اتفاقية تلو الأخرى يطبق عليها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب السياسات التى وعد بها قبل انتخابه فى نوفمبر الماضى، ينسحب من اتفاق كاتفاق باريس حول المناخ، وآخر يلغيه بجرة قلم مثل اتفاق تطبيع العلاقات مع كوبا، ما آثار التساؤل حول مصير "الاتفاقية النووية" الموقعة مع طهران فى يوليو 2015، والتى توعد ترامب بتمزيقه، وأصبح السؤال: هل سيحين دوره؟
على مدار الأسابيع الماضية، لم تتمكن الدوائر السياسية فى إيران اخفاء مخاوفها المتزايدة، عقب انسحاب ترامب من اتفاق المناخ مطلع يونيو الجارى، وعبرت إيران عن قلقها، فعقب خرق اتفاقية المناخ، وجه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمى، انتقادات حادة للإدارة الأمريكية، مشددا على ضرورة عدم المساس "بالاتفاقيات الدولية" داعيا المجتمع الدولى لإجبارها على تنفيذ الالتزامات الدولية، فى إشارة مبطنة أيضا باتفاق طهران النووى.
وما يفاقم تلك المخاوف، العقوبات التى تفرضها إدارة الرئيس الأمريكى منذ بداية ولايته، ففى 4 فبراير العام الجاري فرضت جزمة عقوبات اقتصادية على طهران عقابا لها على إجراء تجربة صاروخ باليستى، كما أضافت قائمة جديدة من العقوبات بسبب برنامج الصواريخ الباليستية فى 18 مايو الماضى وتزامنت مع الانتخابات الرئاسية، تبعتها 4 حزم من العقوبات غير النووية أقرها مجلس الشيوخ الأمريكى بالإجماع فى 15 يونيو الجارى أيضا، لردع نفوذ طهران الإقليمى.
وزير خارجية إيران ونظيره السابق جون كيرى خلال المفاوضات النوويى 2015
وبغض النظر عن انتهاك العقوبات للاتفاق أو لا، فان الإدارة الأمريكية رغم تهديدها بتمزيقه ومراجعته، إلا أنها أظهرت فى مناسبات مختلفة قبولها له، ما يعنى أنها ترغب فى أن يكون هدفها منه الابقاء على شعرة معاوية التى تربطها بطهران، وكارت تستغله للضغط على النظام فى إيران السنوات المقبلة بما يتفق مع سياساتها الصارمة مع طهران بعكس إدارة سلفه أوباما.
ترامب
وإذا قارنا بين الاتفاقية النووية والاتفاقيات التى وقعتها الإدارة الأمريكية السابقة، فالاتفاق النووى يمثل أهمية أكبر لدى الإدارة الأمريكية عن اتفاقية المناخ أو اتفاق تطبيع العلاقات أحادى الجانب مع كوبا، تتمثل تلك الأهمية فى كبح جماح نفوذ طهران المتمدد فى المنطقة ووأد أنشطتها النووية، كما أنه يعد وثيقة دولية ملزمة لـ 6 أطراف غربية (مجموعة 5+1) مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس أمن الأمم المتحدة، وهى الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا، ما سيضع الولايات المتحدة فى حرج حال الاخلال بها ومنح طهران الذريعة للتوسيع نشاطاتها النووية.
لذا يمتلك صناع القرار فى إيران قناعة، بأن ترامب لن يمزق هذا الاتفاق لأن الهدف الأساسى بالنسبة له ردعها بحسب مراقبين فى طهران ودراسات حديثة أكدت على أن عهد ترامب سيصل فيه الخطاب العدائى ذروته من الطرفين، وسوف يركز على جانب حقوق الإنسان فى هذا البلد، لكن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تكون قادرة على إلغائه أو عدم الالتزام به، كما أن طهران لن تحرقه ولن تمنح ترامب الذريعة بذلك، وتراقب عن كثب تحركات الإدارة الأمريكية تجاهها.
حسن روحانی
ويلقى الملف النووى وصراع طهران مع ترامب بظلاله على المشهد الداخلى المشحون بالمتنافس بين التيارات والأجنحة السياسية، ففى وقت يحاول فيه روحانى إدارة العلاقات الأمريكية الإيرانية المضطربة بحنكة، والتعامل مع إدارة ترامب بحذر، والالتزام بتطبيق الاتفاق على المنشآت النووية، والحصول على مكاسب الاتفاق ومواصلة رفع العقوبات الدولية، وتحديث الأسطول الجوى بطائرات أمريكية جديدة طراز A320 و A330 و -XWBA35، لإظهار نتائج الاتفاق النووى للجماهير الإيرانية، تثير هذه السياسات غضب المتشددين المتعطشين للصدام مع "الشيطان الأكبر" واحراق الاتفاقية ويأتى على رأسهم مؤسسة الحرس الثورى ورجال الدين المحافظين المتشددين، لكن بالنهاية لن تتمكن هى الأخرى من تحريك الاتفاق.