بعد اندلاع ثورة 1919، والتفاف الشعب المصرى بكل فئاته حول الزعيم سعد زغلول، هدف الاحتلال البريطانى لإجهاض تلك الثورة، والعمل على معرفة أسباب اندلاعها، والسيطرة عليه، بمساعدة بعض الموالين له من المسئولين المصريين.
فى 7 ديسمبر، وصلت لجنة تحقيقات إنجليزية، برئاسة اللورد ملنر، وزير المستعمرات البريطانى آنذاك، إلى مصر والتى كانت تهدف إلى التحقيق بأسباب اندلاع الثورة، بحسب ما أعلنت السلطات البريطانية المحتلة للبلاد، ذلك الوقت، حيث شُكلت اللجنة فى 22 سبتمبر 1919 من قبل الحكومة البريطانية، للوقوف على أسباب ثورة 1919 في مصر.
وضمت اللجنة فى عضويتها: ا. ت لويد - (سكرتير) مُتقن للغة العربية، أنجرام - موظف بوزارة الخارجية البريطانية (مساعد سكرتير)، رنل رود - سفير إنجلترا في إيطاليا في فترة الحرب العالمية الأولى، جون مكسويل - قائد القوات البريطانية في مصر في فترة الحرب العالمية الأولى، أوين توماس - عضو بالبرلمان البريطاني وخبير زراعي، سبندر - رئيس تحرير جريدة وستمنستر جازيت، هرست - مستشار قضائي بوزارة الخارجية البريطانية.
منذ اليوم الأول، لم يحب المصريين تلك اللجنة، وشعروا بالمخطط البريطانى الخبيث لإجهاض ثورتهم الشعبية فى مواجهة الاحتلال، ومنذ اللحظات الأولى بدأت حملات المقاطعة لهذه اللجنة.
وبحسب كتب " سعديون أم عدليون؟ .. وفاق وشقاق" للكتب عمرو سميح طلعت، فإن فكرة المقاطعة لهذه اللجنة لم تنشأ فور الإعلان عن تشكيل اللجنة، بل يمكن اعتبارها تطورا لفكرة مواجهتها وإجهاض مهتمتها، ففور الإعلان عن تشكيل اللجنة، بدأ التفكير فى كيفية الاستعداد لملاقاتها والتعامل معها، ويشير الكاتب أن غموض كان ينتاب حالة الوفد المصرى فى التعامل مع اللجنة، قبل أن يصل إلى المقاطعة، موضحا أن الأرجح ان قكرة المقاطعة أتت إلى فهمى بك عضو الوفد، بعد أن قام بتشكيل لجنة لمقابلة لجنة ملتر، ثم استيقظت فكرة المقاطعة، والبرقيات المتداولة بينه وبين الزعيم سعد زغلول تؤيد ذلك.
ويوضح المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعى، فى كتابه "1919" أن الجانب الشعبى شهد مقاطعة أكبر، ففى يوم الجمعة 12 ديسمبر، اجتمع عدد كبير من السيدات المصريات مسلمات وقبطيات بالكنيسة المرقسية، احتجاجا على قدوم اللجنة، وكان فى مقدمتهن السيدات: هدى شعراوى، شريفة رياض، حرم محمود باشا رأفت، وحرم حبيب بك الخياط، وإحسان القوصى، حرم فهمى بك ويصا، وأصدرن بيانا ضمنه رأيهن فى الموقف السياسى، وإخلاف الإنجليز وعودهم فى المسألة لمصرية، وختمنه بتأييد مقاطعة لجنة ملنر والاحتجاج على قدومها.
وقام السيدات فى 16 يناير سنة 1920، بمظاهرة سارت من محطة مصر إلى شارع كامل (الجمهورية الآن)، فميدان الأوبرا، فشارع عابدين، وتعرض لهن الجنود الإنجليز، وطلبوا منهن التفرق فأبين واستمررن فى المظاهرة، إلى أن انتهت بسلام.
الموظفون أيضا كان لهم دور فى المقاطعة، فيذكر "الرافعى" أن جمهور الموظفين اجتمع فى يوم 15 ديسمبر، بمسجد الشيخ صالح أبى حديد وقرروا الإضراب عن العمل يوما واحدا وهو يوم 17 ديسمبر احتجاجا على قدوم اللجنة وإيذانا بمقاطعتها، لكن الوزارة لم تكد تعلم بهذا، حتى قررت يوم 16 ديسمبر إنزال العقاب الشديد بكل من يضرب فى اليوم التالى، وأبلغ رؤساء المصالح هذا الإنذار إلى مرؤسيهم، وصارحوهم ان أول مظهر لهذا العقاب هو قطع الحرب والعلاوات الأخرى، وفصل كل موظف لا يكون فى الخدمة أكثر من 10 سنوات، فعدل الموظفين عن الإضراب واكتفوا بالاحتجاج.
وتوضح الكاتبة شاهيناز طلعت، فى كتابها "الرأى العام" أن المقاطعة التامة للجنة من قبل الذى فكر فيها فهمى بك، ونفذها الشعب، والحرب الذى قام بها المصريين ضد عبد الرحمن فهمى الموالى للإنجليز، وضد كل من وقف ضد الاستقلال التام ومهمة الوفد المصرى فى باريس، من اهم الاسباب التى أدت إلى تغيير لو صوريا دفى سياسية بريطانيا نحو مصر بالتحدث فى أمر الاستقلال، وجعل سعد زغلول يجلس على مائدة المفاوضات، ومن ثم القبض على عبد الرحمن فهمى وأعوانه ومحاكمتهم بتهمة فكر الاستعمار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة