أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى على هامش لقائه بالرئيس الفرنسى ماكرون، اختيار عام 2019، عاما للثقافة المصرية، قائلا: "اتفقنا على أن يكون عام 2019 هو عام الثقافة الفرنسية فى مصر، وتناقشنا حول سبل مكافحة الإرهاب، ومعالجة أوجه القصور فى مواجهة تلك الظاهرة".
وترتبط الثقافتان المصرية والفرنسية بشكل وثيق عبر التاريخ، وظهر ذلك بشكل كبير فى تأثر كثير من المثقفين المصريين والفرنسيين بالحضارة الإنسانية والإبداع الثقافى والفنى الموجود فى البلدين.
ومن الجانب المصرى تأثر عدد كبير من الشخصيات المصرية بالثقافة والأدب والتاريخ الفرنسى، وهو ما ظهر جاليا من خلال كتابتهم، التى كتبوها بعد عودتهم من العاصمة الفرنسية باريس، ومن أبرز هولاء الشخصيات:
رفاعة الطهطاوى
عاد الطهطاوى من البعثة بعد 5 سنوات كاملة، حيث عمل على تطوير الدراسة فى العلوم الطبيعية، واشتغل بالترجمة فى الطب، وبعدما بأربعة أعوام سنة 1835، قام بتأسيس مدرسة الترجمة – الألسن، لتعليم اللغات الأجنبية، كما ترجم القوانين الفرنسية، وطبعها فى كتاب باسم "تعريب القانون المدنى الفرنساوى".
أمير الشعراء.. أحمد شوقى
أحد أهم شعراء العصر الحديث، سافر إلى فرنسا على نفقة الخديوى توفيق، وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقى الفكرية والإبداعية، وخلالها اشترك مع زملاء البعثة فى تكوين (جمعية التقدم المصرى)، التى كانت أحد أشكال العمل الوطنى ضد الاحتلال الإنجليزى. وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية.
وهناك تأثر شوقى بالثقافة الفرنسية خاصة الشاعر الفرنسى موليير، كما كان متقنًا للفرنسية التى مكنته من الاطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر فى بعض نتاجه وما استحدثه فى العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة.
محمد حسين هيكل
أبو الرواية العربية، صاحب أول رواية فى الأدب العربى والمصرى، وهى رواية زينب، حيث ألفها بعد عودته إلى مصر قادما من فرنسا فى سنة 1914 بعنوان "زينب - مناظر وأخلاق ريفية"، وهى تعد البداية الرسمية للإبداع الروائى العربى كأول رواية تكتب باللغة العربية، وهو ما يوضح تأثره بالثقافة والأدب الفرنسى، خاصة أن فن الرواية كان أحد فنون الكتابة المستقرة فى الغرب.
واغتنم "هيكل" فرصة وجوده فى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه للاستماع لمحاضرات عديدة فى الأدب الفرنسى، وأقبل على قراءة الأدب الفرنسى بعد أن أتقن الفرنسية إلى جانب اهتمامه بزيارة المعارض، والمتاحف، والآثار.
طه حسين
سافر عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين عام 1914 إلى مونبلييه الفرنسية، بعدما أوفدته الجامعة المصرية لاستكمال دراسته هناك، ويبدو أن تأثر "حسين" بالثقافة والحضارة وطرق التعليم الفرنسية كان سريعا، وآثار عددا من الانتقادات للتعليم الجامعى فى مصر، خاصة جامعة الأزهر، وهو ما كاد يكلفه حرمانه من تكاليف نفقاته الدراسيه هناك، لولا تدخل السلطان حسين كامل.
وكان زواج طه حسين من سيدة فرنسية الجنسية هى سوزان بريسو، عظيم الأثر، فقد ساعدته على الاطلاع أكثر بالفرنسية واللاتينية، وتمكن من الثقافة الغربية إلى حد بعيد.
وما أن عاد عميد الأدب العربى إلى القاهرة حتى بدأ نشاطه الفكرى، فدعا إلى نهضة أدبية، وقام بتقديم العديد من الآراء التى تميزت بالجرأة الشديدة والصراحة وأخذ على المحيطين به من المفكرين والأدباء طرقهم التقليدية فى تدريس الأدب العربى، وضعف مستوى التدريس فى المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء وغيرها، كما دعا إلى أهمية توضيح النصوص العربية الأدبية للطلاب.
عبد الرزاق السنهورى
أحد أعلام الفقه والقانون العربى، سافر إلى فرنسا سنة 1921م فى بعثة علمية لدراسة القانون بجامعة ليون، وهناك تبلورت عنده الفكرة الإسلامية، حيث وضع هناك رسالته الإصلاحية التى عرفت بـ "مواد البرنامج" الذى يتضمن رؤيته فى الإصلاح، وأنجز خلال وجوده فى فرنسا رسالته للدكتوراه "القيود التعاقدية على حرية العمل فى القضاء الإنجليزى"، ونال عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراه.
ورغم موقف "السنهورى" النقدى من الحضارة الفرنسية، إلا أنه تأثر من خلال دراسته للقانون هناك، ما جعله يضع أول قانون مدنى مصرى عام 1953 بعد عام من ثورة يوليو 1952، متأثرا بالقانون المدنى الفرنسى، كما وضع المقدمات الدستورية والقانونية لكل "من مصر وليبيا والسودان والكويت والإمارات العربية المتحدة".
توفيق الحكيم
رائد المسرح المصرى، سافر إلى باريس بعدما أرسله والده لدراسة القانون هناك، لكنه كنا شغوفا بالمسرح، فاتجه إلى الأدب المسرحى والقصص، بعدما تردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا، ما جعله يكتسب الكثير من الثقافة والأدب هناك، وهو ما يظهر من خلال نشره أول أعماله الأدبية من باريس عام 1936، وهى مسرحية شهرزاد.
المدهش الأكثر هى ترجمة عدد كبير من أعمال الحكيم الرواية والمسرحية إلى تم نشرها وترجمتها اللغة الفرنسية، مثل مسرحيات "بجماليون، الملك أوديب، سليمان الحكيم".
كما يعتبر البعض رواية "عصفور من الشرق" هى ملخص لسيرة "الحكيم" فى فرنسا، حيث تعد الرواية انعاكساً حقيقاً لحال المجتمع الفرنسى فى ذلك الوقت، ويحاول الكاتب فى الرواية أن يبحث عن الحلم المفقود والمدينة الفاضلة، ويتكلم عن حيرة بطل الرواية الشرقى فى باريس، وقصة حبه الحالم، والصراع بين الغرب والشرق، الواقع والخيال، العقل والقلب، الحداثة والأصالة، العلم والإيمان، الماديات والروحانيات.
طلعت حرب
أبو الاقتصاد المصرى، وصاحب النهضة الاقتصادية والصناعية الكبرى، فى البلاد فى مطلع القرن الماضى، بدأ أولى خطواته للتحرر من الاستعمار وتمصير الاقتصاد الوطنى، بتعلمه وإتقانه اللغة الفرنسية.
انفتح "حرب" على العديد من الثقافات والاقتصاديات الغربية خاصة الفرنسية، مما ساعده فى تكوين عقليته الاقتصادية، فكان إنشاء بنك مصر، كأول بنك برأس مال مصرى، عام 1920، كما أسسس بنك مصر فرنسا عام 1936، إضافة إلى إرسال عدة بعثات فنية للخارج لتدريب وتوفير خبرات وطنية سينمائية.
الشيخ مصطفى عبد الرازق
أديب ومفكر مصرى، وأول شيخ للأزهر من غير الدراسين بجامعة الأزهر، لقب بمجدد الفلسفة الإسلامية.
تأثر "عبد الرازق" بالحضارة والثقافة الفرنسية، من خلال سفره إلى فرنسا ودراسته بجامعة "السوربون"، ثم جامعة ليون التى حاضر فيها فى أصول الشريعة الإسلامية، وحصل على شهادة الدكتوراه برسالة عن "الإمام الشافعى أكبر مشرعى الإسلام"، وترجم إلى الفرنسية "رسالة التوحيد" للإمام محمد عبده بالاشتراك مع "برنار ميشيل" وألفا معا كتابا بالفرنسية.
تولى مصطفى عبد الرازق وزارة الأوقاف عام 1938، وظل فيها سبع وزارات متتالية، ثم منصب شيخ الأزهر، عام 1945، وبعدها بعام اختير أميرا للحج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة