العلاقة بين الإخوان وشيعة إيران ليست وليدة اللحظة، بل منذ تأسيس حسن البنا للجماعة.. هى علاقة الغامض فيها أكثر من الظاهر، والخفى أكثر من المكشوف، لذلك تجد المعلومات التى تنشر عن اللقاءات التى تتم بين "الإخوان والشيعة" قليلة للغاية.
مؤخرا التقى إبراهيم منير أمين التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، وجمال بدوى مدير مؤسسة الإعلام الإسلامى فى كندا التابعة للجماعة، بمحسن الأراكى مستشار على خامئنى مرشد الثورة الإيرانية، وعضو سابق فى مجلس خبراء القيادة فى إيران، وأحد أبرز علماء الدين الإيرانيين، وذلك فى لندن.
اللقاء الذى أثار جدلا واسعا، يأتى فى وقت أزمة قطر مع مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وتصاعد الأزمة الداخلية لجماعة الإخوان وتصاعد وتيرة الانشقاقات التى تشهدها بين مجموعة محمود عزت القائم بأعمال مرشد الجماعة، ومحمد كمال عضو مكتب الإرشاد الذى أعلنت وزارة الداخلية مقتله.
ووفقا لعدد من المواقع الإيرانية فإن اللقاء الذى لم ينشر عنه أى أخبار عبر مواقع الإخوان، بحث فكرة التقارب بين المذاهب الإسلامية، إلا أن مراقبين للشأن بحركات الإسلام السياسى كشفوا أن هذا اللقاء بحث فكرة تدريب شباب الإخوان لتكوين مليشيات تشبه لحد ما الحرس الثورى.
هشام النجار الباحث فى شئون حركات التيار الإسلامى، علق على هذا اللقاء، قائلا :"هذا التوجه بالتنسيق مع قطر التى تستقوى فى الوقت الحالى بشكل واضح ومعلن بإيران على الدول العربية والخليجية، وهناك استراتيجية قائمة بالفعل يجرى استكمالها فى سياق محاولة الهروب من أزمة المنظمات الإرهابية المدعومة والممولة منها وعلى رأسها تنظيم الإخوان".
وأضاف "النجار": "هذه الاستراتيجية تتلخص فى إثارة الصراعات الطائفية وتأجيج الفتن المذهبية واستدعاء نفوذ إيران إلى المنطقة العربية بكل إرثه التاريخى المثقل بالحروب والصراعات، بغرض تفكيك الواقع العربى على أساس مذهبى".
وتابع قائلا :" سعت جماعة الإخوان لذلك، وهى فى السلطة برعاية قطرية وتركية وهى ذاتها السياسة القطرية التى تقوم على مغازلة أطماع إيران التوسعية والتماهى معها على جميع المحاور أملا فى أن يحقق ذلك ما تصبو له الإخوان وقطر، من إضعاف وتفكيك لبنية الدول العربية ومؤسساتها، لأنه ما دامت الدول العربية حاضرة بنفس قوتها وتماسكها، فلن تحقق قطر ولا جماعة الإخوان اللتان تعانيان من عقدة الضحالة والنقص، ما تريدانه.
من جانبه قال أحمد العنانى الخبير فى شئون العلاقات الدولية، إن قطر تلعب دور الوساطة مابين الإخوان وإيران، وهذا اللقاء يدل على أن هناك سياسة جديدة للجماعة تعتمد على تنامى دور إيران فى المنطقة على حساب الدول الأربع، خاصة دول الخليج لتأجيج المنطقة وإدخالها فى صراع مذهبى وطائفى.
وأضاف الخبير فى شئون العلاقات الدولية أن الاستقواء بإيران فى هذا الوقت هو مخطط قطرى ايرانى يعتمد على سياسة تقريب المذاهب السنية والشيعية بحجة تقارب وجة النظر فى اختلاف الأديان.
فيما قال طارق البشبيشى القيادى السابق بجماعة الإخوان، إن علاقة الإخوان بإيران تاريخية، خاصة بعد الثورة الإسلامية والإخوان رحبوا بقيام ثورة الخمينى وساندوها، ومن المعلوم أن أول طائرة هبطت على مطار طهران بعد ثورة الخمينى كانت طائرة تحمل داخلها قيادات التنظيم الدولى الإخوانى، وعلى رأسهم القيادى يوسف ندا، وأيام حكم الإخوان لمصر كان التنسيق بين الجماعة وطهران على أعلى مستوى، وتوجت هذه العلاقة بزيارة الرئيس السابق أحمدى نجاد لمصر، وزيارته للأزهر الشريف وكلنا يتذكر تلويحه بعلامة النصر من داخل الأزهر .
وأوضح "الإخوانى المنشق"، أن هناك معلومات مؤكدة عن طلب الإخوان من الإيرانيين تدريب مليشيات إخوانية لتكون استنساخ لما يسمى الحرس الثورى الإيرانى، ولكن فى مصر لحماية سلطة الإخوان، وتحقيق التمكين، فليس من المستغرب أن تمتد الزيارات والتنسيقات حتى هذه اللحظة.
فيما علق محمد جاد الزغبى الباحث الإسلامى، المتخصص فى شأن الشيعى، على اللقاء الذى تم بين القيادى الإخوانى إبراهيم منير، وأحد كبار قيادات الشيعة بإيران فى لندن، قائلا :"هذا اللقاء يعيد للأذهان الاندماج والتواصل التاريخى بين جماعة الإخوان والشيعة فى إيران، وهو تواصل واتصال يعود لحسن البنا نفسه مؤسس جماعة الإخوان، والتواصل بين الجماعة والشيعة كان تواصلا شبه عقائدى لأنه تم فى فترة ما قبل الثورة الإيرانية بكثير، فالعلاقة بينهما لم تكن بين الإخوان وبين إيران كدولة، بقدر ما كانت بين الإخوان والشيعة كعقيدة.
وأضاف :"بدأت جماعة الإخوان بقيادة حسن البنا بداية دعوية كما هو معروف، لكن الرجل كان فى مخططاته أشياء لم يفصح عنها لا لأعضاء الجماعة ولا لكبار الفقهاء والمفكرين الذين أعجبهم تحمس الشاب المتدين حسن البنا ــ كما ظهر لهم بتلك الفترة، وكان أهم عنصرين احتفظ البنا بفكرتهما لنفسه هى مسألة إنشاء الجناح العسكرى للإخوان، والعنصر الثانى مد أواصر الصلة مع كبار مراجع الشيعة فى إيران".
وتابع جاد الزغبى :"بطبيعة الحال لم يكن البنا يستطيع أن يفصح للجميع وبشكل علنى عن هاتين الفكرتين، لهذا نفذهما سرا فى البداية، ثم انكشف أمرهما فيما بعد، وكان هذا هو السبب الرئيسى الذى دفع كل الدعاة والمفكرين الكبار فى ذلك الوقت للتراجع عن حسن الظن بجماعة الإخوان ،وقد يكون مفهوما بالطبع سبب إخفاء البنا لإنشاء جناحه العسكري، لكن لماذا حرص البنا على إخفاء علاقته بالشيعة فى بدايتها" ؟!
وقال "الزغبى" :"يعود السبب الرئيسى فى ذلك لحقيقة تاريخية أهملها الكثير من الباحثين إلا القليل، وهى أن الشيعة فى إيران منذ نشأة الدولة الصفوية وهى تضع نصب عينيها على مصر، وتأمل بشدة فى نشر الفكر الشيعى مجددا بها، باعتبار أن مصر كانت مهد حكم العبيديين أو الفاطميين، ومع بداية القرن العشرين كانت المحاولات حثيثة لاختراق مصر عبر إقامة علاقات مع كبار شيوخ الأزهر، لكن الأئمة تصدوا لمحاولة التقارب تلك وأفشلوها جميعا، وبالتالى كان معروفا على مستوى الفكر الدينى فى مصر خطر الفكر الشيعى، ولهذا لم يعلنه البنا مع البداية".
وأضاف :"فهذه الأفكار كلها كانت راسخة فى ذهن حسن البنا واستقاها من الفكر الشيعى تاريخيا حيث ما قامت دولة للشيعة أو تجمع إلا بهذا الأسلوب، فالعلاقة بينهم معروفة لكل مهتم بالشأن الشيعى".
من الجدير بالذكر أن مجموعة الباحثين المتصدين للفكر الشيعى بمصر صنفوا جماعة الإخوان منذ عام 2001 كأحد أهم دعاة التقارب مع الشيعة، وبعد ثورة يناير وخلال فترة حكمهم اتضحت العلاقة أكثر فأكثر، وأصبح التنسيق شبه علنى فى المواقف السياسية بينهما، حيث يقفون على طول الخط مع جبهة قطر وإيران وتركيا ضد الحلف المقابل الذى يتكون من مصر والسعودية والبحرين والإمارات".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة