قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي إنه اليوم وإنجازات ثمانية وأربعين عاماً تشخص أمامنا، نتذكر بكل الإجلال والعرفان والدنا ورمز اتحادنا ومؤسس نهضتنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ورفيق دربه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم والآباء المؤسسين.
وحسب وكالة أنباء الإمارات، أضاف في كلمة وجهها عبر مجلة درع الوطن بمناسبة اليوم الوطني الـ 48 للدولة ــ أنه مع ذكراهم تحضر رؤيتهم التي قادت إلى ولادة دولتنا، وطموحهم الذي وضع قواعد نموذجنا الإماراتي القوي بأبنائه وبناته، والمنيع بقواته المسلحة وأجهزته الأمنية، والناطق بالتنمية المستدامة، والمجسد لمبادئنا وقيمنا، ووحدة بيتنا، وعمق انتماء وولاء شعبنا والتحامه بقيادته والتفافه حول رؤاها وسياساتها وخطط عملها.
وفيما يلي نص الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم أيها المواطنون والمواطنات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهنئكم بحلول يومنا الوطني الثامن والأربعين.
وأتوجه معكم بالتهنئة إلى أخي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وأخي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخواني أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات.
اليوم وإنجازات ثمانية وأربعين عاماً تشخص أمامنا، نتذكر بكل الإجلال والعرفان والدنا ورمز اتحادنا ومؤسس نهضتنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ورفيق دربه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم والآباء المؤسسين. ومع ذكراهم تحضر رؤيتهم التي قادت إلى ولادة دولتنا، وطموحهم الذي وضع قواعد نموذجنا الإماراتي القوي بأبنائه وبناته، والمنيع بقواته المسلحة وأجهزته الأمنية، والناطق بالتنمية المستدامة، والمجسد لمبادئنا وقيمنا، ووحدة بيتنا، وعمق انتماء وولاء شعبنا والتحامه بقيادته والتفافه حول رؤاها وسياساتها وخطط عملها.
لقد انتقلنا بنموذجنا الإماراتي من حال إلى حال، ومن عصر إلى عصر، وثبتنا أقدامنا على مدارج الصعود والتقدم، وفتحنا لطموحاتنا أوسع الآفاق، ولأجيالنا المقبلة أرحب الفرص.
وكما تمتلئ نفوس الإماراتيين والإماراتيات فخراً واعتزازاً ورضا بإنجازات نموذجنا ونجاحاته فإني على يقين بأن هذه النفوس عامرة بحس المسؤولية عن صون الإنجازات وتطويرها ومضاعفتها. وهي أهل لذلك، فروح الاتحاد التي تسري فينا ألغت كلمة مستحيل من قاموسنا، وبها حولنا تحقيق الإنجازات إلى أسلوب حياة، وكرسنا التقدم غاية لخططنا وأعمالنا.
أيها المواطنون والمواطنات تعرفون أننا نعيش في عصر المتغيرات السريعة الإيقاع والمستجدات البالغة التأثير في كل مناحي الحياة. وهذا يعني أن إنجازاتنا في قطاعات البنى التحتية والخدمات الحكومية والاقتصاد والتعليم والصحة والثقافة، معرضة للتقادم إذا لم نحسن مواكبة المتغيرات واستيعاب المستجدات لذلك لا مكان عندنا للتراخي أو الركون إلى الراحة أو تأجيل عمل اليوم إلى الغد. وإذ تنطوي الإنجازات بطبيعتها على قوة دفع ذاتية، فإن من أوجب واجباتنا استثمار قوة الدفع هذه لتحقيق إنجازات نوعية جديدة تضمن لوطننا وشعبنا مواصلة التقدم في دروب التنمية والمجد والعلا.
سنظل في اشتباك إيجابي مع المستقبل، والمناسبة التي نحتفي بها اليوم حافلة بالدروس والعبر، فقد كان اتحادنا تجسيداً لتصميمنا على صنع مستقبلنا بأيدينا؛ وكان دستورنا إطاراً ناظماً لحاضر جديد، ونافذة على مستقبل مشرق تتحقق فيه التنمية المستدامة والشاملة للعمران البشري والمادي. وكان توحيد قواتنا المسلحة تأكيداً لعزمنا على حماية مستقبلنا بسواعد أبنائنا.
لقد غرس آباؤنا المؤسسون المستقبل في عقولنا وثقافتنا فحضر في كل خططنا ومشاريعنا الاستراتيجية، وهذا الحضور هو من أسرار نجاح نموذجنا الإماراتي، حيث مكننا من تحقيق التراكم الكمي والنوعي في كل حقول التنمية، وأضاف إلى برامج عملنا رصد الاتجاهات العالمية الصاعدة في الاقتصاد والتكنولوجيا، مما كفل لنا القدرة على مواكبة المتغيرات، وكفل لمواردنا البشرية واقتصادنا ومؤسساتنا القدرة على التكيف مع مقتضياتها.
وهكذا، حين أطلت تباشير الثورة الصناعية الرابعة بادرنا إلى الاشتباك الإيجابي معها، وانخرطنا في عالمها، وشاركنا في حراكها. ولم يكن ذلك ممكناً لولا أننا واكبنا ثورة المعلومات والاتصالات في بواكيرها، وشيدنا بنيتها التحتية الرقمية، وسخرنا تطبيقاتها للارتقاء بالأداء الحكومي، ودفعنا القطاع الخاص إلى توظيفها لتسريع انتقاله إلى الاقتصاد المعرفي.
وفي وقت مبكر أيضاً، أدركنا أهمية علوم وصناعات الفضاء، وقلت في حينه إن من لا يحجز مكاناً في الفضاء لن يحوز مكانه على الأرض. وقد جسدنا هذا الإدراك في بناء المؤسسات والمراكز ووضع التشريعات ذات الصلة، وتأهيل وإعداد الكوادر الوطنية المتخصصة، فانتقلنا من الاحتفاء بضيوفنا رواد الفضاء الأجانب إلى الاحتفاء بأبنائنا رواد الفضاء الإماراتيين. ومن شراء الأقمار الصناعية الجاهزة، إلى تصميمها وتصنيعها بعقول وأيدي شبابنا وشاباتنا الذين يضعون الآن اللمسات الأخيرة على مسبار الأمل الذي سينطلق في العام المقبل إلى المريخ.
لا يتسع المجال هنا لحصر تجليات حضور المستقبل في مشاريعنا، وأكتفي بنموذج إضافي يزخر به قطاع الطاقة الذي باتت بلادنا شريكاً رئيسياً وفاعلاً في رسم معالم مستقبله في العالم، من خلال مبادراتنا في مجال الطاقة النظيفة كما في مدينة مصدر أحد أكثر الحواضر استدامة في العالم، ومجمعنا للطاقة الشمسية الأكبر من نوعه في موقع واحد، ومحطة براكة للطاقة النووية التي ستجد من انبعاث واحد وعشرين مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنوياً فضلاً عما تضيفه للطاقة الكهربائية في بلادنا.
أيها المواطنون والمواطنات إن حديثي معكم عن المستقبل هو في واقع الأمر حديث عن الحاضر، فالمسافة بين الزمنين تكاد تتلاشى، وأشعر أحياناً أن أبعاد الزمن الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل تتجه لأن تصير بعدين؛ الماضي والمستقبل الذي بات يحضر في التو واللحظة.
واليوم ونحن نغتنم مناسبة ذكرى تأسيس اتحادنا لنقف معاً ونراجع أنفسنا وأداءنا، فإن أحد أهم مقاييس الأداء هو مدى ارتباط خططنا ومشاريعنا بالمستقبل. كلما كان الارتباط وثيقاً كان الإنجاز كبيراً والنجاح مشهوداً، والأمثلة على ذلك في واقعنا كثيرة. وكلما غاب الارتباط أو ضعف، جاء الإنجاز باهتاً والنجاح خجولاً. أنا مطمئن في يومنا الوطني هذا، أكثر من أي وقت مضى، إلى عمق وانتظام صلة بلادنا ومجتمعنا بالمستقبل، فحضور بلادنا وشبابنا وشاباتنا فاعل ونشط في أهم القطاعات المستقبلية المؤثرة في مكونات قوتنا الذاتية. وقد أنتجت استراتيجياتنا منظومة عمل تتكامل فيها أدوار المؤسسات والتشريعات، وتنطلق منها الخطط والبرامج والمشروعات والمبادرات، وتتعزز في سياقها بنيتنا التحتية العلمية، وتتعمق بإضافات نوعية أحدثها مختبرات الذكاء الصناعي وجامعة محمد بن زايد للذكاء الصناعي.
لقد حققنا في العام الاتحادي الماضي إنجازات مهمة في كل حقول التنمية، خاصة في التنمية الإنسانية، فمجتمعنا ينعم بنوعية حياة راقية موفورة الأمن والاستقرار. ومواردنا البشرية تملأ العين في كل المواقع والمجالات الحيوية في حكومتنا ودوائرنا وقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية والقضائية، وفي قطاعات الفضاء والطاقة الذرية والطاقة النظيفة والطيران والصناعات المتقدمة.
وسيظل تكوين إنساننا معرفياً وعلمياً وثقافياً، وتمكينه من أدوات البحث والتطوير والإبداع والابتكار هاجس حكومتنا وعلى رأس أولوياتنا، وهذا ما تسعى فيه بهمة ونشاط مدارسنا وجامعاتنا، وتتبناه مراكز التدريب ومراكز الشباب ومبادرات ريادة الأعمال.
وعلى صعيد الاقتصاد سجلنا تقدماً في حجم ونوعية أنشطتنا الاقتصادية بفضل التطوير المستمر لتشريعاتنا وتعزيز الشفافية والحوكمة والشراكة مع القطاع الخاص. وعلى الرغم من التباطؤ في الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية، واصل اقتصادنا النمو، ونمت التجارة غير النفطية، وتنمو التجارة الإلكترونية بمتوسط يبلغ 23 بالمئة سنوياً وذلك نتيجة تبني الحكومة مدفوعات الخدمات والتجارة الإلكترونية. وقد تبوأ اقتصادنا مركزاً متقدماً في التقرير السنوي للتنافسية العالمية 2019 الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية في سويسرا، حيث حل في المرتبة الرابعة متقدماً من المرتبة السابعة. وهذه المرتبة المرموقة تفرض علينا مضاعفة جهودنا لنتقدم أكثر وصولاً للمرتبة الأولى، ولتحقيق التقدم في مؤشرات التنمية الأخرى التي تتبوأ فيها دولتنا المراكز الأولى في عدة محاور، ومراكز متقدمة في محاور أخرى لا ترضينا ولا تلبي طموحاتنا.
وفي مجال التمكين السياسي أجرينا انتخابات أعضاء المجلس الوطني الاتحادي لدورة تشريعية جديدة بقاعدة انتخابية عريضة تبلغ 337738 ناخباً وناخبة، وهو عدد يبلغ واحداً وخميس ضعفاً لعدد القاعدة الانتخابية الأولى في العام 2006، في تأكيد جديد على جدارة نهج التدرج الذي نسير فيه بوعي وإدراك في بناء نموذجنا الإماراتي، وقد شهدت الانتخابات تفاعلاً اجتماعياً خلاقاً، ومنافسة شريفة بين المرشحين، واكتملت بانعقاد المجلس الوطني بتشكيلة الجديد وتكوينه الذي يضمن للمرأة تمثيلاً لا يقل عن 50 بالمئة.
إن تعزيز المشاركة السياسية للمرأة يقدم إضافة نوعية لجهودنا في تمكين المرأة وصولاً إلى تحقيق التوازن بين الجنسين، خاصة أن المرأة الإماراتية أظهرت كفاءة عالية في كل المسؤوليات التي تولتها سواء وزيرة أو مديراً عاماً أو عضواً في السلكين القضائي والدبلوماسي. وتصطحب جهودنا لتحقيق التوازن بين الجنسين معها دائماً جهوداً لتمكين المرأة من التزاماتها وواجباتها الأسرية، فالمرأة هي مصباح البيت، والأم عماد الأسرة، ودورها في تنشئة أبنائها ورعايتهم لا يتقدم عليه دور آخر. وقد قدمت أمهات شهدائنا نموذجاً يقتدى به ليس فقط في حسن تنشئة وتربية أبنائهن، ولكن أيضاً في الصبر على المصاب وتحمل ألم الفقدان، والتسليم بقضاء الله وقدره.
وإذ ينقضي عام التسامح مع نهاية هذا الشهر، فإن التسامح سيظل حاضراً في مجتمعنا ومنظومة قيمنا؛ فهو جزء أصيل من عقيدتنا، وبه يكتمل إيماننا، وعليه نشأ أسلافنا وأنشأونا. وسنواصل دورنا في تعزيز الأخوة الإنسانية بين الأديان والأعراق والثقافات، وسنكرس دولتنا منصة عالمية للتسامح والتعايش والحوار الإنساني والاحترام المتبادل وقبول الآخر.
نعم سنكرس دولتنا منصة للتسامح كما تكرست عنواناً للخير الذي كنا قد خصصنا له العام 2017. فقد انقضى ذلك العام لكن خير الإمارات ومساعداتها وعطاءاتها لم تنقض. كانت حاضرة قبل 2017 واستمرت بعده، وحافظت على مركزها كأكبر مانح عالمي للمساعدات كنسبة من الدخل القومي تبلغ 1,3%، وهي تقريباً ضعف النسبة العالمية البالغة 0,7% التي حددتها الأمم المتحدة لقياس جهود الدول المانحة.
أيها المواطنون والمواطنات لقد باتت دولتكم نموذجاً ملهماً لعالمنا العربي، وفاعلاً نشطاً في جهود تحسين نوعية حياة العديد من الدول الأقل حظاً. وباتت قدوة للعديد من دول العالم الساعية إلى تحقيق التنمية والتقدم. سنواصل مبادراتنا العربية ونطورها ونستجيب للتفاعل الكبير معها، ولن ندخر جهداً في خدمة أمتنا وإعلاء شأنها، ولن نتأخر عن نقل خبراتنا لكل شقيق وصديق يطلبها.
وحين يختار الشباب العربي سنة بعد أخرى الإمارات مكاناً مفضلاً للعمل والعيش، فإننا لا نتيه فخراً، بل نشعر بمسؤولية أكبر، ونزداد عزماً وتصميماً على تطوير بلادنا وتعزيز مكانتها الدولية وما تحظى به وشعبها من احترام وتقدير.
وحين يصير جواز السفر الإماراتي الأقوى في العالم فان سعادتنا بهذا الإنجاز تقترن بحرص كل أبناء وبنات الإمارات في حلهم وترحالهم على تأكيد جدارتنا به، واستحقاقنا له، من خلال التمسك بالأصيل من عاداتنا وتقاليدنا، والسنع في سلوكنا وتعاملنا مع الآخرين.
وحين تستضيف بلادنا اكسبو 2020 في العام المقبل، سنغتنم الاستضافة لإظهار أفضل ما في بلادنا من إمكانيات، وأفضل ما في شعبنا من سجايا وحسن وفادة وقدرات على التنظيم، وعلى تحفيز العقول لتتواصل وتصنع المستقبل.
أيها المواطنون والمواطنات في يومنا الوطني نتوجه بتحية خاصة إلى ضباط وجنود قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية ونشاطرهم مشاعرهم بفقدان زملائهم الشهداء، وندعو معهم المولى عز وجل أن يحفظ إخواننا وأبناءنا في أرض المعركة وأن يوفقهم ويعيدهم سالمين غانمين إلى وطنهم وذويهم.
والتحية موصلة لأخي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لقيادته الحكيمة وإنجازاته الموصوفة وجهوده في تعزيز قدرات قواتنا المسلحة لتظل حصناً منيعاً لوطننا، ومظلة قوية لتوطيد الأمن والاستقرار.
وأبشركم أبناء وطني بأن القادم أجمل، وان إنجازاتنا في العام 2020 ستتفوق على إنجازات العام 2019، وستقربنا أكثر من تحقيق أهداف أجندة العام 2021.