بدأت الصراعات السياسية تتخذ شكلا جديدا فى الداخل الإيرانى، بعد تأدية الرئيس حسن روحانى اليمين الدستورى، السبت الماضى، ومع اقتراب موعد الإعلان عن التشكيلة الوزارية الجديدة المرتقبة والتى سوف يقدمها روحانى للبرلمان لنيل ثقته؛ يتصاعد التنافس على الحقائب الوزارية بين التيارين المتنافسين: الإصلاحى، والمحافظ.
على مدار الـ76 يومًا التى أعقبت الانتخابات الرئاسية التى فاز فيها الرئيس المعتدل حسن روحانى بـ33 مليون صوت؛ نشأت فترة لم تخلو من التناحر السياسى وعجت بالعديد من الصراعات السياسية بين التيارات وأجنحة ومراكز صنع القرار، وخلف الكواليس كان يدور تسابق حاد نحو الحقائب الوزارية.
وضعت التشكيلة الوزارية للحكومة الجديدة، الرئيس المنتخب لولاية ثانية بين شقى الرحى، بعد أن تغيرت قواعد الصراع المتعارف عليها بين التيارين، وبخلاف ما هو معهود فلم يواجه روحانى التيار المتشدد الذى اعتاد على سهام انتقاداته اللاذعة وحده، بل مارس الإصلاحيين أيضا قدرا كبيرا من الضغوط عليه.
حسن روحانى
التيار المحافظ يبتز روحانى ليحصل على حصة فى الحكومة الجديدة
فمن ناحية ابتز التيار المحافظ روحانى لمنح كوادره النصيب الأكبر من الحقائب الوزارية عبر تقديم نوابه طلبات استجواب بتوقيعات مزورة للرئيس فى البرلمان فى يوليو الماضى، فضلا عن القيود والضغوط التى تمارس من قبل المتشددين المهيمنين على مراكز صنع القرار فى اختيار اعضاء الحكومة، وكان ذلك نتيجة لشعور هذا التيار بفقدان السيطرة على الشارع والجماهير الإيرانية، عقب ضربات متتالية تلقاها من المعسكر الإصلاحى.
وفشل التيار المحافظ والمتشددين فى المعارك الانتخابية أمام روحانى بدءًا من انتخابات الرئاسة فى يونيو 2013 والتى هزم فيها روحانى المرشحين المتشددين، مرورا بانتخابات تشريعية ومجلس خبراء القيادة فى يناير 2016 واكتسحت فيها كوادر التيار الإصلاحى والمعتدل مقاعد العاصمة طهران، وأقصت الوجوه المحافظة ورجلى الدين المتشددين محمد تقى مصباح يزدى، وآية الله محمد يزدى، وصولاً إلى انتخابات الرئاسية مايو 2017 حيث ساهم تشتته فى حسم المعركة لصالح روحانى بعد أن فشلت جبهة "جمنا" (الجبهة الشعبية لقوى الثورة) والتى ضمت تحت لواءها أحزاب وشخصيات محافظة مختلفة فى احداث تجانس وتوحيد هذا المعسكر على مرشح اصولى واحد.
وبعد كل هذه الضربات، يبدو أن هذا التيار حاول إحداث تغيرات جذرية، إذ كشف حميد أبو طالبى، نائب مدير مكتب روحانى عن عملية "تغيير جلد هذا التيار"، وكتب تغريدة فى يونيو الماضى قال فيها "الأصوليون يستكملون عملية استبدال جلدتهم، وتوجهاتهم أصبحت نحو الحرية والجمهورية والديمقراطية بعد خسارتهم المدوية فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة.. التيار الأصولى يدرس أسباب خسارته المدوية فى الانتخابات وانخفاض أصواته مقارنة بانتخابات 2013، وتوصلوا لهذه النتيجة أنه ينبغى عليهم احداث تغييرات جذرية".
ويبدو أن التغيرات الجذرية هى تلك التى كشف عنها رئيس بلدية طهران والمرشح المنسحب من الانتخابات الرئاسية 2017 محمد باقر قاليباف حيث طرح مبادرة لإعادة بناء هذا التيار من الداخل، وأطلق دعوة عبر خطاب مفتوح إلى شباب التيار الأصولى لإحداث تغيرات داخلية، والاتجاه نحو "الأصولية الجديدة"، إلا أن الطرح لم يجد قبولا لدى أعضاء التيار.
روحانى ومحمد رضا عارف
صفقة التيار المحافظ لانتزاع حقائب وزارية تعيد فرض هيمنته على الشارع
وبدت محاولة اقتناص حقائب وزارية من قبل هذا المعسكر، كأنها صفقة لاقتسام السلطة ترضى كبريائه، وبهدف إعادة فرض هيمنته على الشارع الإيرانى الذى رفضه فى استحقاقين رئاسيين متتاليين رغم اخفاق الرئيس المعتدل فى تحقيق كافة وعوده إلا أن الشارع رجح الأخير.
المعسكر الإصلاحى يطالب بثمن دعمه لروحانى
أما التيار الإصلاحى فقد عبرت كوادره عن مخاوف من تجاهل روحانى له فى الحكومة الجديدة عقب تصريح له قال فيه أن الحكومة الجديدة لن تكون حكومة حزبية، فلدى هذا المعسكرى قناعة بأنه هو من ساند الرئيس المعتدل فى مشواره السياسى خلال الأربع سنوات الماضية، وما كان ليصعد الشيخ الدبلوماسى إلى سدة الرئاسة إلا بدعم منه، وبناء على ذلك من المفترض أن يقدم روحانى له النصيب الأكبر فى الحكومة الجديدة هدية له.
وأطلق هذا التيار رسائل مبطنة لروحانى خلال الفترة التى تلت فوزه فى الانتخابات، تحثه على وجوب تمكين قياداته فى الحكومة الجديدة، تلك الرسائل تجلت واضحة فى تصريحات محمد رضا عارف رئيس المجلس الاعلى لتعيين سياسات الإصلاحيين زعيم كتلة "اميد" الامل الإصلاحية فى البرلمان، قال فيها "إن البعض عندما يفوز ينسى من ساعده وعمل من أجله، وأكد على أن روحانى مدين بفوزه للتيار الإصلاحى".
وفُسِّرَت تصريحاته بأنها مطالبة التيار الإصلاحى بنصيبه من الحكومة الجديدة، ما جعل مساعد الرئيس الإيرانى للشئون الثقافية حسام الدين آشنا يعلق قائلا "إن خطاب الإصلاحات لا يعنى المطالبة بالحصص". وخرجت اعلام المتشددين يروج لانشقاق داخل التيار الإصلاحى، الأمر الذى دفع روحانى بلقاء عارف لدرء الخلاف فى مهده، وإجراء مشاورات مع التيار الإصلاحى فى تشكيل الحكومة.
مطالبات الإصلاحيين لم تتوقف عند ذلك بل انتقد رسول منتجب نيا نائب الأمين العام لحزب "اعماد ملى" الثقة الوطنية، فى مقابلة مع وكالة إيلنا الإصلاحية، عدم مشاركة وجوه إصلاحية فى الوزارة الجديدة، محذرا من عواقب ذلك. وقال نيا: "لا ينبغى أن نطالب بنصيب فى الحكومة الجديدة، وفى نفس الوقت ينبغى على روحانى منح اهتماما خاصا للإصلاحيين، مشيرا إلى أن روحانى مدين لدعم التيار الإصلاحى له، قائلا: "لو لم يكن دعم الإصلاحيين لكانوا حطموا (التيار المتشدد) روحانى، الرئيس صعد للحكم فى انتخابات 2013 و2017 بفضل الإصلاحات، وقبل أن نطالبه بنصيب فى الحكومة الجديدة كان ينبغى عليه أن يفكر هو فى ذلك".
النساء فى الحملة الانتخابية لروحانى
الحقوق السياسية للمرأة الإيرانية تقع ضحية الصراعات السياسية
وبين صفقة وثمن، وقعت أبسط الحقوق السياسية للمرأة الإيرانية فى المناصب الوزارية ضحية الصراع، فلم تتسلم المرأة حقائب وزارية –بحسب تسريبات اعلامية لوكالة فارس عن التشكيلة الوزارية الجديدة-، وهو ما دفع 157 نائبا ونائبة فى البرلمان بالتوقيع على رسالة تطالب روحانى بضرورة مشاركة المرأة فى الحكومة. وكشفت النائبة فاطمة سعيدى عضو هيئة رئاسة تكتل أميد الإصلاحى فى البرلمان، على صفحتها على تطبيق التواصل الاجتماعى تلجرام، عن تقديمها قائمة لروحانى بأسماء عدد من النساء البارزات لاختيارهن فى الحكومة الجديدة، خاصة وأن دمج النساء فى الوزارات أصبحت مطالبات عامة فى مجتمع أصبحت تعمل فيه المرأة إلى جانب الرجل.
وكانت تعوّل العديد من النساء على ولاية روحانى الثانية، لمنحهن عددا أكبر من الحقائب الوزارية مقارنة بدورات الرؤساء السابقين، خاصة وأن روحانى كشف فى مناسبات مختلفة عن رؤيته للمرأة وقال "لا ينبغى حصر دور المرأة الإيرانية فى المنزل فقط فهذا العصر قد ولى، النساء شاركت فى الانتخابات أمام صناديق الاقتراع مثل الرجال".
بلا شك ستشكل عدم مشاركتهن فى الحكومة، خيبة آمل لهن، خاصة أن المرأة لعبت دورا كبيرا فى فوز روحانى فى الانتخابات، فضلا عن أن ذلك سيكشف رضوخ روحانى لميول المرشد الأعلى وأمزجة المحافظين الرافضين مشاركة النساء فى المناصب السياسية العليا، بالاضافة إلى ذلك سيساهم فى تهميش قضايا المرأة بعد أن كانت تتولى شهيندخت مولاوردى منصب مساعدة الرئاسة لشئون المرأة فسيكون من نصيب الرجال وهو ما سيهمش شئون المرأة السنوات المقبلة. وتسائل المراقبون داخل إيران حول ما إذا كان روحانى يعتزم تحقيق مطالب المرأة، أو سيجعلها ضحية المصالح السياسية.. وسيجيب روحانى بالتأكيد على هذا السؤال عند اعلانه عن الحكومة الجديدة يوم الثلاثاء المقبل.