على وقع استقالة رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى، بالتزامن مع اليوم الثالث عشر لمظاهرات اللبنانيين، أصبح الغموض يكتنف المشهد اللبنانى، فقد ترك الحريرى السلطة وتحولت الحكومة لتصريف أعمال لحين تشكيل الحكومة الجديدة التى ستقود لبنان فى أصعب مرحلة تمر بها منذ الحرب الأهلية التي وقعت عامي 1975 و1990.
استقالة الحريرى تطرح الكثير من الأسئلة حول المستقبل السياسى للبنان، فهل تنقذ الاستقالة لبنان أن ما تقوده للمجهول؟، وما شكل الحكومة الجديدة التى سيتم تشكيلها ؟ وهل من الممكن أن يعود الحريرى للمشهد السياسى مجددا فى تلك الحكومة الجديدة ؟ وما دور حزب الله خلال الفترة القادمة ؟ وما موقف القوى الإقليمية التى لها مصالح بتلك الدولة؟ ، هذه الأسئلة نحاول أن نطرح لها أجوبة من خلال قراءة المشهد اللبنانى اليوم..هل تروى استقالة الحريري ظمأ المحتجين اللبنانيين وتصرفهم من الميادين؟.
لقد جاءت استقالة رئيس الوزراء اللبناني تنفيذا لمطلب المحتجين، وبالرغم من محاولة بعض مملثى الأحزاب الكبرى فى لبنان إقناع الحريرى بالعدول عن قراره ملوحين له بعدم التوصل لاتفاق حول شكل وطبيعة الحكومة الجديدة إلا أنه أصر للخضوع لرغبة المواطنين، وبالرغم من الفرحة التى سادت صفوف المحتجين إلا أن المراقبين وصفوا الاستقالة بأنها تدفع لبنان للمجهول، لأن تلك الاستقالة لم يصحبها أية بوادر اتفاق على الحكومة الجديدة، ما قد ينذر بدخول لبنان فترة ضبابية يكتنفها الغموض وعدم وضوح الرؤية لمستقبل المشهد السياسى.
ـ أزمات متفاقمة
إن تزامن الاستقالة مع تفاقم أوضاع متأزمة منذ فترة كبيرة في لبنان خاصة الاقتصادية والاجتماعية تزيد المخاوف وعدم اليقين بشأن مستقبل البلد، فتحدث مجمع المطاحن اللبناني أمس عن أزمة فى الأفق القريب سوف تهدد أفران العيش، حيث إن مخزون القمح ـ بحسب وصف المجمع ـ لا يكفى سوى20يوما ، هناك أيضا ازمة فى المصارف التى تدخل يومها الثالث عشر للإغلاق وأعلنت اليوم أن لن تستأنف العمل إلا بعد عودة الاستقرار ما يترتب عليه العديد من الأزمات منها أزمة الأدوية فهناك الكثير منها لم يعد متوفرا خاصة فى المناطق البعيدة عن العاصمة بيروت، وفى ظل كل هذه التحديات ترك الحريرى وحكومته المشهد لبقية الأطراف السياسية فى لبنان ، وهى اطراف لا تتسم العلاقات بينها بالانسجام مما يهدد بنشوب خلافات بينها تكرس عدم استقرار المشهد أيضا.
ـ انقسام
انقسم سياسيو لبنان بين مؤيد ومعارض لتلك الاستقالة فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أكد أن الاستقالة جاءت بعد محاولات مضنية للتسوية ودعا فى الوقت نفسه إلى ضبط النفس والحوار، ورئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع رأى أن الاستقالة أصابت الهدف ولبت مطلب اللبنانيين، أما أحمد الحريري، أمين عام تيار المستقبل أكد أن سعد الحريري يبقى سعد الحريري، قرأ كتاب الضمير، وليس كتاب الأمير".
ومن جانبه وأشار فؤاد السنيورة رئيس الوزراء الأسبق للبنان أن الاستقالة قدمها الحريرى بعد ان فشل فى التوصل لتوافق بين الأحزاب المعنية حول طبيعة وشكل الحكومة العتيدة، وعن إمكانية ان يعود الحريرى المشهد بترأسه الحكومة لمستقبلية الجديدة ، أكد السنيورة أن هذا يعتمد على المشاورات مع النواب والرئيس عون للوقوف على آرائهم واإجماع بأغلبية على من يتولى تشكيل الحكومة، ولكن السنيورة أكد أن الحريرى الأجدر بتكوينها ولكن الأهم الاتفاق على شكل الحكومة.
ـ دور حزب الله الفترة المقبلة
وبالنسبة لحزب الله ودوره الفترة المقبلة فهناك سيناريوهان الأول فى ظل الرسائل التى بعثها المحتجون خلال ال13 يوما الماضية انهم لا يريدون هذه العناصر فى قيادة حكومة البلاد لأن وجودهم خلف الأزمات ولم يعط حلولا لها ، وقد عانى الشعب لسنوات طويلة فى ظل وجود حزب الله، إلى جانب ما ارتكبه ضد المحتجين فى الخيام وهدم بعضها وإشعال الحرائق فى البعض الأخر، كل هذا يؤكد أ نالشعب لن يسمح لحزب الله بنفس المساحة السابقة فى السلطة.
السيناريو الثانى أن يسيطر حزب الله على الحكومة الجدديدة برمتها فى ظل غالبية سياسية موالية له ورئيس البرلمان أيضا، خاصة أنه الشريك الرئيسي للحكومة اللبنانية ويقوم بمساع منذ فترة لدى عون من أجل استشارات نيابية عاجلة لتشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن، فى حال استقالة رئيس الوزراء، وقد ييكون حمل تبرير الحريرى لاستقالته بعضا من هذه التلميحات فقد قال وصلت إلى "طريق مسدود"، ما قد يشير لتأثير حزب الله على القرار السياسى هناك.
وقد يكون هناك خطة لحزب الله لم يكشف عنها بعد خاصة أن كان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله هدد فى كلمة له رئيس الحكومة وعموم الطبقة السياسية اللبنانية، وحذرهم من تقديم الاستقالات .
ـ تشكيل الحكومة الجديدة
الأن أصبح مطلوبا و بأقرب وقت تشكيل حكومة جديدة من متخصصين مشهود لهم بنظافة كفهم والخبرة بالوقت نفسه ، وفى الوقت الذي استقبل فيه المحتجون نبأ الاستقالة بالهتافات والفرحة، حذر المراقبون من ضبابية مشهد الحكوكة الجديدة.
فليس هناك توافق حول شكل وطبيعة هذه الحكومة الجديدة فالبعض ينادى بحكومة تكنوقراط ومن المحتمل أن يسمح حزب الله بتشكيلها وتكون بعيدة عن الضغوط ولكن هذا احتمال ضعيف جدا. وقد يشكل حزب الله حكومته الخاصة فى ظل تمتعه بالأغلبية النيابية.
ولكن بعض اليساسيين متخوفون من معضلة تصل إليها لبنان حال رفض حزب الله وحلفائه حكومة التكنوقراط ففى تلك الحالة فإن رئيس الجمهورية وحزب الله، سيكونون أمام معضلتين، الأولى أن الشعب لن يرضى بأي طرف من الأطراف القائمة في السلطة بدخوله فى الحكومة الجديدة، خاصة أن حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، لا يتمتعون الىن بثقة الشارع .
والمعضلة الثانية تتمثل في وضع البلد في مواجهة عربية ودولية، فالكل يعرف أن حزب الله هو من يمسك بمقاليد الحياة السياسية في لبنان، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية، وسيتحول لبنان في نظر المجتمع الدولي إلى دولة مارقة، كون حزب الله مصنف كتنظيم إرهابي وبالتالي سيذهب لبنان إلى مزيد من الانهيار .
المشهد سيتضح بعد أن يكشف النقاب عن القيادة التى ستتولى تشكيل الحكومة الجديدة والتى ستنبئ عن طبيعة هذه الحكومة .
ـ هل يهدأ الشارع اللبنانى؟
وعلى صعيد الشارع اللبنانى ، البعض يتوقع أن تبعث تلك الاستقالة الهدوء فى حين يرى نشطاء لبنانيون أن امحتجين لن يتركوا الشارع، حتى يكمل تنفيذ مطالبهم جميعا، وأن الأيام المقبلة ستشهد تحركات شعبية جديدة، خاصة أن مطالب الشارع أصبحت تتجاوز القوى السياسية والطائفية، فرغم أن الحريرى ينتمى للطائفة السنية، إلا أن مدينة طرابلس، التى تعد أكبر مدينة بها سنة فى لبنان رحبت باستقالته.