التاريخ الأوروبى يمتلئ بالكثير من الحروب والمعارك التى كانت فى كل مرة تعيد تغيير خريطة المكان، ومن هذه المعارك الشهيرة كانت "نانسى".
وقبل الخوض فى تفاصيلها علينا أن نتوقف قليلا عند شخصية "شارل الجرىء" الشخصية المحورية فى هذه المعركة التى وقعت أحداثها منذ 541 سنة، وهو ولد فى 10 نوفمبر 1433 وتوفى فى 5 يناير 1477 وكان عمره حينها 44 سنة، وكان دوق بيرغندى من عام 1467 إلى عام 1477.
كان هدف تشارل الأساسى السعى إلى توسيع نطاق مملكته من خلال الحروب أو من خلال شراء الدويلات والأقاليم الصغيرة، ففى عام 1469 سنحت له فرصة عندما عرض عليه أرشيدوق النمسا سيجيموند بيع إقليم فيريتى Ferrette الواقعة على الحدود الفرنسية فى شرق فرنسا، إضافة إلى بلدات وقرى أخرى مجاورة لها مع الاحتفاظ بحقه باسترجاعها عندما تتحسن ظروفه.
فى نهاية عام 1473 كان نفوذ مملكة بورجونيا قد امتد ليصل من فرنسا إلى حدود هولندا وأصبح حينها تشارل أحد أقوى رجال أوروبا وأكثرهم ثراء.
المهم أن تشارل دخل فى نزاع مع أرشيدوق النمسا سيجسيموند، وذلك حين رفض تشارل إعادة المقاطعات إليه حسب الاتفاقية المبرمة بينهما، وهذا ما أدخله فى نزاعات كثيرة كان لها الأثر الأكبر فى سقوطه، كذلك خسارته معركة جراندسون فى 2 مارس 1476 أمام الجيش الاتحادى السويسرى، حيث بادر تشارل إلى محاصرة قلعة جراندسون استعدادا لاقتحامها لكنه واجه مقاومة شرسة جعلته يتراجع، ومن ثم يفر مع ما تبقى من رجاله تاركا خلفه غنائم كثيرة من أسلحة وعتاد ومدفعية التى كان ينوى استعمالها لهدم القلعة، فى 22 يونيو 1476 قام تشارل بتجميع قوة قوامها 30 ألف رجل وقام بمهاجمة مورات وهى مدينة تقع بين لوزان وبيرن السويسريتين كان شارل قد ادعى بأحقيته فيها، لكن وكما حصل فى المعركة السابقة انهزم تشارل أمام الجيش السويسرى وفقد ما يقارب الثلث من عدد رجاله.
لذا لم يكن أمام تشارل الجرىء حل سوى تشكيل جيش مكون من عدة آلاف من رجاله والاتجاه إلى أبواب مدينة نانسى عاصمة اللورين، وكان الوقت منتصف فصل الشتاء والثلوج تغطى كل شىء، مما صعب الأمور على الجيش ولاقى الكثير منهم مصرعه حتى قبل بداية المعركة.
وبحلول 5 يناير 1477 وقعت أحداث معركة نانسى بين الجيش البرغندى بقيادة الدوق شارل الجرىء وبين جيش اللورين بقيادة الدوق رينيه مع المساعدة من قبل الجيش السويسرى التى هرعت لتقديم المساعدة، وبسبب رداءة الطقس والإرهاق الذى أصاب الجنود لم يستطع شارل الصمود فى مواجهة قوات اللورين وسويسرا فتمت خسارته وقتل فى المعركة وتم العثور على جثته بعد عدة أيام مشوهة بطريقة يصعب تمييزها.
وبعد وفاته أصبح من الواضح أن الأراضى الخاضعة بين فرنسا وهابسبورج مصيرها التقسيم، لكن كلا الطرفين لم يكن راضيا عن نتائج التقسيم، مما كان سيؤدى لاحقا إلى تفكك الولايات البرجندية ونشوب حروب عديدة فى أوروبا الغربية لمدة قرنين من الزمان.