قيادات وضباط كبار فى السجن وجيش مضطرب، وحالة طوارئ تفتك باستقرار البلاد، ومعارضين كممت أفواههم وأقلام قصفت، هكذا تحول المشهد فى تركيا بعد عام من تحرك الجيش للإطاحة بحكم الرئيس التركى، فمنذ يوليو 2016 بدأ النظام حملة تطهير داخل الجيش، تم على إثرها مؤخرا فصل 7 آلاف ضابط و150 لواء من الخدمة.
التنكيل بالجيش التركى على يد نظام إردوغان لم يقف عند الاقصاء من المؤسسة العسكرية، بل امتد إلى عملية اعتقالات تعسفية لم تتوقف على مدار العام الماضى، حيث اعتقل النظام 50 ألفا و510 أشخاص من بينهم 169 برتبة جنرالا و7 آلاف و9 برتبة عقيد و8 آلاف و815 فرد أمن، بالإضافة إلى 24 واليا و73 نواب و116 محافظا 2431 قاضيا ومدعيا عاما.
وعاشت المؤسسة العسكرية التركية العام الماضى أسوء عصور القمع فى تاريخها المعاصر، بين حملات تصفية وتسريح واعتقالات متواصلة وملاحقات قضائية، وممارسات قمعية فى الداخل، ما دفع العديد منهم بطلب اللجوء السياسى مع عوائلهم إلى ألمانيا فى نوفمبر الماضى، إلى الخارج هربا من بطش النظام وإذلاله للجنود والضباط، واعتراضا على إشراك تلك القوات فى عمليات عسكرية ونوعية خارج حدودها فى شمال العراق وسوريا وتعرضهم لهزائم منكرة فى تلك العمليات ومقتل العديد منهم، ما أثار هذا التساؤل فى الأذهان وهو من يقود هذا الجيش؟.
عمليات السحل طالت جنرالات الجيش التركى
وبحسب مراقبون، فإن الجيش التركى بعدما تم التنكيل به على مدار عام، وبعد فصل الجنرالات الكبار والقادة البارزين، أصبح جيشا قوامه المرتزقة والمقاتلين السابقين فى داعش، فهذه العناصر الوحيدة التى وثق فيها نظام إردوغان، بعد أن منح لها ملاذا آمنا، وفتح لها معابر بلاده إلى سوريا والعراق للقتال الدائر هناك وتنفيذ المخططات الشيطانية والمهام القذرة لنظام العدالة والتنمية فى الشرق الأوسط.
وحاول النظام التركى أن يتخلص من الأكراد للقضاء على دولتهم المزعومة على الحدود شمال سوريا، فأرسل مرتزقته فى أغسطس العام الماضى، وأطلق ما أسماها عمليات "درع الفرات"، كما وتوغل شمال العراق، إلا أن دوره لم يكن مقبولا لدى الحكومة العراقية أو السورية، بالإضافة إلى أن القوات التركية لم تتمكن من حسم المعركة ومطاردة عناصر داعش التى زعمت توغلها فى الأراضى العراقية لتطهيرها من هذا التنظيم الإرهابى.
ويرى المراقبون أن الجيش التركى رغم أنه يعد ثاني قوة في حلف شمال الأطلسي من ناحية العدد، إلا أنه غير قادر على إدارة حرب فى العراق أو سوريا، فقد أرتكبت قواته أخطاء فادحة خلال غاراتها الجوية على الأحياء المكتظة بالمدنيين في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، شمالي سوريا، ما تسبب بوقوع مجازر راح ضحيتها المئات من المدنيين بين قتيل وجريح وفقا للتقارير التى يعدها المرصد السورى.
تاريخ المؤسسة العسكرية التركية تثير قلق إردوغان
ومنذ عام 2002 أصبحت المؤسسة العسكرية التركية التى يحفل تاريخها بالانقلابات فى البلاد، بعد تنفيذها 4 انقلابات عسكرية وأجبار السياسيين على الاستقالة، وتعامل دائما على أنه الحارس الأوحد للديمقراطية العلمانية الذى لا يخضع للمُساءلة، وتمتعه بسطوة كبيرة على الشئون السياسية فى البلاد، كل ذلك أثار مخاوف إردوغان من تكرار التاريخ، فأخد يحصن نفسه من الجيش الذى أصبح أيضا يثير قلق الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" ومصدر خطر على سياساته المستقبلية.
الجيش التركى
وحاول أردوغان تقليم أظافر الجيش، ووضع نصب عينيه تقليل دوره فى الحياة السياسية، لذا عيين نجدت أوزيل رئيسا لهيئة الأركان المسلحة فى 2011 ، وهو أحد الرجال المخلصين له، وبعدها شهدت العلاقات بين أردوغان والقوات المسلحة التركية بعض التحسن، لاسيما بعد أن منح أردوغان الضوء الأخضر للجيش لشن حرب ضد المتمردين الأكراد، واستغل أن النزعة الانفصالية الكردية تعتبر خطّا أحمر بالنسبة للقوات المسلحة، فتلاقت هنا أهداف الطرفين.