أنهت القافلة الدعوية الحادية عشرة المشتركة بين علماء الأزهر ووزارة الأوقاف إلى محافظة البحيرة بمناسبة عيدها القومي أعمالها منذ قليل، والتى تضمنت لقاءات جماهيرية لأبناء المحافظة، فى حديث عن مظاهر الكبر والاستعلاء والصد عن دين الله (عز وجل)” من أجل تصحيح المفاهيم الخاطئة، ونشر الفكر الوسطي المستنير، وبيان يسر وسماحة الإسلام، ونشر مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية، وترسيخ أسس التعايش السلمي بين الناس جميعًا.
من جانبه أكد فضيلة الشيخ الشوربجي محمود بمجمع البحوث الإسلامية، أن الكبر هو أول ذنب عُصي الله به (عز وجل) , وذلك لما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى قال تعالى: “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ” , لذا فإن عاقبة المستكبرين وخيمة في الدنيا والآخرة أفرادا كانوا أو أممًا , فهلاك الأمم والقرى التي عتت واستكبرت سنة ماضية في خلق الله (عز وجل) ولن تجد لسنة الله تبديلًا ولا تحويلًا , يقول الحق سبحانه وتعالى: ” فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ” , ويقول سبحانه: “وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا* فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا”.
و أكد الشيخ رجب محمد عبد العزيز بمجمع البحوث الإسلامية، أن الإسلام حذر من سوء عاقبة الكبر وجعله بابًا من أبواب البُعد عن رحمة الله , و توعد أهله بالعذاب الأليم قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ” , وقال تعالى: ” وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ” , وقال (صلى الله عليه وسلم) : “احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ ، فقالتِ النَّارُ : فِيَّ الجَبَّارُونَ وَالمُتَكَبِّرُونَ ، وَقَالتِ الجَنَّةُ: فِيَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَمَسَاكِينُهُمْ ، فَقَضَى اللهُ بَيْنَهُمَا: إنَّكِ الجَنَّةُ رَحْمَتِي أرْحَمُ بِكِ مَنْ أشَاءُ ، وَإنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أشَاءُ ، وَلِكلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا” ,وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” أَلا أخْبِرُكُمْ بِأهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ جَوَّاظٍ … مُتَكَبِّرٍ” , وأوضح أن أهل الكبر يُعرفون بسيماهم المذمومة في الآخرة , كما كانوا يعرفون بها في الدنيا قال تعالى: ” وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ”.
وأكد الشيخ مجدي محمود عبد الفتاح بمجمع البحوث الإسلامية، أن الكبر خُلقٌ يسكن القلب المريض , فقد يكون الرجل رث الحال , قليل المتاع وهو من المتكبرين , وقد يكون غنيًا وقد بسطت له الدنيا وهو من أهل التواضع والإخبات , قال (صلى الله عليه وسلم) : ” لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ) فَقَالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ، وَنَعْلُهُ حَسَنةً ، فَقَالَ : (إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ ، الكِبْرُ : بَطَرُ الحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ” , وهو من أخطر الأمراض النفسية والاجتماعية التي تحطم النفس وتهدم المجتمع , وصاحبه مخدوع في نفسه يستعلي بها على غيره , قال تعالى : “إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ”.
وقال الشيخ أحمد محمد حسن الرحماني بمجمع البحوث الإسلامية، أن هناك مظاهر للكبر تبدو في السلوك والمعاملة منها: العزة بالإثم ، وعدم الخضوع للحق قال تعالى : “وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ” ، فالمتكبر يندفع بغروره المذموم واستكباره المقيت لرفض الحق، ولا تزيده دعوته إِلى الحق إلا غرورا واستكبارًا ، فيورد نفسه مورد الهلاك , ومنها : تصعير الوجه ويعني الإشاحة بالوجه عن النظر كبرا ، وقد نهى الله تعالى عنه على لسان لقمان بقوله لولده : “وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ”، ومنها : الاختيال في المشي : ويعني : التبختر والتعالي في المشية ، قال تعالى : “وَلاَ تَمْشِ فِي الأَْرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَْرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَال طُولاً كُل ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا”.
وذكر الدكتور عبد الخالق صلاح عبد الحفيظ بمديرية أوقاف القاهرة، أن من مظاهر الكبر: الاختيال بالمتاع وبنعم الله (عز وجل) ، قال (صلى الله عليه وسلم): “خرج رجل ممن كان قبلكم في حلة له يختال فيها، فأمر الله الأرض فأخذته ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة”، ومنها : الترفع عن مجالسة الفقراء والضعفاء احتقارا لهم ، كما ترفع المشركون عن مجالسة فقراء الصحابة ، سلمان وصهيب وبلال ونحوهم رضي اللَّه عنهم أجمعين ، حيث قالوا لرسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا ، فأنزل الله عز وجل: “وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ”.
وأكد د. الدكتور محمد الصغير إسماعيل بديوان عام الوزارة، أن الكبر سبب في كفر وتكذيب المكذبين في الأمم السابقة ، قال تعالى على لسان سيدنا نوح (عليه السلام): “وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً” ، وقال تعالى عن قوم هود (عليه السلام): “فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً” ، وقال تعالى عن قوم صالح(عليه السلام): “قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ”، وقال تعالى عن قوم شعيب (عليه السلام): “قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا”، وهكذا كانت عاقبة كل أمة استكبرت عن أمر الله تعالى الهلاك والبوار، فبئست العاقبة وبئس المصير.
وأوضح الدكتورعبد ربه محمد عبد ربه بمديرية أوقاف البحيرة، أن سبيل الدواء لمن ابتلي بهذا الداء العضال أن يعالج قلبه بأن يعرف قدر نفسه فينظر في أصل وجوده بعد العدم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم كيف صار شيئا مذكورا بعد أن كان عدمًا , وليعلم العبد المتكبر أنه يعاقب يوم القيامة بنقيض قصده فمن قصد التعالي والتباهي على خلق الله حُشر أذلهم وأنقصهم , قال (صلى الله عليه وسلم): ” يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ” , وَقَالَ تَعَالَى: “تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ”.
وقال الشيخ إبراهيم محيي الدين إبراهيم بمديرية أوقاف البحيرة، أن من مظاهر الصد عن سبيل الله تناقض الأقوال والأفعال وادعاء المثالية والمسالمة ، ممن يركزون على الشكل والمظهر ويعطون المظهر الشكلي الأولوية المطلقة ولو كان ذلك على حساب اللباب والجوهر ، حتى لو لم يكن صاحب هذا المظهر على المستوى الإنساني والأخلاقي الذي يجعل منه القدوة والمثل ، ذلك أنه صاحب المظهر الشكلي الذي لا يكون سلوكه متسقا مع تعاليم الإسلام , يُعد أحد أهم معالم الهدم والتنفير , والصد عن سبيل الله , وأمثال هؤلاء هم من يصدق فيهم قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِين”.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة