة ولن يمكنهم من الاستمرار، ما سيؤال بهم فى النهاية إلى الخروج من السوق والغياب عن القارئ.
على جانب مقابل، ناشد عدد من مسؤولى الصحف والإصدارات الورقية، الرئيس عبد الفتاح السيسى، بالتدخل لإنقاذ المهنة وصناعة الصحافة فى مصر، مطالبين الحكومة ورجال الأعمال بإنشاء مصانع للورق فى مصر، للمساهمة فى تقليل تكلفة طباعة وإصدار الصحف الورقية، بما يقلل من تأثرها بمستويات الأسعار الدولية وبورصة الدولار فى العالم.
رئيس تحرير"الوفد": زيادة أسعار الصحف بمعدل يحقق التوازن
فى البداية، أكد سيد عبد العاطى، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة الوفد، أنه هناك اتجاهًا لزيادة أسعار بيع الصحف الورقية بمعدل يحقق نوعًا من التوازن بين القارئ والجريدة، مشيرًا إلى أنهم لم يتفقوا على سعر محدد أو قيمة للزيادة حتى الآن، بينما تضاعفت تكلفة الطباعة، وأنهم طالبوا بعقد لقاء مع المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، لشرح مشكلات الصحافة والصعوبات التى تواجهها بعد زيادة أسعار الورق.
وأضاف "عبدالعاطى" فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع"، قائلا: "لا يوجد حل آخر غير الزيادة، أو تدخل الدولة لدعم الصحافة الورقية، هذه الصناعة يعمل فيها 50 ألف شخص، منهم 20 ألف صحفى، ما بين أعضاء نقابة أو صحفيين غير نقابيين"، مشيرًا إلى أن المؤسسات الصحفية القومية تحقق خسائر مرعبة، وتتحمل تكاليف ضخمة للغاية، مناشدًا الرئيس عبد الفتاح السيسى بالتدخل لإنقاذ المهنة وصناعة الصحافة بشكل عام، التى يعمل فيها عدد ضخم، ليس من الصحفيين فقط، بل من العمال والمهن البسيطة.
رئيس تحرير"روزاليوسف": استمرار السعر الحالى سيحقق خسائر فادحة
فى السياق ذاته، رأى عصام عبد الجواد، رئيس تحرير جريدة "روزاليوسف"، أن زيادة أسعار بيع الصحف هى الحل الوحيد للتعامل مع أزمة الارتفاع الحاد فى أسعار الورق والأحبار وتكاليف الطباعة، ولا يوجد حل آخر لإنقاذ صناعة الصحافة وسوق الطباعة والنشر.
وأوضح "عبد الجواد" فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع"، أن تقليل عدد صفحات الجرائد سيؤثر على القارئ وما يحصل عليه من خدمه، لأنه لن يعطيه المادة الكافية التى تغطى مجالات اهتمامه ومختلف جوانب الشأن العام، متابعًا: "كل الأسعار زادت، والصحيفة سلعة مثل أى سلعة أخرى، ولن تستطيع الاستمرار إلا بالزيادة، واستمرار بيع الصحف بالسعر الحالى سيحقق خسائر فادحة".
وأشار رئيس تحرير جريدة "روزاليوسف" فى تصريحه، إلى أن زيادة أسعار الورق والطباعة أمر كارثى على سوق الطباعة بشكل عام، وعلى الصحف المصرية على اختلافها بشكل خاص، مطالبًا الدولة بالتدخل لدعم الورق، وإيجاد حلول عملية واستثمارية لتصنيع الورق فى مصر، والتوسع فى إنشاء شركات لتصنيع الورق، مستطردًا: "الصحافة ليست سلعة عادية، ولكنها خدمة تقدم للقارئ مادة ثقافية وتنويرية، والثقافة لا تقاس بالمال، إذ تساهم فى تكوين الرأى العام وإحاطته علمًا بكل شىء، إضافة إلى وصياغة الهوية المصرية والدفاع عنها، وأى زيادة فى سعر الدولار تؤثر على سعر الورق وتهدد سوق الصحافة وإمكانية توفير خدماتها للقارئ، ولا بد من إيجاد حل لذلك".
رئيس "دار المعارف": زيادة أسعار بيع الصحف ضرورة لا مفر منها
وطالب الكاتب سعيد عبده، رئيس مجلس إدارة "دار المعارف" فى تصريحه، المجلس الأعلى للصحافة باعتماد الأسعار الجديدة التى تقدم بها رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية، مشيرًا إلى أنه كان هناك اتجاه لزيادة أسعار بيع الصحف القومية لتتراوح الأسعار بين ٣ و٤ جنيهات.
رئيس مجلس إدارة "الأسبوع": ارتفاع أسعار مستلزمات الطباعة اعتداء على الثقافة
على الصعيد نفسه، أكد الكاتب الصحفى محمود بكرى، رئيس مجلس إدارة جريدة "الأسبوع"، أن هناك مأساة تعانى منها الصحف والمؤسسات الصحفية، سواء كانت حكومية أو حزبية أو خاصة، وأن الحل الوحيد لمواجهة أزمة زيادة تكلفة الطباعة وارتفاع أسعار الأوراق والأحبار، هو تدخل الحكومة لدعم المؤسسات الصحفية جميعًا، وألا يتوقف دعمها على المؤسسات القومية فقط، بحجة أنها تابعة لها، وعليها دعم المؤسسات الحزبية والخاصة.
رئيس تحرير "فيتو": يجب اعتبار الورق قضية أمن قومى مثل الخبز
بدوره، قال الكاتب الصحفى عصام كامل، رئيس تحرير جريدة "فيتو": "أتصور أن بلدًا تبلغ الأمية فيه نسبة كبيرة كالمجتمع المصرى، ويعانى من أزمات ثقافية ومعركة على الهوية، عليه اعتبار الورق قضية أمن قومى مثل الخبز، إذ إن صناعة الثقافة تعتمد فى الجزء الأكبر على الورق، سواء ارتبط بدور النشر ومؤسسات التصنيع الثقافى، وصولاً إلى المطبوعات المعروفة والصحف، التى تأتى كأبر خاسر من هذه الزيادة، وعلى الدولة التعامل مع الصحف على أنها واحدة من أدوات التنمية فى مصر".
وأشاف رئيس تحرير "فيتو" فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع": "أتصور أن من أراد رفع الجمارك فى فترة من الفترات عليه مراجعة نفسه الآن، غذاء العقل مهدد بقوة، ولا أفهم لماذا لا تصدر الدولة قرارًا بإعفاء الورق من الجمارك، والتخلص من كل المعوقات التى تعترض طريق دور النشر والمؤسسات الصحفية".
المجلس الأعلى للصحافة يخاطب المؤسسات القومية لتخفيض نفقات الإنتاج
على الجانب المقابل، أكد الكاتب الصحفى صلاح عيسى، الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، أن المجلس سيدرس طلبات رؤوساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية، التى رفعوها له مؤخّرًا، بشأن زيادة أسعار بيع الصحف.
وأضاف صلاح عيسى فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع"، أن المجلس خاطب المؤسسات الصحفية القومية لتخفيض نفقات الإنتاج بقدر الإمكان، خاصة فيما يتعلق بالبنود التى تتطلب إنفاق عملات أجنبية، موضّحًا أنهم سيناقشون زيادة أسعار بيع الصحف على ضوء الوضع الاقتصادى للمؤسسات، وأن هناك عددًا من الاقتراحات بشأن التعامل مع أزمة زيادة أسعار الورق والطباعة، منها تخفيض عدد الصفحات، وتغيير نوع الورق، وتخفيض الصفحات الملونة، وتحريك السعر بنسبة غير زائدة على قدرة القارئ.
واختتم الكاتب الصحفى صلاح عيسى، الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، تصريحه قائلا: "حريصون على عدم تكلفة القارئ ما لا يطيق، زيادة أسعار بيع الصحف ستكون بشكل متوازن ومعقول، ومن الممكن أن يتحمله القارئ فى ضوء الغلاء المتسارع".