كانت لرمال أرض الفيروز العنوان الدائم لدماء أبناء الوطن سواء من رجال الجيش والشرطة، أو حتى المدنيين التى نزفت دفاعا عن شبه جزيرة سيناء، فى الحرب ضد الإرهاب، التى أفرزت أبطالا ورموزا فى الوطنية والتضحية، وبطلنا اليوم هو ابن وحيد لأسرته، التى تعلقت بحلم أن يحقق رغبتهم ورغبته بالتخرج من كلية الهندسة، والعمل بشكل غير نمطى لاكتشاف كنوز سيناء من ثروات تعدينية لم يصل إليها أحد.
يد الإرهاب الآثمة، اغتالت الحلم مبكرا وارتشفت ببرود دم الشاب البرىء، لتضعه بين الشهداء ضحايا إرهاب سيناء من المدنيين ورجال الجيش والشرطة، بدون ذنب يذكر سوى أنه توضئ وتطهر ونوى صلاة الجمعة، ولم يكمل إقامتها لصعود روحه إلى بارئها.
هو الشاب الشهيد محمد سليمان أبوشميط السواركة، أحد شهداء مسجد الروضة بشمال سيناء الذين تعرضوا للقتل على يد عناصر إرهابية اقتحمت المسجد أثناء صلاة الجمعة فى 24 نوفمبر من العام الماضى وخلفت فاجعة لا تزال آثار وقعها حاضرة فى قرية الروضة التى أصبحت تحمل اسم القرية الشهداء أهلها.
أسرة الشهيد محمد شميط، لا تنسى ابنها، وملخص حياته التى انتهت، لم يمسح من ذاكرة والده الدكتور سليمان شميط، ووالدته وشقيقاته الاثنتين.
والده الذى أصيب أيضا فى حادث مسجد الروضة، واستطاع أن يسجل نموذج لروح الصبر والتحدى بفقد ابنه الوحيد ولملمة جراح لا يزال يعانيها فى جسده جراء طلق نارى أصابه فى ظهره ليؤدى رسالته ويحقق حلم ابنه ولكن بشكل مختلف، وهو رعاية الجادين فى العلم من أبناء قريته وكل مناطق بئر العبد من حوله.
وبكلمات الحزن والأسى عكس الدكتور سليمان شميط لـ"اليوم السابع"، مدى حزنه على فراق ابنه، ولكن يقينه أنه مع الشهداء والصالحين يصبره ويعينه.
وأضاف أنه كان يريد أن يتخرج ابنه من كلية الهندسة التى يدرس بها، ويعمل فى مجال يخدم سيناء ويعيد اكتشاف ثرواتها المنسية غير المعروفة.
وأشار إلى أنهم كبقية اسر شهداء مسجد الروضة، لا يزالون يعانون اثر الصدمة، صدمة لم تقف امام مسيرة يومياتهم وأنهم يَرَوْن أن التحدى هو بالعمل فلا بكاء على شهداء فى الجنة، وإنما عمل ثم عمل لتعود القرية كما كانت بل أفضل وتعود كل ربوع سيناء آمنة طاهرة معمرة بمشروعاتها وأهلها.
وأكد "شميط" أن روح ابنه الشهيد أصبحت ملهمة له فى عمله كمدير إدارة بئر العبد التعليمية، وأصبح يرى أكثر أهمية أن يتم تربية وتعليم أبناء هذه المناطق، لافتا إلى أن رسالته منذ أن كان صغيرا يسير عشرات الكيلو مترات على قدميه للوصول لأقرب مدرسة حتى اليوم هى "بالعلم نسموا ونرتقى" واليوم أضاف لها بالعلم نهزم كل عدو بالعلم نقهر كل ظلام بالعلم ننقذ اجيال من الضياع بالعلم تنمى وتعمر الأوطان.
وقال إنه يعمل على أن يكون من الفتية الصغار والشباب فى المدارس، من يعيدون الحياة لسيناء وأهلها، فسيناء كنز كبير لم يكتشف بعد، ولن يفك أسراره سوى ابناءه وهذا بالعلم فهو التحدى لكل آلة خراب وهدم ودمار.
وحول أسرته التى أصبحت تحمل اسم أسرةً شهيد، قال إن لديه بنتين احداهما أنهت دراستها الجامعية بكلية التربية جامعة العريش بمرتبة علمية متقدمة، والمأمول أن يتحقق حلمها وحلمنا كأسرتها العمل معيدة بالكلية، والثانية لا تزال طالبة فى المرحلة الاعدادية ونأمل لها أن تكون من الفاعلات فى مجتمعها وخدمة وطنها.
وكشف والد الشهيد، أنه ورغم تقدم سنة فهو إلى جانب عمله كمسؤول فى التعليم، لا يزال يجلس على مقاعد الدراسة ويتعلم ويسعى ويجتهد ويذاكر للحصول على درجة علمية جديدة فى حياته التى وهبها للعلم معلما ومتعلما، لافتا أنه يدرس بجامعة عين شمس التى حصل منها على درجة الماجستير فى عام 2016، ويواصل حاليا دراسته العلمية بالتحضير لدرجة الدكتوراه، ومضمونها "تفعيل برنامج المواطنه البيئية لدى طلبة التعليم الأساسى لتطبيق قياس المواطنة لديهم قبل وبعد تطبيق البرنامج".
وتابع أنه إلى جانب ذلك فهو يفتخر ببث روح الانتصار والتحدى على كل عائق لدى أبنائه وتلاميذه وكان ناتج ذلك أن أكثر من 20 طالبًا من أبناء قريته ممن أنهوا تعليمهم المتوسط سارعوا واستكملوا دراستهم الجامعية عن طريق التعليم المفتوح، ويسعون لمواصلة تعليمهم بالتسجيل لنيل درجات علمية، وأن من بين تلاميذه كان أحد الطلبة يحضر يوميًا للمدرسة من تجمع سكنى يبعد 7 كيلو مترات عن القرية يسمى "غريف الغزلان"، لا يتصل بأى طريق، والطالب يصل للمدرسة على ظهر "جمل" يوميًا، وكان هذا الطالب متفوقًا وحرص على تشجيعه ومؤزرته، حتى تخرج من كلية التربية، وأصبح معلمًا مشهودًا له بالكفاءة فى القرية يؤدى رسالته لتعليم الأجيال.