كشفت منظمة الصحة العالمية، إن الإصابة بفيروس الحصبة يمكن أن يؤثر على الصحة لأجل طويل، لأنه يدمر ذاكرة الجهاز المناعى لمدة شهور، أو حتى سنوات في أعقاب الإصابة بعدواها، ويتعرض الناجون من ويلات المرض عقب إصابتهم "بفقدان الذاكرة المناعى"، لاحتمال إصابتهم بأمراض مميتة أخرى، مثل الأنفلونزا أو الإسهال الحاد بسبب ما يلحق بدفاعات جسمهم المناعية من أضرار.
الحصبة مرض يمكن الوقاية منه
وتشير التقديرات الصادرة عن المنظمة، والأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، إلى أن نسبة الأطفال الذين حصلوا فى العالم على الجرعة الأولى من لقاح الحصبة بفضل خدمات التطعيم الروتينى المقدمة ببلدانهم بلغت 86% فى عام 2018، فيما حصلت منهم نسبة قلت عن 70% على الجرعة الثانية الموصى بأخذها من اللقاح، موضحة أنه لا تكفى معدلات التغطية بلقاح الحصبة فى أنحاء العالم أجمع للوقاية من فاشياتها، وتوصى المنظمة بضرورة توفير تغطية بالتطعيم نسبتها 95% من جرعتى لقاح الحصبة في كل بلد، وبين صفوف المجتمعات ككل لحماية السكان من شر المرض.
الوقاية من الحصبة بالتطعيم
وقالت المنظمة، أن البلدان الأشد فقرًا هى الأكثر تضررًا بالحصبة التى مازالت تشكل تحديًا عالميًا، ويرى التقرير، أن أسوأ أضرار المرض تلحق بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التى تفوت فيها على الكثير من أطفالها فرصة التطعيم ضده.
وقال الدكتور روبرت لينكينز رئيس شعبة مكافحة الأمراض المتسارعة الانتشار، وترصد الأمراض التى يمكن الوقاية منها باللقاحات فى المركز الأمريكى لمكافحة الأمراض والوقاية منها، ورئيس مبادرة مكافحة الحصبة والحصبة الألمانية، قائلًا: "لقد واظبنا على استعمال لقاح آمن وناجع ضد الحصبة لأكثر من 50 عامًا، وإن هذه التقديرات تذكرنا بأن كل طفل بكل مكان يلزمه هذا اللقاح المنقذ للأرواح، وعلينا أن نعكس اتجاه الحصبة، وأن نضع حدًا لهذه الوفيات الناجمة عنها، والتى يمكن الوقاية منها عن طريق زيادة إتاحة لقاح الحصبة، ومعدلات التغطية به.
ومع أن أشد البلدان فقرًا هى التى مُنيت بأكبر أضرار المرض، فإن بعض البلدان الأيسر حالًا ما زالت تكافح أيضًا فاشيات المرض التى تترك أضرارًا جسيمة على صحة الناس، وقد أبلغت الولايات المتحدة هذا العام عن أكبر عدد من حالات المرض منذ 25 عامًا، وخسرت بالوقت نفسه 4 بلدان فى أوروبا، هى ألبانيا وتشيكيا واليونان والمملكة المتحدة – وضعها من حيث التخلص من الحصبة فى عام 2018 فى أعقاب اندلاع فاشياتها لفترات طويلة، ويحدث ذلك بعد دخول الحصبة إلى بلد ما عقب الإعلان عن التخلص منها فيه، وإذا ما استمر انتقال عدواها بشكل مستدام فيه لأكثر من عام واحد.
وأشارت منظمة الصحة العالمية، أن مبادرة مكافحة الحصبة، والحصبة الألمانية، التى تضم فى عضويتها هيئة الصليب الأحمر الأمريكى، ومركز السيطرة على الامراض والوقاية منها، ومنظمة اليونيسيف ومؤسسة الأمم المتحدة، فضلًا عن التحالف العالمى من أجل اللقاحات والتمنيع، المعروف باسم تحالف اللقاحات، على تزويد البلدان بالمساعدة اللازمة للاستجابة لفاشيات الحصبة، بوسائل من قبيل شن حملات التطعيم ضدها أثناء الطوارئ.
وإضافة إلى تسريع وتيرة التطعيم ضد الحصبة، فإن الاستجابة لفاشياتها تنطوى أيضًا على بذل جهود رامية إلى تقليل خطورة حصد الأرواح، من خلال توفير العلاج بالوقت المناسب، وخصوصًا فيما يتعلق بما ينجم عنها من مضاعفات، مثل الالتهاب الرئوي. لذا، فإن المنظمة عاكفة على العمل مع الشركاء على تقديم الدعم اللازم لمساعدة البلدان على تدبير حالات المرض علاجيًا، بوسائل منها تدريب العاملين الصحيين على تزويد الأطفال الذين يعانون من آثار المرض برعاية فعالة.
وأضافت المنظمة، إنه علاوة على الاستجابة لفاشيات المرض، فإن البلدان والمجتمع الصحى العالمى فى حاجة ماسة إلى مواصلة الاستثمار فى برامج وطنية عالية الجودة تعنى بالتمنيع وترصد الأمراض وتساعد على ضمان الإسراع فى الكشف عن فاشيات الحصبة وكبح جماحها قبل أن تحصد الأرواح.
وقال الدكتور سيث بيركلى المدير التنفيذى للتحالف العالمى من أجل اللقاحات والتمنيع، المعروف باسم تحالف اللقاحات، قائلًا: "إنها لمأساة أن يشهد العالم زيادة سريعة فى حالات الإصابة بالحصبة والوفيات الناجمة عنها، وهى مرض يسهل الوقاية منه بالتطعيمات، ومع أن التردد والشعور بالرضا عن النفس هما من التحديات التى يلزم التغلب عليها، فإن أكبر فاشيات الحصبة اندلعت ببلدان تعانى من ضعف أنشطة التمنيع الروتينى فيها، وكذلك ضعف أنظمتها الصحية، مضيفا أنه يجب أن نحسن جهودنا فى مجال الوصول إلى أكثر الفئات ضعفًا، وهو محور العمل الجوهرى الذى سيركز عليه تحالف اللقاحات فى فترة السنوات الــ 5 المقبلة.
وتشير التقديرات إلى أن التطعيم ضد الحصبة لوحده أنقذ أرواح أكثر من 23 مليون شخص على مدى الأعوام الماضية البالغ عددها 18 عاما.
مبادرة مكافحة الحصبة والحصبة الألمانية
قالت المنظمة، أن مبادرة مكافحة الحصبة والحصبة الألمانية هى عبارة عن شراكة عالمية أسستها كل من هيئة الصليب الأحمر الأمريكى، ومركز السيطرة على الامراض والوقاية منها، ومؤسسة الأمم المتحدة، واليونيسيف، وهى ملتزمة بإيجاد عالم خال من الحصبة، والحصبة الألمانية، وحماية هذا العالم من أذاها، وقد ساعدت المبادرة منذ تأسيسها فى عام 2001 على تطعيم أكثر من 2.9 مليار طفل، وإنقاذ أرواح ما يزيد على 21 مليون شخص عن طريق زيادة معدلات التغطية بالتطعيم، وتحسين الاستجابة الموجهة للأمراض ورصدها، وتقييمها وبناء ثقة الجمهور وزيادة الطلب على التطعيم.
وقال جيل ماكجوفرن رئيس هيئة الصليب الأحمر الأمريكى، ومديرها التنفيذى قائلًا: "إننا نشعر بالجزع إزاء زيادة حالات الإصابة بالحصبة بالولايات المتحدة وفى أرجاء العالم، ولكن الأمل يحدونا، لأن الوقاية من فاشياتها ممكن تمامًا بفضل إقامة نظم قوية تكفل ألا تفوت على أى طفل فرصة الحصول على اللقاحات المنقذة للأرواح.
أمّا السيدة هينريتا فور المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسف فقالت: "إن العدد غير المقبول من الأطفال الذين حصد أرواحهم بالعام الماضى مرض يمكن الوقاية منه تمامًا، إنما هو دليل على أن الحصبة منتشرة بكل مكان وهى تشكل خطرًا على حياة الأطفال حيثما كانوا، لأن تركهم من دون تلقيح بأعداد كبيرة إنما يعرض المجتمعات برمتها للخطر، ونحن نشهد ذلك حتى اليوم فى أماكن نائية مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية التى أودت الحصبة فيها بحياة أكثر من 4500 طفل دون سن الخامسة حتى الآن هذا العام، أو فى ساموا التى أسفر انتشار فاشية الحصبة السريع فيها عن إصابة العديد من الأطفال بالمرض وعن تعذّر ذهابهم إلى المدرسة.
وأكدت كاثى كالفين، رئيسة مؤسسة الأمم المتحدة ومديرتها التنفيذية قائلةً: "إن هذه البيانات الأخيرة إنما تثبت، مع الأسف، تراجع التقدم الذى نحرزه فى مكافحة مرض يسهل الوقاية منه: ألا وهو الحصبة، على أن بمقدورنا قلب موازين فاشيات هذا المرض رأسًا على عقب، بفضل العمل الجماعى، وقطع التزامات سياسية قوية وسد الفجوات الخطيرة التى تتخلل التمويل، ولعل عملنا معًا هو من طرائق تكليل ذلك بالنجاح، لأنه يمثل الطريقة الوحيدة التى سنتمكن بها من تزويد الجميع بكل مكان باللقاحات والخدمات المنقذة للأرواح ومن تحقيق ما وضعته الأمم المتحدة من أهداف التنمية المستدامة على نطاق أوسع.
واضاف التقرير، لقد تعرض الأطفال دون سن الخامسة بمعظم الوفيات الناجمة عن الحصبة، بينما تعرض الرضع وصغار الأطفال لأشد أخطار الإصابة بعدواها التى يُحتمل أن تتسبب فى إصابتهم بمضاعفات منها الالتهاب الرئوى، والتهاب الدماغ (تورم يصيب المخ)، فضلًا عن تسببها فى إعاقات دائمة تلازمهم طوال عمرهم، مثل الإصابة بتلف الدماغ، أو العمى، أو فقدان السمع الدائم.