بمزيد من القلق والطموح أدى الرئيس الإيرانى حسن روحانى الفائز بولاية رئاسية ثانية اليمين الدستورى، اليوم السبت، داخل مقر البرلمان، وذلك بعد إعادة انتخابه رئيسًا للبلاد لولاية تستمر 4 أعوام فى انتخابات جرت فى الـ19 من مايو الماضى.
ويواجه الرئيس الإيرانى الذى يحتل المركز الثانى فى هرم السلطة بعد المرشد الأعلى الذى يتربع على قمة الهرم، الكثير من التحديات أمام حكومته القادمة، والتى يأمل تخطيها لتحقيق آمال الجماهير التى منحته أصواتها فى انتخابات شرسة حسمت لصالحه فى الجولة الأولى بحصوله على 23 مليونًا و549 ألفًا و616 صوتًا وفاز بنسبة 57%.
روحانى يؤدى اليمين الدستورى
ویرصد اليوم السابع أبرز التحديات التى يواجهها الرئيس الإيرانى المنتخب فى ولايته الثانية:
تحقيق انتعاش اقتصادى
بعد صعود روحانى لأربع سنوات مقبلة، بات الملف الاقتصادى يتصدر أولوياته، من أجل تحسين الوضع الاقتصادى المتردى، والذى يؤثر بدوره على معيشة الفرد الاجتماعية، فضلاً عن تدنى الأجور، وارتفاع الأسعار والمساكن، كلها مشكلات أرهقت كاهل المواطن الذى لم يشعر بتحسن أوضاعه بعد توقيع الاتفاقية النووية (مايو 2015) من المفترض أنها جلبت أموالاً للدولة كانت مجمدة بالخارج وفتحت الباب أمام استثمارات أجنبية وتصدير إنتاجه.
وعرض روحانى رؤية اقتصادية خلال حملته الانتخابية مايو الماضى، ركز فيها على استغلال الثروات النفطية لتوفير فرص العمل، وخفض التضخم، وتوفير الدعم المالى للإنتاج وفرص العمل، وإصلاح النظام المصرفى، وتنمية سوق الاستثمارات، وتنمية القطاع الخاص، والتعامل مع الاقتصاد العالمى والإقليمى، ورسم سياسات لخفض نسبة الفقر والعدالة فى توزيع الثروات، كما أشار روحانى إلى أن برامجه المستقبلية ستركز على تعزيز الصادرات وتقويض الاستيراد، لكن ستظل فكرة تحقيق ازدهار اقتصادى مرهون بأبعاد هيمنة المؤسسة العسكرية (الحرس الثورى) عن الاقتصاد.
القضاء على البطالة
عانت إيران على مدار السنوات الماضية أزمة تفشى البطالة، وبحسب صندوق النقد الدولى فإن هذا البلد يقع فى المرتبة الـ24 عالميًا فى البطالة من بين 106 دول، وبلغت عام 2015 - 10.8%، وبحسب إحصائيات رسمية فى إيران بلغت البطالة 12% العام الحالى، وبالتالى ستشكل هذه النسبة معضلة أمام روحانى خلال الأربع سنوات المقبلة، ويراهن الرئيس المعتدل على جهوده لإدخال استثمارات إلى البلاد تمكنه من خلق فرص عمل لترجمة وعوده التى منحها للإيرانيين، لكنها أيضًا ستكون مرهونة بقدرته على تخطى معارضة المتشددين لجلب استثمارات أجنبية فى الداخل.
ارتفاع البطالة بين الشباب الإيرانى
رفع سقف الحريات
توسيع الحريات سيكون أيضًا أحد التحديات التى تواجه الرئيس الذى ركز فى حملته الانتخابية مايو الماضى على شعار "الحرية والأمن والتطور"، من أجل استقطاب فئات الشباب، ودعا خلال تجمعاته الانتخابية إلى قدر أكبر من الحرية، وضرب مرات عديدة على وتر مناهضة التيار المتشدد للحريات العامة وفصل الجنسين حتى فى الشوارع، وفى إحدى تصريحاته قال روحانى، خلال تجمع انتخابى مايو الماضى، فى طهران، "إن حقبة قيام جهة وحيدة ببث رسمى يهيمن على عقول الناس قد ولت"، مضيفًا "سنضع نظام اتصالات لكى يتمكن كل فرد منكم من البث عبر هاتفه النقال لن نسمح بأن تصبح إيران مجددًا معزولة".. لكنه سيصطدم أولاً بالمتشددين الرافضين لتوسيع الحريات، ثانيًا بصلاحياته المحدودة التى لا تمكنه من ذلك.
ورغم ذلك تمكن روحانى من خلال الصلاحيات الضئيلة التى يمحها له الدستور، فى السنوات الماضية من ولايته الأولى من تقليل مساحة المضايقات التى كانت تتعرض لها الفتيات من قبل "دوريات الإرشاد" التى تتمركز فى الشوارع لإجبارهن على ارتداء الحجاب الشرعى، وبحسب مصادر من داخل إيران أن الرئيس المعتدل عارض دور هذه الدوريات فى فرض قوانين البلاد بالقوة.
الحريات فى إيران
رفع جميع العقوبات والحفاظ على الاتفاق النووى
الحفاظ على الاتفاقية النووية التى أبرمها مع الغرب عام 2015 هو التحدى الأكبر أمام روحانى الذى يعتبرها أهم إنجازاته التى تمكن عبرها استئناف تصدير خام النفط ورفع حجم تصديره إلى 4 ملايين برميل، وجلب عشرات المليارات المجمدة بالخارج، وفتح أبواب الأسواق العالمية أمام طهران، كل هذا لن يكون سهل المنال فى ظل وجود إدارة أمريكية تتعامل بتشدد تجاه هذه الاتفاقية، وينظر إليها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نظرة امتعاض، ويرى أن إدارة أوباما منحت قبلة الحياة للنظام الإيرانى بتوقيع تلك الاتفاقية، ولجأ لفرض عقوبات أمريكية غير نووية على طهران بسبب برنامجها الصاروخى، ووسط التجاذب بينه وبين النظام الإيرانى الذى يقول إن لديه خيارات على الطاولة، سيظل الحفاظ عليها أمرًا فى غاية الصعوبة الأربع سنوات المقبلة.
حسن روحانى
التعامل مع العالم والانفتاح فى السياسة الخارجية
كان شعار "الانفتاح" من كبريات التحديات التى واجهت الزعماء الإصلاحيين فى إيران، حيث اصطدم خلال تطبيقه بقيود فرضتها عليهم ثوابت النظام والمؤسسات المهيمنة على السلطة، كالحرس الثورى والولى الفقيه، لكن رغم ذلك يطمح روحانى مواصلة مشروع الانفتاح فى السياسة الخارجية والعلاقات مع الغرب وتحقيق مبدأ "التعامل البناء" والذى بدأ مع توقيع الاتفاق النووى، كما أن إدارة ملف العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية سيتطلب منه مراقبة مواقف إدارة الرئيس ترامب بشكل جيد، وعدم انتهاج سياسة انفعالية، وعلى مستوى العلاقات مع جيران إيران من العرب فقد خسرت طهران بسبب سياساتها وتطبيق أجندة إقليمية تهدد الأمن القومى العربى، وباءت جهود الوساطة العربية لرأب الصدع الإيرانى العربى بالفشل، لكن إعادة هذه العلاقات يتطلب إعادة الثقة من جديد لدى دول الجوار، وهو ما سيشكل تحديًا آخر مضافًا إلى التحديات لأن رسم الخطوط العريضة للسياسة الخارجية تخرج من نطاق صلاحيات رئيس الجمهورية، اللهم إلا تأثير ضئيل يمكن أن يضفيه الرئيس على السياسة الخارجية.
استمرارا خط الاعتدال وفتح قنوات اتصال مع هرم السلطة
فوز روحانى لولاية ثانية، كان نتاج لمجموعة حقائق أفرزتها الانتخابات الرئاسية، منها فقدان التيار المتشدد سيطرته على الشارع السياسى، جنوح المزاج العام بين شرائح الشعب الإيرانى نحو الاعتدال، وهو ما يتطلب من الرئيس الإيرانى الذى سانده أقطاب معسكر الاصلاحات، أن يواصل خط الاعتدال والاصلاح، ويسعى كى لا يفقد هذا المعسكر النقاط التى تسحب له على مدار الأربع سنوات الماضية، وحتى بعد وفاة زعيم الاعتدال "هاشمى رفسنجانى"، ويرى المراقبون إن روحانى سيكون وريثًا لنهج الاعتدال والإصلاحات، وسيأخذ على عاتقه استمرار هذا الخط، وبذل المزيد من الجهود لفتح قنوات اتصال مع هرم السلطة بعد أن فقدها بوفاة رفسنجانى، وتدشين مصالحة وطنية دعا لها الزعيم محمد خاتمى فبراير الماضى، لرأب الصدع وسد فجوة العلاقات بين المرشد الأعلى والمعسكر الإصلاحى والتى كانت ذريعة لإقصاء كوادره من الحياة السياسية بعد 2009.
روحانى وروفسنجانى
رفع قيد الإقامة الجبرية عن زعماء التيار الإصلاحى
ليست تحديًا بل معضلة تقف أمام روحانى، الذى لا يمتلك صلاحيات تؤهله لتسوية قضية الإقامة الجبرية المفروضة على زعماء التيار الإصلاحى مير حسين موسوى وزوجته زهرا رهنوارد، ومهدى كروبى منذ عام 2011، وكانت من الوعود التى منحها فى حملته الانتخابية 2013، ولم يتمكن من حلها مع نهاية ولايته الأولى، ورغم ذلك ترتفع دعوات أنصار الإصلاحات التى تحث روحانى على القيام بدور لحل القضية، وغير متوقع أن يتمكن روحانى من حلها خلال الأربع سنوات المقبلة.
مير حسين موسوى وزوجته
خلع يد الحرس الثورى المهيمنة على السياسة والاقتصاد
يخوض الرئيس حسن روحانى معركة كبرى ضد الحرس الثورى الإيرانى منذ صعوده فى 2013، ويواجه طموحه فى خلع يد الحرس الثورى المهيمنة على السياسة والاقتصاد فى البلاد عنف من قادته وإساءات من أنصاره، الذين هتفوا ضده خلال مسيرات مراسم يوم القدس العالمى يونيو الماضى فى العاصمة طهران، بعد أن تجرأ روحانى ودعا قادة هذه المؤسسة العسكرية بالابتعاد عن السياسية، وقال روحانى خلال خطاب ضمن الحملة الانتخابية مايو الماضى فى مدينة مشهد "لدينا طلب واحد فقط: أن تبقى الباسيج والحرس الثورى فى أماكنهما لأداء عملهما". وعزز روحانى نداءه باقتباس كلمات الزعيم الأعلى الراحل آية الله روح الله خمينى مؤسس الجمهورية الإسلامية، الذى قال روحانى إنه حذر القوات المسلحة من التدخل فى السياسة.
روحانى وقائد الحرس الثورى
وعقب إعادة انتخابه، أعرب روحانى عن أمله فى خلع يد الحرس الثورى المهيمنة على الاقتصاد فى البلاد، وأطلق تصريحات على مائدة إفطار مع نشطاء اقتصاديين فى يوليو الماضى شبه فيها الحرس الثورى بدولة تحمل البندقية تهيمن على الاقتصاد والسياسة والإعلام فى البلاد، واعتبر أن جزءاً من الاقتصاد تم تسليمه إلى الحرس الثورى بذريعة الخصخصة، وقال "خامنئى أكد أن الهدف من تنفيذ المادة 44 من الدستور هو تسليم الاقتصاد إلى المواطنين، مضيفًا "فماذا عسانا أن نفعل بعد أن سلمنا جزءًا من الاقتصاد الذى كان فى يد دولة بلا بندقية إلى دولة تحمل البنادق، هذا ليس اقتصادًا أو خصخصة"، وقال أيضًا إن "تلك الحكومة التى تمتلك البندقية تمتلك أيضًا وسائل إعلام وكل شىء، ولا يجرؤ أحد على منافستها".
خلع يد الحرس الثورى من المجالات سالفة الذكر ليست بالأمر السهل فى دولة المرشد العميقة، فقد أسس الحرس الثورى أمبراطورية اقتصادية سياسية على مدار السنوات الماضية، مستفيدًا من العقوبات على بلاده، ما يجعل الأمر مهمة شبه مستحيلة.
المرشد والحرس الثورى
وبخلاف التحديات السابقة هناك مسائل أخرى ينبغى أن تحظى باهتمام الحكومة الجديدة، أبرزها حل المشاكل المتعلقة بالبيئة من بينها توفير المياه الصالحة للشرب للمناطق التى ما زالت تعانى من هذه المشكلة، وحل مشكلة الجفاف التى باتت تهدد 300 مدينة فى إيران، ومشكلة تلوث الهواء التى تعانى منها أقاليم حدودية والعاصمة.