"ماتمنعوش الصادقين من صدقهم.. ولا تحرموش العاشقين من عشقهم.. وإذا كنا مش قادرين نكون زيهم.. نتأمل الأحوال، وندرس الأفعال.. يمكن إذا صدقنا نمشى فى صفهم".. فى الحلقة الأخيرة من مسلسل "رحلة أبو العلا البشرى" الذى ملأ الدنيا وشغل الناس فى عام 1986، يقول أبو العلا بعدما خاض الكثير من الإخفاقات واصفا نفسه "ساعتى قديمة وخربانة وعايزة الكسر" فيرد عليه مجدى البشرى "لا يا عمى دى ساعات أصيلة، ماركات قديمة يدوية معادوش بيصلحوها".
يمكن القول على "رحلة أبو العلا البشرى" خاصة جزأه الأول، إنه مسلسل يصلح لكل الأزمنة، لأنه مثل الروايات العظيمة الخالدة، فالشخصية الأساسية التى قدمها الكبير محمود مرسى تحكى عن أبو العلا البشرى رجل يحمل الكثير من قيم المدينة الفاضلة، خرج على المعاش بعد حياة قضاها فى عمله ولم يغادر فيها مدينته "سخا" لكن قرر أن يقضى بقية حياته فى خدمة أقاربه فى القاهرة، فرحل ومعه ابنة أحد أصدقائه، وهناك وجد كل المفاهيم قد تغيرت وتبدلت وصار الانفتاح أسلوب حياة واكتشف أن الإنسان قد قهرته الحياة بمتطلباته الغريبة.
وفى المسلسل يلتقى مجموعة من الكبار الذين ارتقوا بالعمل الدرامى فى ثمانينيات وتسعيينات القرن الماضى، وهم أسامة أنور عكاشة، ومحمد فاضل، ومحمود مرسى، وعبد الرحمن الأبنودى، وعمار الشريعى وكريمة مختار" وقدموا واحدا من الأعمال الخالدة، وفيه أعلن الجمهور تعاطفه المطلق مع "أبو العلا" الذى يتصدى لفساد الإنسان وضياعه.
بالطبع هناك خيط قوى يربط بين شخصية أبو العلا البشرى والشخصية الروائية الشهيرة دون كيشوت، والتى أبدعها الأديب الأسبانى ثيرفانتس، وتحكى عن رجل قرأ كتب الفروسية واكتشف أن العالم الآن يحتاج إلى فارس لينقذه مما هو فيه، لكن الواقع يصدمه لدرجة أنه يحارب طواحين الهواء.
ويتميز مسلسل "رحلة أبو العلا البشرى" بحوار رشيق محمل بالكثير من الدلالات، كأنه نص روائى، كل كلمة لها معناها، ومن المشاهد التى لا ينساها المصريون، فى الحلقة الأخيرة، عندما سافرت "نجوى" والتى قامت بدورها "الفنانة الجميلة نسرين" طليقة مجدى البشرى/ محمد العربى، الوريث الفعلى لأخلاق أبو العلا البشرى، إلى باريس، ويسافر مجدى خلفها، وهناك تعلن له أن حياتهما انتهت، ورد فعل منه يذهب مجدى للعمل فى "كباريه" ويسعى للزواج بإحدى راقصاته، حينها ينفجر كل شىء فى القاهرة، وفى تصوير رائع رأينا أبو العلا البشرى يعد حقيبته، رغم عودته إلى "سخا" معلنا الذهاب إلى باريس، متراجعا عن موقفه القديم بأنه لن يتدخل مرة أخرى فى حياة الآخرين، كما أن جميع العائلة بدأوا فى "الجرى تقريبا" خارجين من بيوتهم فى إيحاء بالذهاب لإنقاذ "مجدى البشرى من الضياع"، و"لو مش هتحلم معايا.. مضطر أحلم بنفسى.. لكنى فى الحلم نفسه.. عمرى ما هحلم لنفسى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة