من الصعود السريع إلى السقوط المدو ، نالت جماعة الإخوان اهتمام كثيرين من مراكز الأبحاث والدراسات الدولية ودوائر صنع القرار الرسمية وشبه الرسمية فى العديد من دول العالم، خاصة بعدما سقط قناع الديمقراطية الزائف عن وجه قيادات الجماعة بعدما حاولت الزج بالدولة المصرية فى حرب أهلية عبر تحريضها على الاعتصام أثناء ثورة 30 يونيو الشعبية التى كتبت سطور النهاية فى عمر الجماعة داخل القاهرة.
تعددت الأسماء والبلدان على مدار السنوات التى تلت موجات الربيع العربى، وظل فشل الإخوان ومؤامراتهم قاسماً مشتركاً فى شتى تجارب الجماعة لانتزاع السلطة وممارسة الإرهاب والتحريض على العنف والقتل والترويع، وهو ما دفع العديد من مراكز الأبحاث والمفكرين والكتاب الأسبانيين لرصد تاريخ الجماعة ومسيرتها منذ نشأتها وحتى السقوط فى العديد من الأعمال البحثية والدراسات التى خرجت إلى النور فى أعقاب سقوط الجماعة داخل مصر، ومحاولتها الفاشلة إثارة حرباً أهلية بين المصريين عبر اعتصام رابعة المسلح.
وعلى مدار الأعوام التى تلت 2013 أصدرت دور نشر ومراكز أبحاث إسبانية 3 كتب تناولت بالبحث والدرس نشأة الإخوان وجذورها التاريخية فى العنف والإرهاب، وكيف كان انتقالها من صفوف المعارضة إلى مقاعد السلطة بمثابة انتحار سياسى بعدما تبين أمام الرأى العام المحلى والعالمى ما يحكم التنظيم الدولى للإخوان من ازدواجية فى المعايير فضلاً عن تبنيه فكراً متطرفاً لا يعترف بالتداول السلمى للسلطة أو حقوق الإنسان والمواطنة وغيرها.
وتحت عنوان "الإخوان المسلمين فى مصر"، خرجت الكاتبة والباحثة الإسبانية روثيو فاركيز مارتى بكتاب جديد رصد الجذور الأولى لنشأة التنظيم فى مصر على يد حسن البنا. وقالت مارتى عن كتابها فى تصريحات نشرتها صحيفة "الموندو" : "جماعة الإخوان الموجودة حاليا تتجاوز وتختلف كثيرا عن تلك التى تأسست على أيدى حسن البنا، الذى كان يرغب فى الإصلاح السياسى فى القرن التاسع عشر، وإصلاح حال العرب، وكيفية التكيف مع الإسلام، ولكن هناك تناقضات كبيرة فى جماعة الإخوان من بداياتها وحتى تحولت إلى جماعة إرهابية"، موضحة فى كتابها أن الجماعة تعانى من مفترق الطرق ولكنها اختارت الطريق الخطأ، حيث أنها فى البداية اختارت الطرق السلمية والتطور ورفض العنف ، إلا أن التأثير العميق على الحركات الإسلامية فى العالم الإسلامى جعل ذلك يتغير كثيرا، فدائما أجندة الإسلاميين مما لا شك فيه تتحول إلى منظمات أكثر تطرفا وعنفا".
وتساءلت الكاتبة هل الإخوان تخلوا عن مبادئهم من أجل تحقيق أهدافهم واتباع استراتيجية للسيطرة على اللعبة السياسية، وتابعت: "إنهم وجدوا فى السياسة الطريق الوحيد والسريع لتحقيق أهدافهم.. كانت مجرد محاولة لبسط نفوذهم والتقدم بشكل تدريجى نحو تحقيق أهدافهم".
وردت مارتى ادعاءات الإخوان بإيمانها بالعملية الديمقراطية ، قائلة : "منذ البدايات وحتى الآن، يسعى الإخوان إلى أن تحل الخلافة الاسلامية بديلاً للعلمانية أو الرأسمالية اللتان تحكمان العالم حاليا"، موضحة أن الجماعة تتبنى فكراً إرهابياً وتعتمد على العنف لتنفيذ أهدافها .
وقالت مارتى "لا يمكننا أن ننسى اثنين من أكثر التنظيمات الإرهابية، منهم تنظيم القاعدة الذى كان يترأسها أيمن الظواهرى والذى قام بتنفيذ هجمات 11 سبتمبر، وتنظيم داعش الإرهابى ، والآن الإخوان التى تحولت لإرهابية ، والتى أصبحت تتبنى نفس الأفكار العنيفة والمتطرفة".
وتطرقت الكاتبة إلى ظهور جماعة الإخوان عام 1928 بزعامة البنا والهدف من وراء تلك الجماعة من أجل إقامة ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" المنشودة التى تسعى من خلالها للقضاء على النظم السياسية والسماح للجماعات الإسلامية بالوصول للحكم ثم تهيئة الأجواء للسيطرة على مؤسسات الدولة، مشيرة إلى أن فى مفهوم تلك الجماعة لا يحمل بين طياته أن تكون السيادة للشعب وبالتالى ترفض الاخوان كل أشكال الديمقراطية.
وأوضحت مارتى أن التاريخ يكشف العديد من أحداث العنف التى تورطت فيه جماعة الإخوان والأفكار المتشددة التى تبنتها تلك الجماعة ومن ضمنها وجوب المواجهة المسلحة مع الحكومات التى تعتبر فى وجهة نظرهم كافرة، فضلا عن القيام بسلسلة من الاغتيالات وفى مقدمتها اغتيال النقراشى باشا رئيس الوزراء والقاضى أحمد الخازندار، ومحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954، فضلا عن القيام بعدد من أعمال العنف المسلح فى سوريا من خلال تكوين جماعات مسلحة صغيرة تقوم بالاعتداء بشكل مباشر على كبار المسئولين بالحكومة.
ومن الكاتبة روثيو مارتى، إلى خابير مارتن الذى أصدر مؤخراً كتاباً بعنوان "الإخوان المسلمين" لم تختلف الرؤية كثير لجماعة الإخوان التى بدأت تشغل بال العديد من الباحثين والكتاب داخل إسبانيا منذ موجات الربيع العربى، حيث قال مارتن فى كتابه إن الجماعة استندت على مدار تاريخها لمعايير مزدوجة غابت عنها المبادئ الثابتة والعقيدة الراسخة فى التعامل مع القضايا العامة ، مستشهداً بتضارب مواقفها وآرائها عندما كانت فى معسكر المعارضة عن تلك التى تبنتها بعد دخول السلطة.
وعما دونه من مؤلفات، حرص الكاتب الاسبانى سيرخيو كاستانيو ريانيو من خلال كتابه "الإخوان" على تقصى آثر الجماعة للإجابة على سؤال : "كيف تسلل الإخوان إلى الغرب"، وتطرق فى كتابة الذى جاء فى ستة فصول إلى الحركة الفكرية للإخوان وعملية انتشارها دوليا، وموقف الإخوان من العنف، والمشاركة السياسية للإخوان، ونفوذ الجماعة فى أوروبا، واستعرض المؤلف فى كتابه تحليل تطور الحركة الدولية للإخوان المسلمين وتاريخ عدد من المنظمات المرتبطة بفكر مؤسس الحركة حسن البنا وعلاقتهم بالإرهاب، فضلًا عن الخلط بين الإسلام وشموله وبين تلك التيارات وتأثيرها السلبى نتيجة لأعمال العنف التى ارتكبها الإرهابيون.
وتحدث الكاتب عن الدور السياسى للإخوان، وقال إنه بمجرد تحليل تطور المشاركة السياسية للإخوان فى الشرق الأوسط، يمكن إثبات أنه بالرغم من وجود نفس المبادئ الفكرية، إلا أن كل فرع من فروع الإخوان كان يوائم نشاطه السياسى بالمحيط الذى يعيش فيه، واستعرض الكاتب الإسبانى تطور جماعة الإخوان فى الشرق الأوسط ثم تطور فكرهم ليصل إلى الدول الغربية، حيث كانوا ينظرون إلى الغرب على أنه سبب كل المصائب والشرور التى يعانى منها العالم العربى والإسلامى، وأن الغرب "دار حرب" ثم تحول الغرب فجأة إلى "دار دعوة" لنشر الإسلام وتخلى جماعة الإخوان عن بعض مبادئهم للوصول إلى أهدافهم.
ووفقا لسيد قطب الذى يعد المنظر الأساسى لفكر الجماعات الإسلامية المتشددة فإنه كان يهدف إلى قتال كل من فى العالم الغربى والمجتمعات العلمانية والحكومات الكافرة التى تسيطر على العالم الإسلامى، وعندما انتشر العمل الدعوى فى ألمانيا، فقد أدى فكر جماعة الإخوان فى عدد من القضايا إلى تفسيرات متطرفة، وقد استغلت بعض الجماعات الإرهابية المساجد فى ألمانيا لنشر فكرها، ومن هنا برزت الجهود التى بذلتها المنظمات الإسلامية المعتدلة لتوضيح موقفها والابتعاد عن التطرف والتعصب، ثم استعرض الكاتب بشكل مفصل تطور دور جماعة الإخوان فى كل من فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وإسبانيا.
كما يؤكد الكاتب أن الالتزام الذى تبديه الجماعة نحو القيم الديمقراطية ونبذ العنف يتعارض مع الدعم المستمر للعمليات الإرهابية التى ترتكبها حماس وكذلك تبرير العمليات المتطرفة فى العراق وأفغانستان ضد القوات الدولية.