اختلفت صورة المسيح باختلاف الثقافات حول العالم من ثقافة إلى أخرى، فبالنظر إلى أيقونات السيد المسيح فى أفريقيا نجد تصويره على أنه أفريقى اللون والملامح، كذلك الحال عندما تذهب إلى الصين واليايان، تجده أقرب للملامح الأسيوية، وهنا فى المنطقة العربية نصوره بملامح شرقية، تختلف قليلا عندما تذهب إلى أوروبا.
يبدو أنه لا أحد يعرف الملامح الحقيقية للمسيح، لأنه لم يثبت بشكل أن فنانا كان معاصرا ليسوع ابن مريم وتمكن من رسمه، ولا يوجد فى العهد الجديد "الإنجيل" نص صريح يؤكد ذلك، كذلك لم يرد عن تلاميذ وأصحاب يسوع المسيح، الذى عاشوا معه وعاصروه، أى وصف دقيق أو تفاصيل عن سماته الجسدية، ولا يتضمن العهد الجديد أى وصف لملامح المسيح خلال وجوده مع تلاميذه، ولا تظهر نصوص الإنجيل قيمة وأهمية عموما تجاه المظهر أو الانتماءات العرقية.
ورأى الأوروبيون ملامح المسيح مثلهم..الشعر الأصفر والأعين الخضراء
الكنيسة تستند فى تصويرها للمسيح لمنديل القديسة فيرونيكا
القصة المتداولة بشكل كبير عن صورة المسيح، والتى يستند إليها الرسامون المسيحون منذ القدم، تأتى عبر أطروحة أن القديسة فيرونيكا مسحت وجه السيد المسيح - حين وقع تحت ثقل الصليب - بدافع من حبّها له وإشفاقها عليه، وعند عودتها إلى منزلها وجدت أن صورة وجه السيد المسيح ظهرت على هذا المنديل. وقد ظهرت الآلام على ملامحه، ويقول التقليد الغربى إن فيرونيكا ذهبت إلى روما وشَفَت الإمبراطور طيباريوس بقوة المنديل الذى تحمله، وأنها عند نياحتها تركته للبطريرك القديس إكليمنضس.
ايقونة القديسة فيرونيكا تحمل منديلا لشكل المسيح
ظهور رسومات المسيح المنتشرة
رغم افتقار المراجع والسجلات التاريخية، فقد ظهرت مجموعة واسعة من محاولات تصوير ورسم السيد المسيح عليه السلام على مدى ألفى عام، وتتأثر غالبًا بالظروف الثقافية والسياسية والسياقات اللاهوتية، ويرجع تاريخ أقدم الصور إلى أواخر القرن الثانى أو أوائل القرن الثالث الميلادى، وتوجد بشكل أساسى فى روما، وفى هذه الرسوم المبكرة، يظهر المسيح عادة كشخصية شابة بلا لحية وشعر مجعد، ومع ذلك تظهر صوره باللحية أيضًا منذ وقت مبكر.
وبعد تحول الإمبراطور قسطنطين إلى المسيحية فى القرن الرابع الميلادى، وجد الفن المسيحى العديد من الرعاة الأثرياء وازدهر فى الإمبراطورية الرومانية، وفى هذه الفترة عرفت الكثير من الصور والرسوم للسيد المسيح عليه السلام وبعضها بملامح رومانية تأثرا بالثقافة السائدة، وفى القرن الثالث عشر جرى التأكيد على تواضع السيد المسيح والتركيز على معاناته، بينما فى عصر النهضة جرى الاهتمام بالجمال "المثالى" للصور والرسوم.
الهنود أيضا صوروا المسيح من منظور ثقافتهم الخاصة
الأيقونات جمالية أكثر منها حقيقية
الشائع أيضا أن أيقونات المسيح المنتشرة فى العالم كله، هى صور جمالية، تبرز تفاصيل وملامح تصل حد الكمال، فنرى ملامح المسيح الفاتحة والاشعر الاشقر العينين الزرقاوين، وهى المنتشرة فى أوروبا رغم أنه لم يكن أوروبيا، لكن أيضا هناك رسومات وأيقونات مختلفة نسبت إلى يسوع المسيح، منتشرة فى مناطق أخرى من العالم، فنجد أيقونة للمسيح الأفريقى الملامح، وأخرى له بملامح أسيوية خالصة.
الشكل الأقرب للمسيح
ويقدم كتاب "ما هو شكل المسيح" تأليف "بى جوان إى تايلور" تحليلا علميا لمختلف الأشكال التى ظهر فيها يسوع فى القرون الأولى بعد وفاته، فيسوع الطويل الملتحى يمكن أن يظهر كشخصية شاب حسن المظهر، وأكد الكاتب أن أفضل طريقة للحصول على صورة يسوع التاريخية هى تقديم دراسة عن الأدلة الأثرية حول الناس الذين يعيشون فى القرن الأول من اليهودية، والنظر إلى الناس فى المنطقة اليوم.
ويرى الكتاب أن الأناجيل الأربعة لا تتضمن أى وصف لمظهر المسيح، فلا يوجد شىء عن شعره أو لحيته، أو عما يرتديه، ولهذا كان أكثر ما يشغل المؤمنين على مر القرون هو وجهه المقدس، ويستشهد الكاتب "تايلور" بما يسمى بـ"خطاب لينتولوس" المفترض أنه كُتب من قِبل مسئول رومانى، والذى يحتوى على وصف هيئة المسيح، وكان الخطاب يتضمن أن يسوع شعره بلون البندق وناعم جداً لدرجة أنه كان يمكنه أن يضعه بسلاسة حول أذنيه"، لكن "تايلور" يؤكد أنه لسوء الحظ، فإن خطاب لينتولوس هو نتاج العصور الوسطى وليس العصر الرومانى.
اليابانيون المسيح مثلهم بنفس ملامحهم وملابسهم أيضا
النبى محمد وصف يسوع المسيح بعد رحلة الإسراء
واستنادا للمصادر الإسلامية، يوصف المسيح فى أحاديث للنبى محمد (عليه الصلاة والسلام) بأوصاف جسدية منها كونه رجلا قوى البنية متوسط الطول بشرته مشربة بالحمرة أو بلون بنى خفيف، وروى أبو هريرة فى حديث الإسراء والمعراج قول النبى عليه الصلاة والسلام "وأما عيسى بن مريم، فرجل أحمر، بين القصير والطويل، سبط الشعر، كثير خيلان الوجه، كأنه خرج من ديماس، تخال رأسه يقطر ماء، وليس به ماء".
وفى الصحيحين عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم :.. ورأيت عيسى رجلا مربوعا، مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس.
ويؤخذ من مجموع الأحاديث عدة صفات: مربوع القامة - أى ليس بالطويل ولا بالقصير، لون بشرته تميل إلى الحمرة، عريض الصدر، سبط الشعر - أى مسترسل الشعر - كأن رأسه يقطر ولم يصبه بلل، أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفى رضى الله عنه.
الصينينو وضعوا صورا للمسيح تتفق مع ثقافاتهم صاحب اعين ضيقة
الأيقونات المسيح مختلفة من قارة إلى أخرى
فى أستراليا والغرب عامة إلى الكنائس التى تصوّر السيد المسيح عليه السلام غالبا كرجل أبيض يشبه الأنجلوأستراليين ويسهل التعاطف معه كون ملامحه مشابهة لهم، فى أوروبا تصور الكنائس الغربية المسيح على أنه من ذوى البشرة البيضاء، وصاحب اعين زرقاء، وتذكر عدد من التقاير أن صورة المسيح المألوفة فى أوروبا أتت من الحقبة البيزنطية فى القرن الرابع الميلادى، والتمثيل البيزنطى للمسيح كان رمزيا.
الإثيوبيين جسدوا المسيح أيضا مثل ثقافتهم وملامحهم
وفى المقابل تصور العديد من الكنائس والثقافات غير الغربية المسيح كرجل بني أو أسود، وعادة ما يكون لدى المسيحيين الأرثوذكس أيقونات مختلفة تمامًا عن الفن الأوروبي، وإذا دخلت كنيسة في أفريقيا، فمن المحتمل أن ترى المسيح بملامح أفريقية واضحة.
وفى آسيا، فإن أيقونات السيد المسيح أيضًا لها ملامح أسيوية بعيون ضيقة مائلة وبشرة صفراء، وكذلك العائلة المقدسة، وفي الهند فأيقونات السيد المسيح ملامحها تعطيه شكلًا هنديًا، وأيضًا في أمريكا الجنوبية وأوروبا وغيرها في الأماكن.
الأفارقة صوروا المسيح أسمر اللون وذو شعر مجعد مثلهم