خفضت نبرة الحرب لكن لم يتوقف التوتر الأمريكى – الإيرانى بعد ليلة الجمعة الماضية 21 يونيو، الليلة الأخطر فى الصراع بين البلدين، حيث شكلت علامة فارقة فى تاريخ التناحر بين واشنطن وطهران منذ الثورة الإيرانية 1979، فكانت السفن المرافقة لحاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" تنتظر ضوءا أخضرا من البنتاجون لضرب أهداف محددا مسبقا مثل بطاريات الرادار والصواريخ، على الأراضى الإيرانية بحسب مسئولين أمريكيين وقبل ساعتين من التنفيذ ألغى الرئيس الأمريكى الضربة، رغم ذلك خرج ترامب اليوم، السبت وقال إن العمل العسكرى ضد إيران مازال خيارا مطروحا.
اعتبر المناهضون للنظام الإيرانى فى إدارته وعلى رأسهم الصقر مستشار الأمن القومى جون بولتون تراجع مخزى حتى أن بعض التسريبات التى كانت تخرج هذه الليلة من أروقة البيت الأبيض تحدثت عن خلاف بين الرئيس وبولتون حول كيفية التعامل مع إيران، على نحو ما كتبه مراسل CNN على صفحته على تويتر ألكسندر ماركوارتد، قائلا "أخبرنى مسؤول في البيت الأبيض أن هناك خلاف بين ترامب وبولتون حول ايران.. ترامب لا يريد صراع".
مرت ساعات عصيبة 4 اجتماعات عقدت فى البيت الأبيض ابتداء من الـ7 صباحا، وعند الساعة الـ10 والربع صباحا، أعلن ترامب أن "إيران ارتكبت خطأ جسيما جدا"، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، وأعطى ترامب البنتاجون الضوء الأخضر للتحضير لضرب إيران، وفى حوالى الساعة الـ6 مساء، عندما كانت القيادات العسكرية تضع اللمسات الأخيرة قبل انطلاق العملية، بدأ ترامب يطرح "أسئلة جوهرية" خلال اجتماع مع مستشاريه، حيث أبدى اهتماما خاصا بعدد الضحايا المتوقع، لافتا إلى أن أيا من الأمريكيين لم يقتل جراء إسقاط إيران الطائرة الأمريكية، وفجأة.. قرر ترامب إلغاء الضربة فى حوالى الساعة الـ7، قبل الموعد المقرر لتنفيذها وكتب تغريدة "أوقفت الهجوم قبل موعده بعشر دقائق لم يكن متناسبا مع إسقاط طائرة مسيرة غير مأهولة".
باتت إيران ليلتها تترقب الضربة حاول صانع القرار الإيرانى اخفاء مخاوفه، وشرع اعلامها الرسمى بمختلف انتماءاته الأصولى أو الاصلاحى بالتهليل بإسقاط الحرس الثورى العقاب الأمريكى طائرة الدرون باهظة الثمن، فيما اعتبر المتشددون والمناهضين للولايات المتحدة أنها رسالة لواشنطن التى اعتبر ممثلها بالخارجية براين هوك قدرة طهران العسكرية فوتوشوب، وأن الحادث جاء لطهران على طبق من فضة حيث منحها ترامب فرصة لإستعراض العضلات، وقسما أخر من الإيرانيين رأى أن لطهران ثأرا قديم مع واشنطن التى اسقطت فى المكان نفسه فوق مياه الخليج فى العام 1988 طائرة ركاب مدنية بالخطأ بصاروخ أرض جو وقتل جمع ركابها الـ290 شخصا.
أسباب إلغاء الضربة
ويرى مراقبون أن هناك أسباب عديدة ودوافع وراء التراجع المفاجئ لترامب عن الضربة، كانت أحد الأسباب المعلنة هى حقن الدماء، حيث قال إن الرد بهذه الطريقة على إسقاط طهران طائرة استطلاع أمريكية مسيرة كان سيخلف خسائر غير متناسبة في الأرواح تقدر بنحو 150 شخصا، ومن بين الأسباب غير المعلنة التى يمكن قراءتها من القرار هو ترجيح ترامب الحل الدبلوماسى مع إيران، فضلا عن رد الفعل الإيرانى غير المتوقع الذى قد تلجأ إليه حال تم ذلك وفى مقدمته توجيه ضربات إلى القواعد العسكرية الأمريكية فى الخليج، وقد يصل الأمر لضرب حلفاء واشنطن لاسيما إسرائيل، فتهديدات إيران المستمرة بحرب شاملة وبقصف تل أبيب حال ضربت طهران تأخذها الإدارة الأمريكية أيضا محمل الجد لاسيما يمتلك النظام الإيرانى صواريخ بعيدة المدى.
سيناريو ما بعد التراجع عن الضربة
يمكن التأكيد على أن التوتر سيظل قائم بين واشنطن وطهران، وسيظل كارت تشديد العقوبات على طهران هو الخيار الأمثل حتى هذه اللحظة بعد إلغاء الضربة، رغم أن ترامب أعلن أن الخيار العسكري تجاه إيران لا يزال مطروحا، لكنه أيضا شدد على أنه سيفرض حزمة جديدة من العقوبات على طهران لمنعها من الحصول على السلاح النووي، وشدد ترامب فى تصريح أدلى به اليوم على أنه من المهم الانطلاق من البداية فيما يتعلق بإيران، مبديا أمله في أن تكون الحكومة الإيرانية "ذكية" وتهتم بشعبها.
رسائل ضمنية
وفى خضم التوتر كررت إيران تصريحات ترامب بأن الخطأ قد يكون فرديا، وقال قال قائد القوة الجو فضائية بالحرس الثورى، العميد أمير على حاجى زادة، إنه من المحتمل أن يكون تجاوز مجالنا الجوى خطأ فرديا من أحد الجنرلات الأمريكيين، لافتا إلى أن ما حدث قوبل برد طبيعى من جانب إيران. وأضاف"نحن لا نرحب بالحرب، لكن مستعدون للدفاع المستميت عن بلدنا". متابعًا: "الإجراء الأمريكى كان يتعارض مع القوانين والأعراف الدولية، ونحن أيضا جاء رد فعلنا طبقا لمهامنا القانونية". مؤكدًا على أن تكرار أمريكا لخطأ انتهاك سيادتنا سيقابل برد مماثل لإسقاط الطائرة المسيرة.