وجد وباء الطائفية موطئ قدم له فى ميادين العراق ولبنان، وبين ليلة وضحاها احتلت المذهبية الساحات والمدن الكبرى فى البلدين العربى، ففى العراق سقط ما لا يقل عن 40 محتجا أمس الجمعة بحسب مصادر أمنية، عندما استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع وفتحت جماعة شيعية مسلحة النار لمحاولة قمع مظاهرات متجددة على الفساد والمصاعب الاقتصادية.
وقالت مصادر بالشرطة إن ضابط مخابرات وعضوا في جماعة عصائب أهل الحق القوية قتلا في اشتباك مع محتجين في مدينة العمارة بجنوب البلاد.
وقالت مصادر طبية والمفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق إن ما يربو على 2000 شخص أصيبوا على مستوى البلاد عندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع للتعبير عن الإحباط من النخب السياسية التي يقولون إنها فشلت في تحسين مستوى حياتهم بعد سنوات من الصراع.
كما قررت الحكومة المحلية بمحافظة كربلاء فى العراق، اليوم السبت، تمديد حظر التجوال المعلن فى المحافظة إلى إشعار آخر.
وأشار مصدر أمنى فى المحافظة، إلى أن الحكومة المحلية فى كربلاء، أعلنت أمس الجمعة، حظر التجوال حتى الثانية عشرة من ظهر اليوم السبت، لكنها قررت تمديد حظر التجوال مجددا إلى إشعار آخر.
وفى سياق متصل، أعلن مصدر أمنى عراقي، أنه تم تعيين اللواء الركن ماجد فالح الموسوى قائدا جديدا لشرطة بغداد، بعدما أوصت لجنة التحقيقات الخاصة بأحداث التظاهرات بإعفاء قائد شرطة بغداد السابق اللواء صلاح مهدى.
وأضاف المصدر أنه تم كذلك تعيين العميد حيدر حسن منخى قائدا لشرطة محافظة الديوانية، فيما تسلم العميد الحقوقى محمد عبد الوهاب السعيدى رسميا قيادة شرطة محافظة ذى قار.
وفى لبنان، اتخذت التظاهرات منحى طائفيا، عقب خروج أنصار حزب الله من البيئة الشيعة للإشتباك مه المتظاهرين، وفى محاولة لتهدئة الوضع، أكد مكتب الإعلام فى رئاسة الجمهورية اللبنانية، خلال بيان، أن وسائل إعلام ومواقع تواصل تناولت معلومات غير دقيقة حول رد الرئيس عون القانون الرامى الى مكافحة الفساد فى القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الى مجلس النواب.
ووفقا لحساب الرئاسة اللبنانية على تويتر، فإن الرئيس عون لم يرفض قانون مكافحة الفساد بل رده الى مجلس النواب لإدخال تعديلات عليه.
من جانبه أكد الاتحاد الأوروبى دعمه ووقوفه إلى جانب لبنان والالتزام باستقراره ومنطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن أوروبا تدعم الأهداف الإصلاحية التى حددها رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى والحكومة برمتها فى الآونة الأخيرة.
وذكرت سفارة الاتحاد الأوروبى بلبنان أن الاتحاد على ثقة فى أن تستجيب السلطات اللبنانية سريعا، وبحكمة، للتطلعات المشروعة للشعب اللبناني، عبر تنفيذ الإصلاحات الجذرية الملحة والتى طال انتظارها، مضيفة أن الاتحاد الأوروبى شريك وثيق للبنان منذ أمد طويل وأنه قد تابع باهتمام بالغ الأحداث والتطورات الأخيرة التى شهدتها البلاد.
وأوضحت "أن مكافحة الفساد وتنفيذ الحوكمة الرشيدة والإجراءات الإصلاحية العادلة والمسئولة اجتماعيا، هى الأولوية الأولى، مثلما ناقشنا مرات عديدة مع شركائنا اللبنانيين.. وفى هذا الإطار، يتوقع الاتحاد الأوروبى حوارا شاملا حول الإصلاحات ويبقى ملتزما تماما بالأهداف المتفق عليها خلال مؤتمر (سيدر) الذى عقد فى باريس عام 2018 لدعم لبنان".
وأعرب الاتحاد الأوروبى عن تقديره لنسق التعامل غير العنيف فى مواجهة الاحتجاجات التى يشهدها لبنان، مشيرا إلى أنه يحث القوى الأمنية اللبنانية على الاستمرار فى متابعة سياسة ضبط النفس خلال الاحتجاجات.. مشددا على دعمه للبنان وشعبه، والتزامه بوحدته وسيادته واستقراره واستقلاله السياسى وسلامة أراضيه.
ويشهد لبنان منذ مساء 17 أكتوبر الجارى سلسلة من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية العارمة فى عموم البلاد، اعتراضا على التراجع الشديد فى مستوى المعيشة والأوضاع المالية والاقتصادية، والتدهور البالغ الذى أصاب الخدمات التى تقدمها الدولة لاسيما على صعيد قطاعات الكهرباء والمياه والنفايات والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي. وما لبثت إلى أن سيطرت الطائفية على المشهد بعدما مشهد صدام أنصار حزب الله اللبنانى مع المتظاهرين الرافضين لورقة الاصلاحات التى قدمتها الحكومة لحلحلة الأزمة الاقتصادية بعد أسبوع من قطع الطرق واشعال الاطارات.
وركبت الطائفية موجة المطالبة والتخريب التى اندلعت فى كلا من لبنان والعراق، وتغلفت بغلاف المطالب التى نادت بالإصلاح وحل المشكلات المعيشية والخدمية، وذلك وسط ترقب إقليمى ودولى لما ستسفر عنه موجة الاحتجاجات الشعبية التى تجتاح البلدين منذ أسابيع.
اللافت فى التظاهرات التى ضربت العديد من المحافظات والمدن العراقية واللبنانية أنها تتشابه فى اجتياح الطائفية التى طغت على المشهدين فى البلدين، بالإضافة تشابه الهتافات التى تصدح بها حناجر العراقيين واللبنانيين منذ أيام.
ورغم أنه منذ اليوم الأول للتظاهرات رفع اللبنانيين شعار "كلن يعنى كلن" وهى عبارة تعنى رحيل جميع السياسيين اللبنانيين من دون استثناء، وذلك بسبب فشلهم بشكل كامل فى تلبية تطلعات الشعب اللبنانى على مدار السنوات الماضية، ما أدى لتدهور أوضاع الشعب بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة ووقوف الأحزاب والقوى السياسية عاجزة عن حلها، إلا أن الطائفية هى التى سادت المشهد بعد تقديم الحكومة ورقة الاصلاحات للخروج من الأزمة.
لكن فى الوقت نفسه، رفع المحتجين مطالبات – رصدتها اليوم السابع فى مقاطع مصورة – بضرورة تشريع قوانين تدفع نحو تحسين الوضع المعيشى والصحى للشعبين، فضلا عن المطالبة بتعيين الكفاءات وذوى الخبرة فى المناصب القيادية بالبلاد وليس بالواسطة والمحسوبية.
ورغم أن التظاهرات فى البلدين بدأت بنبذ الطائفية والحزبية وبرز ذلك فى اصطفاف السنى والشيعى والمسيحى صفا واحدا ورفع شعارات واحدة تدعو لنبذ الطائفية والحزبي، إلا أن شبح الطائفية خيم مع مرور الوقت على المشهد، وبقيت حالة الاستقطاب الطائفى والحزبى تهدد المجتمعين اللبنانى والعراقى، حيث عانت هذه البلدان من الطائفية لسنوات وهددت النسيج المجتمعى بالبلاد، وسط اتهامات لأطراف إقليمية ودولية بتغذية هذا الشعور الطائفى والحزبى داخل المجتمعات العربية خلال السنوات الماضية.