غذت بدمائها الشابة فى 20 يونيو 2009 الحركة المخملية الإصلاحية فى إيران التى خرجت من رحم انتفاضة 2009، وأطلق عليها "الحركة الخضراء"، لتتحول الفتاة "ندا أقا سلطان" إلى أيقونة وقود أشعل حماس أنصار الحركة الإصلاحية التى شككت فى نتائج انتخابات الرئاسة حينها، ليستكمل أنصارها احتجاجات استمرت ما يقرب من 9 أشهر، وتم خلالها القبض على 4 آلاف متظاهر على الأقل وقتل 30 شخصا أثناء تلك الأحداث بحسب أرقام رسمية.
كان مقتل ندا وقودا أشعلته أكبر أزمة داخلية فى طهران منذ الثورة الإيرانية عام 1979، وقاد هذه الحركة المخملية مرشحو الرئاسية الخاسرون، وهما الإصلاحى ورئيس الوزراء الأسبق (قبل إلغاء المنصب فى 1989) "مير حسين موسوى" ورجل الدين والأمين العام السابق لحزب اعتماد ملى "مهدى كروبى"، ودعا المواطنون وأنصارهما للخروج إلى الشوارع احتجاجا عل نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات التى صعد فيها الرئيس المتشدد أحمدى نجاد لولاية ثانية، وقوبلت بالقمع الشديد.
وبعد 8 سنوات أصبح المشهد بهذا الشكل، زعماء إصلاحيون معارضون لسياسات النظام موقوفون تحت قيد الإقامة الجبرية منذ ما يقرب من 6 سنوات فى منازلهم مع زوجاتهم دون محاكمة، يُنعتون فى الإعلام باسم "رؤوس الفتنة أو قادة الفتنة"، وأنصارهم بأصحاب الفتنة، وسميت احتجاجات 2009 "فتنة 2009"، واعتبرت مؤامرة لقلب النظام، وألصق بالزعماء تهم الارتباط بالخارج، بالإضافة إلى ملاحقة أنصارها فى الداخل والخارج، وما لبثت أن صمتت السنوات الأخيرة وعاشت سنوات من الصمت المطبق، لكن البعض وصفها بأنها باتت نار تحت الرماد، خاصة بعد أن بقيت دعوات الزعماء الإصلاحيين بمحاكمتهما محاكمة عادلة دون ردا من النظام. وأصبح الانتماء بالقول أو بالفعل لهذه الحركة مقياسا للسماح للسياسيين بالدخول فى الحياة السياسية بعد عام 2009.
وأثار مؤخرا إضراب مهدى كروبى عن الطعام، وتدهور صحته داخل منزله ونقله إلى المستشفى، للضغط على السلطات لإزالة عناصر الاستخبارات من داخل منزله، وإزالة كاميرات المراقبة التى وضعت حديثا لديه، وتقديمه لمحاكمة علنية، أثار العديد من التساؤلات حول وجود الحركة الاصلاحية الخضراء بعد 8 سنوات من النشأة والصراع، وهنا يقدم "اليوم السابع" للمتابعين أسئلة حول الحركة وزعمائها وأنصارهم ومستقبلها.
احتجاجات 2009 فى إيران
لماذا سميت بالحركة الخضراء؟
سميت بالحركة الخضراء لأن التظاهرات اتخذت من اللون الأخضر شعار لها فى الشوارع، حيث كان لون حملة المرشح الخاسر مير حسين موسوى والذى زعم حدوث تلاعب فى نتائج انتخابات 2009 أمام المرشح المتشدد أحمدى نجاد.
متى وضع زعماء الحركة الاصلاحية قيد الاقامة الجبرية؟ ولماذا؟
وضع الزعماء موسوى وكروبى قيد الإقامة الجبرية فى العام 2011 بسبب طلبهم الخروج فى مسيرات داعمة لما سمى بـ "ثوارت الربيع العربى"، ورفضت السلطات حتى لا تحول المسيرات لتظاهرات مناهضة للنظام، لكن تحدى المتظاهرون النظام ونزل آلاف الأشخاص إلى الشارع تلبية لدعوة موسوى وكروبى فى 14 فبراير 2011، رغم حظر السلطات الإيرانية هذه المسيرة، وقُتل متظاهران وأصيب آخرون فى هذه التظاهرات، وعقب ذلك اتخذ النظام قرار وضعهما قيد الإقامة الجبرية دون تهم رسمية توجه إليهما أو حتى محاكمة.
لكن للنظام رواية مختلفة، إذ قال نائب رئيس جهاز المخابرات التابع للحرس الثورى الإيرانى الجنرال حسين نجات، فى ديسمبر 2016 أن "سبب فرض الإقامة الجبرية لا علاقة له باحتجاجات 2009 بل بسبب تضامنهم مع معتقلين سوريين وتأييد الاحتجاجات السورية" وهو ما يتعارض مع بوصلة طهران تجاه الأزمة السورية التى نعتت المتظاهرين السوريين بالعملاء، ووصفت الثورة السورية فى البداية بالمؤامرة ضد محور المقاومة الذى تعد سوريا جزء منه.
كروبى فى المستشفى بعد تدهو صحته
هل يشعل إضراب كروبى فتيل الانتفاضة مجددا؟
منذ وضع الزعماء موسوى وكروبى قيد الإقامة الجبرية، كلما طفت مشكلة رفع الإقامة على السطح، تظهر مخاوف لدى النظام بإمكانية اندلاعها مجددا، ولا يزال يراود مراكز صنع القرار قلقا من إحياء الحركة الخضراء وعودة الاحتجاجات، خاصة وأن أنصارها يستغلون كل مناسبة تتاح لهم ويقومون برفع اللون الأخضر، ففى التجمعات الانتخابية لروحانى اختلط اللون الأخضر بالبنفسجى لون حملته الانتخابية، كما استغل أنصاره مناسبة تشييع جثمان رفسنجانى زعيم الاعتدال فى 10 يناير 2017، للخروج وهتفوا بشعار "موسوى وكروبى وخاتمى".
عودة أنصار الحركة مجددا للشوارع يخيف السلطات، ما يدفع قوات الأمن بفض أى تجمعات تنشأ لأى غرض ولأى هدف بغير التى تحمل تصاريح رسمية منها تحسبا لتحولها ضد النظام. ويرى مراقبون أن سرعة تعامل السلطات مع اضراب كروبى عن الطعام حال دون خروج لأنصاره، حيث قبلت مطالبه وسرعان ما أنهى اضرابه بعد اعلان نجله أن عناصر من الاستخبارات زارته فى المستشفى وأبلغته بقبول المطالب كما أن سرعة انتشار الأمن حول منزل كروبى والطرق المؤدية له كان إشارة قوية على مخاوف السلطات من تجدد الأزمة.
روحانى وزعماء التيار الاصلاحى
هاهو دور روحانى فى إطلاق سراح الزعماء الإصلاحيين؟
بعد ان دخلت أزمة حصار الزعماء عامها الثانى، وعد الرئيس الحالى المحسوب على المعتدلين حسن روحانى، فى مناسبات مختلفة خلال حملاته الانتخابية برفع الحصار عنهم، كما وعدت حكومته بالقيام بهذا الدور، على نحو ما قال المتحدث باسم حكومته فى تصريح لصحيفة اعتماد الإصلاحية فى 2013 "اتساقا مع نهج الحكومة فإن جميع الاجراءات التى من شأنها تحقيق انفراج فى الأجواء أكان فى المجال السياسي أو الامنى وأيضا رفع الاقامة الجبرية التى ينتظرها المجتمع مدرجة في برنامج الرئيس".. إلا أنه بقى وعد لم ينفذ حتى الأن رغم المطالبات الشعبية والبرلمانية فى 2014 و 2015 منذ أن تولى الرئاسة فى 2013. واصبحت معضلة يواجهها النظام فى الداخل، واعتبر المتشددون أن الإقامة الجبرية هى إجراء "رأفة" بهما، إذ أنه كان يمكن إعدامهما فى حال أدينا بالفتنة.
لماذا لم يتمكن روحانى من رفع الإقامة عن زعماء الحركة؟
فى السنوات الأخيرة أصيب أنصار الحركة بخيبة أمل بعد ما تبين أن روحانى لم ولن يتمكن روحانى من فك حصارهم وإعادتهم لممارسة الحياة السياسية بشكل طبيعى، وذلك بسبب صلاحياته المحدودة التى يحددها له منصب الرئيس فى إيران، ولأن البت فى الأمور المتعلقة بالأمن القومى للنظام والخطوط العريضة والسياسة الكلية فى يد المرشد الأعلى على خامنئى، فأصبح معروف بين الأوساط السياسية وحتى بين النشطاء أن القرار فى يد المرشد الأعلى (الولى الفيه) أعلى سلطة فى البلاد والذى يتربع على هرم السلطة ويليه رئيس الجمهورية.
كما أن التيار الاصلاحى والمعتدليين أيضا أدركوا قدرة روحانى الضعيفة فى إطلاق سراحهما، وفى إحدى تصريحاته قبل وفاته فى مايو 2016 أكد زعيم التيار المعتدل هاشمى رفسنجانى، على أن حكومة روحانى غير قادرة على إطلاق سراح زعماء المعارضة الإصلاحية، على نحو ما قال فى مقابله لصحيفة شرق الإصلاحية "لا ينبغى أن نتوقع من الحكومة أن تقوم بذلك، فهى لا يمكن أن تقوم بهذا.. الأمر صعب ولا استطيع التوقع بما سيحدث، فى النهاية هناك شخص هو المرجع الرئيسى (المرشد الأعلى على خامنئى) هو من يتم تحديد السياسة العامة للنظام.
لكن روحانى لم يقف صامتا، ففى أعقاب توقيع الاتفاق النووى فى 14 يوليو 2015، سعى روحانى لفتح حوار بين الجبهة الاصلاحية والمرشد الأعلى، على نحو ما أطلق عليه "القيام باتفاق نووى ثانى" داخل البلاد، وكان يقصد بذلك مصالحة بين التيارات السياسية، إلا أنه قوبل برفض تام من قبل المتشددين والمرشد واعتبرت مؤامرة خارجية.
كروبى وخاتمى
ماهو دور الزعيم الإصلاحى خاتمى فى السنوات الأخيرة التى نكل فيها بزعماء الحركة؟
بعد إقصاء الزعيم الإصلاحى والرئيس الأسبق محمد خاتمى (1997-2005) من الحياة الساسية، وتحريم ظهور صوره فى الإعلام، فى فبراير 2011 كانت المرة الأولى التى طلب فيها خاتمى الإفراج عن موسوى وكروبى، وسأل خاتمى "لماذا يوضع أشخاص مثل موسوى وكروبى وزوجتيهما الذين لديهم ماض مجيد فى الثورة والجمهورية الإسلامية، والذين لا يشك فى إخلاصهم للثورة والجمهورية الإسلامية فى الإقامة الجبرية؟". وقال خاتمى: "هذا العمل يسمح لأشخاص هم ضد النظام الإسلامى، ولا يريدون الخير لإيران أن يستفيدوا ويستغلوا مشاعر الشباب"، وأضاف: "آمل أنه مع اقتراب السنة الإيرانية الجديدة، سنرى نهاية نظام الإقامة الجبرية والقيود والإفراج عن المعتقلين وإيجاد مناخ آمن وحر، يكون فيه تصويت الناس حاسماً".وفى مارس 2016، منع السلطات الأمنية خاتمى من حضور حفل زفاف ابنة زعيم المعارضة الإصلاحية مير حسين موسوى. وجدد طلب إطلاق سراح الزعماء الإصلاحيين بعد إضراب كروبى عن الطعام أغسطس الماضى.
وفى فبراير 2017 قبيل الانتخابات الرئاسية الإيرانية، أطلق خاتمى مشروع مصالحة وطنية جديدة كانت ترمى إلى إطلاق سراح الزعماء الإصلاحيين، وقال: "أوصى بشكل جاد شعبنا بأن يدافع عن وحدة أراضى البلاد والمصالح الوطنية ورفعة إيران أمام الأعداء بالوحدة والانسجام، حتى لو كان هناك استياء من بعض السياسات.الآن أفضل وقت ليحكم مناخ المصالحة الوطنية على البلاد، وإيجاد الوحدة والانسجام بين كافة الكوادر والتوجهات لمواجهة التهديدات الخارجية"، إلا أن دعوته قوبلت برفض تام من قبل المرشد والمتشددين الذين اعتبروها مؤامرة جديدة.
موسوى وكروبى
ما هو مستقبل الحركة؟
فى سنوات الصمت الماضية تحولت الحركة من حراك ثورى فى الشارع إلى حراك إلكترونى، وبقى أنصارها فى الداخل ينددون خلف شاشات الكمبيوتر وعلى مواقع التواصل الاجتماعى بعد أن شهدوا الحال الذى آل بزعمائها، الأمر الذى أثار أكثر من علامة استفهام حول مدى وجودها واستمرارها فى الشارع الإيرانى السنوات المقبلة، ويرى مراقبون أنه يصعب التنبؤ بمستقبلها فى ظل ملاحقات واعتقالات فى صفوف أنصارها، لكن يؤكدون أنه فى المستقبل القريب ستبقى مطالب الحركة محصورة فى الإفراج عن الزعماء الإصلاحيين والدعوة لإصلاح سياسى فى هيكل النظام الإسلامى.