مرت أربعة سنوات على يوم الفض، سيل جرائم لا يتوقف، ورائحة الانتقام لا تهدأ، الكنائس دفعت ثمن مشاركة الأقباط فى الانحياز لـ30 يونيو، صارت نارًا وركامًا، 73 كنيسة ومبنى خدمات ومدرسة موزعة على أنحاء الجمهورية طالتهم نيران الكراهية ورصاصات الإرهاب، كانت المنيا صاحبة النصيب الأكبر بما يزيد عن 23 موقعا فى مدنها وقراها، تكفلت القوات المسلحة بترميمهم جميعًا بل وإعادتهم أفضل منذ ذى قبل.
الأنبا بيمن رئيس لجنة الأزمات بالمجمع المقدس، والمشرف على ملف الترميم، قال لـ"اليوم السابع"، إن أعمال الترميمات والإنشاءات التى جرى تقسيمها على ثلاثة مراحل قد انتهت بالكامل وتسلمت الكاتدرائية كنائسها بعد تحديثها.
ووصف الأنبا بيمن أوضاع الكنائس بعد ترميمها بالمثالية حتى أن عددا غير قليل منه قد أعيد بنائه، بعدما تم تقسيمها لثلاث مراحل الأولى للترميم البسيط، والثانية للترميم المتقدم والثالثة لإعادة البناء بالكامل موجهًا شكره للدولة المصرية التى أوفت بوعودها للأقباط وشهدت أوضاعهم تحسنًا كبيرًا فى عهد الرئيس السيسى.
أما القس الدكتور أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، فقال إن القوات المسلحة وعدت فأوفت وكذلك فعلت الدولة المصرية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسى حيث اتمت عملية ترميم الكنائس التى تضررت بعد أحداث فض اعتصامى رابعة والنهضة.
وكشف رئيس الطائفة عن الانتهاء من ترميم 14 كنيسة ومبنى خدمات تابع للطائفة، بينهم العبارة الذهبية بالمنيا التى استبدلتها القوات المسلحة بعبارة أوسع من السابقة. وقال زكى إن يوم فض اعتصامى رابعة والنهضة كان مؤلمًا وحزينًا حيث شعر بعدم الأمن مضيفًا: شعرت أن قوة ظلامية تريد كسر مصر ولكن الدولة المصرية عازمة على السير فى طريقها نحو الاستقرار والتقدم.
فيما روى حراس الكنائس بمدينة المنيا، تفاصيل ساعات الفزع التى عاشوها تحت نيران الإرهاب، عم عطية يعمل حارسًا لكنيسة الأنبا موسى الأسود بمنطقة أبو هلال قال أنه لاحظ توافد أعداد كبيرة من الإسلاميين على مسجد قريب من الكنيسة عُرف بأنه مقر لتجمع قوى الجماعات المتشددة مضيفًا: فتنبه الأب الكاهن للكنيسة وحذر الحارس من خطورة الوضع وطالبه بالحيطة والحذر وتجنب أى استفزازات محتملة.
يشير عم عطية: جلست فى كنيستى مترقبًا، حتى سمتع أصواتا وهتافات قادمة فى اتجاه الكنيسة، فتحصنت خلف البابا، وأبلغت الشرطة لأول مرة أن مئات المتشددين يحاولون اقتحام باب الكنيسة الحديدى الصلب، ويستكمل: فوجئت بعدها بساعة، بسيارة ربع نقل، تندفع بقوة فى اتجاه الباب حتى أسقطته على الأرض ودخلت تحمل على ظهرها مئات الرجال يحملون فى أياديهم جميع أنواع الأسلحة والمواد المشتعلة والمولوتوف، صعدوا إلى الدور الأول بالكنيسة وحملوا ما استطاعوا حمله من مسروقات.
ويقول «عم عطية»، كانت هناك غرفة نجمع بها التبرعات العينية للأيتام المقبلات على الزواج تمتلئ بالملابس والأجهزة الكهربائية، حملوا كل ما فيها، أما الغرفة المجاورة لها فهى غرفة نادى الكنيسة التى كانت تضم أجهزة كمبيوتر يعمل عليها شباب الكنيسة والخدام والشمامسة، تم نهب محتوياتها بالكامل، بالإضافة إلى خلع مرايا الحمامات وسرقة شاشات العرض التى تستخدم فى عرض طقوس الصلاة للحاضرين، ثم أشعلوا النار فى الكنيسة، فتحولت إلى رماد بفعل المواد المشتعلة التى ألقوها على الأرض.
ويواصل: «أثناء الحريق، عملت على تهريب الأب الكاهن من الباب الخلفى للكنيسة حتى لا يقتله المتشددون إذا ما رأوه بملابس الكهنوت السوداء، وغادر مسرعًا، وبقيت مختبئًا أرقب ما يحدث من بعيد، كانت ليلة حرب كاملة- يتمتم «عم عطية» بملامح خائفة».
حكى عم عطية، ذكرى قداس الحريق، الذى أصر الأنبا مكاريوس على صلاته فوق أنقاض الكنيسة ليشهد الرب عليها، فيقول «صلينا هنا وعلى هذا الوضع صباح يوم 19 أغسطس، كنا فى غاية الرعب وطمأننا سيدنا بالصلاة خلفه».
عم عطية يؤكد، أن الشهور التى تلت الأحداث، كانت لا تقل رعبًا عنها ولكن الآباء الكهنة كانوا حريصين على استمرار الصلاة فى بيت الرب، مضيفا «كنا نصلى صلوات القداس مبكرًا من السادسة صباحًا وحتى الثامنة قبل أن تستيقظ المدينة وتبدأ مظاهرات الإخوان وتنتشر أصوات الرعب، مشيرًا إلى أن الأحداث وقعت يوم أربعاء، فامتلأت الكنيسة بالمصلين يوم الأحد، متابعا «نحن نتقرب إلى الله فى الشدة».
شارع الأمير تادرس أو شارع الآلام كما يلقبه أقباط المنيا، فيشبهون آلامهم بعذابات المسيح، هو الشارع الذى شهد النصيب الأكبر من أعمال الحرق والنهب والسلب، فتم فيه حرق مدرستين تحملان اسم الأقباط، بالإضافة إلى كنيسة الأمير تادرس الشاطبى الأثرية، وصيدلية الأمير تادرس، وملجأ أيتام تابع للكنيسة ومدرسة كاثوليكية وممتلكات شخصية أخرى لمواطنين أقباط.
الجغرافيا جعلت من شارع الأمير تادرس، شارعًا للآلام فالشارع يتقاطع مع الحديقة التى أتخذها الإخوان مقرًا لاعتصامهم بالمنيا، بالإضافة إلى قربها من مسجد الرحمن الذى انطلقت منه حمم الجماعات لتغزو الكنائس وتهاجم ممتلكات الأقباط.
من ضمن ضحايا جرائم الإخوان ملجأ صغير تديره جمعية جنود المسيح، الملجأ الذى يضم 40 من الأيتام الذكور الأطفال، وللملجأ عمارتان متجاورتان، الأولى مبنى أثرى كان الأطفال يسكنون فيه ليلة الأحداث الدامية، أما المبنى الثانى فهو عمارة حديثة، تضم مقر الجمعية وإدارتها وباقى أنشطتها.
يحكى عم جرجس قصة الهجوم على الملجأ فيقول، أن مسيرات الإخوان تحركت تجاههم بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، وحاول المتشددون اقتحام الباب الرئيسى للملجأ، ثم وضعوا عتبة على بابه ودخلوه بعنف، كان عم جرجس وقتها قد استمع لتعليمات إدارة الجمعية التى أمرت بإعادة الأيتام إلى أقاربهم بعدما شاهد على شاشات التلفزيون واقعة إلقاء شاب لآخر من فوق عمارة الإسكندرية، وتم تسليم الأطفال لأقاربهم قبل اقتحام المبنى بساعات.
بعد الاقتحام، أشعل الإرهابيون النار فى المبنى الأول وهو قديم وذى طابع أثرى، فانهارت حوائطه تمامًا، وتحصن عم جرجس بالمبنى المجاور الذى يطل على مئذنة مسجد الرحمن مقر الجماعات الإسلامية، سلبوا ونهبوا كل محتويات الجمعية من أجهزة كمبيوتر وتكيفات وخزائن تضم متعلقات الأطفال وأوراقهم، ثم صعدوا سطح الجمعية التى اختبأ عم جرجس فى إحدى غرفها الضيقة وأطلقوا الرصاص على ممتلكات مجاورة تخص الأقباط.
أما كنيسة الأمير تادرس الشطبى، فتدمرت تماما وعمل الجيش على إعادة بنائها من جديد يقول عم جرجس حارس الكنيسة: شاء الله يا عذراء، أنقذتنى بركتها بمعجزة من أيديهم.
يروى عم جرجس ما جرى صباح الأربعاء الدامى فيقول: أغلقت هاتفى خوفًا من أن يتصل أحد فيسمعون صوتى، واختبأت فى غرفة ضيقة وخلف عمودها فرأيت الموت بعينى بعد أن صعدوا إلى بالسلاح، حتى سرقوا كل شىء ورحلوا.
يقول معلم الكنيسة، أنه فى يوم الأربعاء الأسود، جاءت مجموعة كبيرة من المتشددين، واقتلعوا باب الكنيسة ووضعوه على سيارة وسرقوه، ثم جاء توك توك محمل بالمواد المشتعلة كإمداد للرجال الذين دخلوا إلى القاعة الكبرى ليحملوا ما استطاعوا حمله مثل أجهزة الكمبيوتر والشاشات التلفزيونية وغيرها، ثم أحرقوا الأناجيل، ودمروا مذبح الكنيسة وألقوا الأيقونات والصور على الأرض، وبدأوا فى إشعال النيران بها، وظلت النيران تأكلها ست ساعات كاملة حتى سقط الدور الأول منها على الأرض.
يشير معلم الكنيسة إلى أن الصلاة لم تتوقف فيها لحظة واحدة، فأثناء أعمال الترميمات أمر الآباء الكهنة بالصلاة فى خيمة مجاورة بفناء الكنيسة حتى لا ينقطع شعب الكنيسة عن زيارتها، ولا تنقطع البركة عن المكان.