دخل العراق منعطفا جديدا في أزمته التي امتدت لشهرين منذ اندلاع تظاهرات مطلع أكتوبر الماضى ضد الفساد ونادت بتوفير فرص عمل لترتفع سقف المطالبات بالتوازى مع ارتفاع أعداد القتلى في جنوب البلاد إلى تغيير الحكومة وتعديل الدستور، اليوم بعد قبول مجلس النواب العراقى استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدى التي أعلن عنها الجمعة الماضية، لم يهدأ الشارع العراقى الذى يعيش حالة حداد في أكثر من 9 محافظات على ضحاياه الذين بلغوا لأكثر من 420 بحسب إحصائية لوكالة الأنباء الفرنسية.
وما يشغل بال العراقيون الآن بعد رحيل أحد الوجوه السياسية التي نادوا برحيلها على مدار الشهريين الماضيين، هو معاقبة من تسبب في قتل أبنائهم في ميادين الاحتجاجات في الجنوب في محافظات ذي قار والناصرية والنجف، ويعلق آماله على القضاء الذى بدأ بالتحرك اليوم وأصدار مذكرة قبض ومنع من السفر بحق الفريق الركن جميل الشمرى المسئول عن الملف الأمنى فى أحداث ذى قار، التى سقط خلالها عددا كبيرا من القتلى، كما ناقش البرلمان هذه الأحداث ووجه رئيسه محمد الحلبوسي، لجنة الأمن والدفاع بالانتقال فوراً إلى محافظتي ذي قار والنجف.
أما الطبقة السياسية فتأمل في أن يطوى العراق المراحل الدستورية لتشكيل حكومة جديدة تتمكن من السيطرة على الأوضاع، وتعد أول الخطوات الدستورية الآنية، هو تحولت الحكومة العراقية الحالية إلى حكومة تسيير أعمال على أن تتمتع بكافة الصلاحيات الأمنية والخدمية، الأمر الذى يكفله لها الدستور العراقى.
المرحلة الثانية التي تكفلها المادة 76 من الدستور العراقى تقع على عاتق البرلمان الذى وافق على استقالة عادل عبد المهدى بموجب المادى 75 من الدستور، ليقوم بعدها النواب بمخاطبة رئيس الجمهورية، المكلف باختيار مرشحا جديدا لرئاسة الوزراء يخلف عبد المهدى، خلال 15 يوم من 1 ديسمبر.
في حال رشح الرئيس العراقى شخصا يتولى الحكومة، سيكون علي رئيس مجلس الوزراء المكلف في الخطوة التالية تسمية أعضاء وزارته، خلال مدةٍ أقصاها 30 يوماً، ويعرض بعدها أسماء أعضاء وزارته على مجلس النواب لنيل الثقة، ويعد حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة، وفى حال عدم نيل الوزارة الثقة في البرلمان يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشحٍ آخر بتشكيل الوزارة، خلال 15 يوماً.
وقبيل قيام الرئيس برهم صالح بترشيح خليفة المهدى، وضع نواب عراقيون مواصفتهم في رئيس الحكومة الجديد، حيث وقع عدد منهم، اليوم الأحد، على وثيقة حددوا فيها الشروط التي يجب أن تتوفر في رئيس الوزراء المقبل، وأكد النواب أن رئيس الوزراء الجديد يجب أن يكون "شخصية وطنية مستقلة من حملة الجنسية العراقية حصرا، ولم يستلم أي منصب حكومي أو نيابي منذ سنة 2003 ولحد الآن، ويحظى بقبول المتظاهرين".
لكن هذه المواصفات قد لا تكون وحدها كافية لأى رئيس حكومة جديد سوف يواجه الكثير من التحديات في بلد يعصف به أزمة كبرى منذ التحرك الشعبى مطلع أكتوبر، وفى هذا الاطار قالت صحيفة الاوبزرفر أن خليفة المهدى سيتعين عليه التغلب على الاضطرابات الشديدة التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد وقالت إن المخاوف تتصاعد حيال انهيار البلاد وتفككه.
وخلال الأيام المقبلة سيتبين ما إذا كان العراق سيتجه نحو التهدئة أو قد لا تفلح استقالة الحكومة في ذلك بعد أن أثقلت فاتورة القتلى كاهل السلطة السياسية، وسيتبين هل سيكون على آخرين دفع فاتورة العنف الفترة المقبلة لاسيما وأن الشارع العراقى اليوم الأحد لم تهدأ أوضاعه بشكل تام، ففي محافظة الديوانية تم إغلاق مبنى ديوان المحافظة من قبل محتجين وقام متظاهرون بقطع عددا من الطرق الرئيسية والتجارية وسط مدينة كربلاء جنوبى العراق.
فى الوقت نفسه انطلقت مسيرات طلابية حاشدة وسط بغداد باتجاه ساحة التحرير، وأعلنت الجامعات والمدارس الحداد ونظمت وقفات حداد على أرواح ضحايا الاحتجاجات، وخرج طلابها بمسيرات رفعت شعارات تُطالب بمحاسبة قتلة المحتجين.
وشهد العراق الأيام الماضية أعنف وأكثر الاحتجاجات دموية منذ بدايتها مطلع اكتوبر الماضى، وقتل الخميس الماضى 45 شخصا وأصيب المئات، وبلغ عدد القتلى أكثر من 420 شخصا منذ بدء الاحتجاجات في العراق، وجُرح 15 ألفاً في بغداد والجنوب ذي الأغلبية الشيعية، وأثارت حالات القتل المتزايدة انتقادات دولية، حيث قالت الأمم المتحدة إن الوفيات لا يمكن السكوت عنها. وأدانت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، بشدة الاستخدام المفرط وغير المتناسب للقوة ضد المحتجين، وقالت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق أن الجرائم التي ارتكبت بحق المتظاهرين لا تسقط بالتقادم.